ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

مع تقدّم القيادية الجريئة كرامب ـ كارنباور ورجل الأعمال ميرز في «السباق الثلاثي» لخلافة ميركل

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير
TT

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

طوال 8 أيام، جال المرشحون لزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في كل أنحاء ألمانيا من أجل التواصل مع الناخبين والتحدث إليهم. كان كل منهم يحاول تمييز نفسه عن الآخر.
ورغم كثرة المواضيع الاجتماعية التي تشغل الألمان، كان طاغيا على الأقل في الجولات الأولى للمرشحين، موضوع الهجرة واللجوء. ومرشح واحد من بين الثلاثة، بدا قادراً على تحريك القاعدة الشعبية بشغف. إذ عندما كان فريدريك ميرز يتكلم كان الجمهور يقف ليصفق... ولفترة طويلة.
وبخلاف منافسيه نجح ميرز بسرقة ضحكات من مستمعيه. للبعض، يبدو الأكثر إقناعاً. فهو رجل ستيني، فقد بعض الشعر من رأسه والبعض آخر أصابه الشيب. وهو طويل القامة نحيل الجسم، ويتردد أن حزب «البديل لألمانيا»، المتشدد في يمينيته، متوتر من احتمال فوزه بالزعامة، ومتخوف من أنه قد يأخذ الكثير ممن يفترض أنهم ناخبوه.
أما منافسا ميرز، فهما شاب مثلي طموح وسيدة رصينة. المنافس الشاب يانس شبان، يشغل راهناً منصب وزير الصحة في الحكومة الحالية. وهو «ثلاثيني» يتحدث بثقة كبيرة رغم أن صغر سنه لا يساعده. أما السيدة فهي أنغريت كرامب - كارنباور، التي تشغل حالياً منصب الأمينة العامة للحزب، وهي في الخمسينات من العمر. شعرها قصير بني اللون، وتضع نظارات طبية. وتتكلم بشيء من الصلابة والرتابة.
عندما يواجه المتنافسون الثلاثة الجمهور تقف كرامب - كارنباور بين الرجلين الأطول منها قامة بكثير. غير جولاتهم «الشعبية» هذه قد لا يكون لها تأثيرها الكبير. ذلك أن مَن سيصوت لاختيار زعيم الحزب، هم المندوبون البالغ عددهم 1001 مندوب وليس أعضاء الحزب العاديين. وهؤلاء، اعتباراتهم مختلفة عن اعتبارات القاعدة الشعبية.

بين «نسخة ميركل» و«عدو ميركل»، كما يُعرفان في الصحافة الألمانية، سيختار مندوبو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا خليفة المستشارة أنجيلا ميركل في زعامة الحزب.
«نسخة ميركل» هي أنغريت كرامب - كارنباور، ابنة الحزب المخلصة التي ترقّت تدريجياً في سلّم القيادة خلال العقود الماضية، بينما «عدو ميركل» هو فريدريك ميرز، السياسي اللامع ورجل الأعمال الثري كان غائباً عن الساحة السياسية لأكثر من عقد من الزمن بعدما نجحت ميركل في إبعاده قسراً، ومن ثم، يعتقد كثيرون أنه عاد «للانتقام». وأخيراً، يبقى المرشح الثالث يانس شبان، الذي يعتبره معظم المراقبين خارج المنافسة وبعيداً عن تحقيق نقاط تذكر... سواءً مع القاعدة الشعبية أو مع المندوبين.

تقدّم مبكّر لميرز
عندما بدأ السباق لخلافة ميركل في زعامة الحزب، كان ميرز متقدّماً على منافسيه في استطلاعات الرأي بين القاعدة الشعبية للحزب. ولكن الآن، قبل أسبوع واحد من موعد التصويت، لاختيار الزعيم الجديد، تراجع ميرز إلى المرتبة الثانية مقابل تقدّم كرامب - كارنباور إلى المرتبة الأولى بنسبة نحو 48 في المائة مقابل 35 في المائة لميرز ونحو 2 في المائة فقط لشبان الذي خسر 10 نقاط مئوية منذ بداية السباق. واللافت أن المُستطلَعين يقولون إنهم يثقون بـ«السيدة» أكثر من الرجلين. وفي الحقيقة، لهذه الثقة أسباب وجيهة.

المرشح الشاب
شبان، وزير الصحة الشاب، يبدو عاجزاً عن كسب ثقة الناخبين لصغر سنه نسبياً، وعاجزاً عن كسب ثقة المندوبين بسبب أسلوبه «المُستنسَخ» عن أسلوب شبيهه المستشار النمساوي المتطرف الشاب سيباسيان كورتز. وحقاً، يقول مصطفى عمّار، عضو مجلس أمناء الحزب وأحد المندوبين الذي سيصوّتون لانتخاب الزعيم الجديد، يصف شبان بأنه «صاحب رؤية جيدة»، قبل أن يضيف «لكنه ما زال شاباً في معترك العمل السياسي ولا خبرة لديه في عمل الحزب».
وبالمناسبة، المعروف أن شبان مقرّب من المستشار النمساوي كورتز، المتشدّد في قضايا الهجرة واللجوء، والذي يسعى منذ تولّيه منصبه لإدخال قوانين تصعّب على اللاجئين الانتقال إلى النمسا. وهنا يعلّق عمّار على أفكار شبان القريبة من أفكار كورتز بالقول: «شبان متمسّك بطريقة طرح الأمور على طريقة كورتز، وهو يحاول تطبيق أي شيء طبّق هناك (في النمسا)... هنا في ألمانيا».
وبالفعل يبدو شبان متأثراً بسياسات مستشار النمسا المتطرّف، خاصة فيما يتعلق بالهجرة. ولقد أثار موجة انتقادات خاصة داخل حزبه، عندما دعا إلى رفض ميثاق الهجرة الذي أقرّته الأمم المتحدة في يوليو (تموز) الماضي ودعت الدول إلى التوقيع عليه. ومع أن الميثاق غير ملزم للدول الموقعة عليه، وكل هدفه تنظيم الهجرة مع الاعتراف بحق كل دولة بفرض قوانينها، فإن الدول التي يقودها ساسة معارضون للهجرة رفضوا الانضمام إليه. ومن هؤلاء كورتز الذي اعتبر أن الميثاق «قد يحوّل الهجرة إلى حقّ من حقوق الإنسان ويلغي الفرق بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية». كذلك كان بين القيادات العالمية الرافضة للميثاق، إدارة الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة، وقادة بولندا والمجر وتشيكيا، والدول الأوروبية هذه يقودها قادة يمينيون متطرفون وشعبويون.
وتجدر الإشارة إلى أنه في العاصمة الألمانية برلين أعلن حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف رفضه للميثاق الأممي، ومعتبراً إياه برنامجاً «لإعادة توطين اللاجئين الفارين من الفقر». ولكن مع ذلك، أقر «البوندستاغ» - أي مجلس النواب في البرلمان الألماني - الميثاق قبل يومين بعد نقاش طويل داخل المجلس.

ميرز... رجل الأعمال
من جانبه، يبدو ميرز بالنسبة للناخبين «بعيد الارتباط» عنهم. ومع أن خلفيته الاقتصادية تلعب دوراً إيجابياً في بث الثقة به، فإن ارتباطه بشركة «بلاك روك» الذي كان يرأس عملياتها في ألمانيا لسنوات واستقال منها للترشح لزعامة الحزب، أثّر سلباً على علاقته بالناخبين. وكمثال على ذلك، رفض ميرز في مقابلة أدلى بها قبل نحو أسبوع لصحيفة «بيلد» الشعبية الاعتراف بأنه مليونير، مفضّلاً وصف نفسه بأنه «ينتمي للطبقة الوسطى»، لكن هذا الكلام به الكثير من الاستهزاء. بل بات وصفه لنفسه بأنه من «الطبقة الوسطى» محطّ مزاح وسخرية متواصلين، حتى أنه تحوّل إلى إعلان استخدمته شركة «سيكست» لتأجير السيارات، التي وضعت صورة له وكتبت أسفلها: مليونير ومرتب سنوي ليس من «الطبقة الوسطى». وإلى جانبه صورة لسيارة أودي فاخرة كتبت أسفلها: 99 يورو في اليوم هذه «طبقة عليا».
وبالفعل، رفض ميرز هذا الاعتراف بثروته، ومحاولته تصوير نفسه على أنه من العامة، أفقده الكثير من ثقة الناخبين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إنستا» ونشرته صحيفة «بيلد»، أن 64 في المائة من المُستطلَعين قالوا إنه «لا ينتمي للطبقة الوسطى».

قصة الرجل المشرّد
وما زاد من الشعور بأن ميرز فعلاً فاقد للارتباط بالواقع، قصة ظهرت في صحيفة «تاز» لرجل مشرّد وتجربته مع ميرز عام 2004. إذ يروي الرجل للصحافية كيف عثر على كومبيوتر محمول في أحد القطارات في برلين، وعندما فتحه عثر على قائمة بأرقام هواتف كبار الساسة من بينهم غيرهارد شرودر - الذي كان مستشارا حينذاك - وأنجيلا ميركل وغيرهما الكثير. ووفق الرجل، الذي يدعى إنريكو، بأنه علم على الفور بقيمة الكومبيوتر الذي عثر عليه، وأنه لم يشأ أن يقع في أيدي الأشخاص الخطأ، فسلّمه للشرطة وترك عنوان أحد مراكز مساعدة المشرّدين في المدينة. ويتابع أنريكو روايته قائلاً إنه بعد 4 أسابيع وصل طرد باسمه إلى عنوان مركز إيواء المشردين الذي تركه مع الشرطة. وكان الطرد عبارة عن كتاب لمؤلفه ميرز بعنوان «فقط أولئك الذين يتغيّرون سيصمدون: عن تحقيق الثروة والمستقبل». وفي الكتاب إهداء يقول: «شكر كبير للعاثر الصادق».
لم يصدّق الرجل المشرّد ما تلقاه، وقال وهو يتذكّر بغضب: «كان أمراً شائناً… لقد رميت الكتاب في نهر شبري على الفور. كان يعلم من العنوان الذي زوّدته الشرطة به أنني رجل مشرّد». وتابع إنريكو أنه لم يكن «غبياً» فهو كان يعلم أن بإمكانه بيع الكومبيوتر في السوق السوداء وجني الكثير من المال مقابل ذلك، لكنه اختار أن يفعل ما هو الصواب، ولكن هذا لم يكن له «أي قيمة» بالنسبة لميرز.
وعلى الأثر، علّق أحد النواب المنتمين للحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على الرواية، وغرّد على «تويتر» أنها «تقول كل ما تريدون معرفته عن شخصية ميرز».
شخصية ميرز هذه، وخصال أخرى فيه، تلعب على ما يبدو دوراً سلبياً في علاقته مع أعضاء الحزب أيضاً. وهنا يشرح مصطفى عمّار أن كثيرين من المندوبين أبلغوه بأنهم لن يصوّتوا لميرز لأنه ذو شخصية متشبّثة بآرائها ولا يقبل نصائح أحد. ويضيف أن من عرفه في السابق، وكان معه في البرلمان، يقول إنه «مستبد برأيه، ويصعب التحاور والتفاهم معه ومن ثم إقناعه».

العلاقة مع واشنطن
أيضاً من النقاط السلبية التي يعاني منها ميرز، في نظر عدد من الحزبيين الديمقراطيين المسيحيين، ارتباطه الوثيق بالولايات المتحدة، اقتصاديا على الأقل، بسبب عمله مع شركة أميركية طوال السنوات الماضية. أضف إلى ذلك، أن ميرز يروّج لعلاقات أوثق وأمتن مع واشنطن رغم انتقادات إدارة ترمب المستمرة لألمانيا، وبخاصة، فيما يتعلق بمساهماتها المالية لحلف شمال الأطلسي «ناتو» وسياسة اللجوء التي اعتمدتها المستشارة ميركل منذ العام 2015. ووفق عمّار «هناك تخوّف داخل الحزب من أن نعود ونتحول إلى تابعين لأميركا في ظل حكم ميرز، فهو كان بعيداً كل البعد عن السياسة لفترة طويلة... مركّزاً على عمله في مجال الأعمال التي قربته كثيرا من واشنطن».
ولكن في المقابل، هناك الكثير من الجوانب الإيجابية أيضاً. فغياب ميرز الطويل عن السياسة وانخراطه في الأعمال والأرقام والاقتصاد، مكّناه من التحدّث بثقة ومعرفة عن السياسات الاقتصادية التي تهم ناخبي حزبه المحافظ، خاصة، فيما يتعلق بأنظمة الضرائب والتقاعد والمرتبات وساعات العمل وغيرها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نظام الضرائب الألماني معقّد جداً وبحاجة ماسة لإصلاحات، وميرز - بالذات - من أقدم الداعين لإصلاحه وتبسيطه. كما أنه اشتهر في الماضي بدعوته لتبسيط نظام الضرائب لدرجة تجعل المواطنين قادرين على احتساب ضرائبهم على ورقة صغيرة. ومثله نظام التقاعد الذي يحتاج لإصلاحات تجعله قادراً على
مماشاة استمرار شيخوخة المجتمع الألماني. وكان حزب «البديل لألمانيا» قد استغل غياب الإصلاحات في هذه المجالات لكسب أصوات الناخبين. ويقول البعض أنه لهذا السبب، يتخوّف الآن من إمكانية فوز ميرز لأن ذلك سيؤدي به إلى خسارة الكثير من الأصوات التي كسبها بسبب تكراره الكلام عن تأخر الإصلاحات الضرورية لهذه القوانين.

الهجرة واللجوء
على صعيد آخر، مع أن ميرز حاول في البداية اتخاذ خط متشدّد من الهجرة وبدا مقنعاً للناخبين، إلا أنه ذهب بعيداً عندما دعا إلى مناقشة بند في الدستور الألماني يحفظ حق اللجوء، وهو بند أدخل بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل على الاضطهاد والقتل الذي تعرّض له اليهود أيام النازيين. وحقاً، أي جدل حول هذا البند يُنظر إليه على أنه أشبه بإنكار حقبة سوداء من تاريخ البلاد. وللعلم، تعدّ ألمانيا اليوم الدولة الوحيدة التي تحفظ حق اللجوء في دستورها.
وما زاد من الجدل حول دعوة ميرز، نفيه تصريحاته في اليوم التالي، وقوله إنه جرى اجتزاء كلامه فأخرج عن سياقه. لكن الصحافة الألمانية كانت به بالمرصاد، إذ عادت وطبعت كلامه كاملاً قبل يوم، ما أظهر أن أحداً لم يسئ تفسيره.

«نسخة ميركل المصغرة»
مع ظهور هذه النقاط السلبية لدى ميرز، كانت آنغريت كرامب - كارنباور، طبعاً، المستفيد الأكبر. ومع أن هذه السيدة لم تحمل الكثير من الجديد، بل لقبّتها الصحافة الألمانية بـ«نسخة ميركل المصغّرة»، فقد تمكنت في الأيام الأخيرة من كسب نقاط مهمة وكثيرة وضعتها بحسب استطلاعات الرأي في صدارة المتسابقين… أقله لدى الناخبين.
حاولت كرامب - كارنباور تمييز نفسها عن ميركل في بعض النواحي. مثلاً، رغم دفاعها عن سياسة الهجرة التي اعتمدتها ميركل عام 2015. فإنها دعت إلى ترحيل طالبي اللجوء السوريين المتورّطين بجرائم. ولكن، يظهر أن تقريرا لوزارة الخارجية الألمانية خلص إلى استحالة ترحيل أحد إلى سوريا بسبب المخاطر، أوقف هذا الجدل. وفيما بعد دافعت عن الانضمام إلى ميثاق الهجرة الأممي، وانتقدت ميرز لدعوته فتح نقاش حول بند اللجوء في الدستور الألماني. وهكذا، فهي بالنسبة لأمثال مصطفى عمّار «الوحيدة من بين المرشحين التي لم تستخدم ورقة اللجوء لكسب المزيد من التأييد».
أكثر من هذا، عندما تتحدث كرامب - كارنباور عن الهجرة، فإنها تذكر «الهجرة الإيجابية بهدف لإدخال الكفاءات التي تحتاجها البلاد لسد آلاف الوظائف الشاغرة في مختلف القطاعات».
وكلامها هذا أكسبها تأييداً كبيراً في صفوف الشركات الألمانية، وكذلك أصحاب الأعمال الذين حذّروا من أن العجز عن ملء الوظائف الشاغرة قد يهدّد نمو الاقتصاد الألماني.

«نعم نستطيع»
ويبدو أن ثقة أمينة عام الحزب تزايدت في الأيام الماضية لدرجة أنها ما عادت تحرص كثيراً على الابتعاد سياسيا عن نهج ميركل، بل اختارت في أحد التجمّعات الانتخابية الأخيرة أن تكرّر واحدة من أشهر جمل ميركل حول أزمة اللجوء، وهي «نعم نستطيع» في إشارة إلى قدرة ألمانيا على مواجهة التحديات القادمة من مليون لاجئ سوري.
لم تتردد كرامب - كارنباور من تكرار هذه الجملة مع أنها تعلم دلالاتها، وأنها ستربطها أكثر بميركل. والواقع، أن لدى كرامب - كارنباور قدرة على الحصول على ثقة الناخبين. ثم إن «إخلاصها» لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وبقاءها وتدرّجها في صفوفه طوال السنوات الـ20 الماضية، عوامل أكسبتها أيضاً علاقات جيدة مع أعضاء الحزب والمندوبين ما قد يساعدها في كسب أكبر عدد من الأصوات.

إكمال المسيرة أم الثورة؟
انتخاب «آكا كا» – كما تُعرف آنغريت كرامب - كارنباور اختصاراً – قد لا ينشّط القاعدة الشعبية للديمقراطيين المسيحيين بالطريقة نفسها التي قد ينشّطها انتخاب ميرز. وقد لا تتمكن هذه السيدة الرصينة من انتزاع الكثير من الأصوات من حزب «البديل لألمانيا». غير أن انتخابها، بحسب محللين، سيعني بأن الحزب قرّر إكمال مسيرة ميركل وسياساتها لا الثورة عليها. كذلك سيعني أن الحزب أثبت بأنه قابل للتغيير، وهذا بحد ذاته سيفقد حزب «البديل لألمانيا» الكثير من الأصوات، وإعادة «الناقمين» من الديمقراطيين المسيحيين إلى حضن حزبهم المحافظ العريق.
في النهاية، يرى مصطفى عمّار، «أن الذي سينجح بقيادة الحزب، وربما لاحقاً يصبح مستشاراً سيكون عليه الالتزام بالبرنامج الذي وضعه الحزب حتى العام 2025، كما سيتوجب عليه الحكم «بالإجماع» وهو ما يتلخص في شخصية آكا كا، على عكس ميرز الذي تبدو نزعته للحكم تفردية». وهنا يشير إلى أن «الكثير من مشاكل الحزب اليوم وخسارته للناخبين كان سبباً مباشرا لتفرّد ميركل بقرارات الهجرة وإعلانها فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين عام 2015 من دون العودة لا إلى البرلمان ولا إلى حزبها.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.