ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

مع تقدّم القيادية الجريئة كرامب ـ كارنباور ورجل الأعمال ميرز في «السباق الثلاثي» لخلافة ميركل

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير
TT

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

طوال 8 أيام، جال المرشحون لزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في كل أنحاء ألمانيا من أجل التواصل مع الناخبين والتحدث إليهم. كان كل منهم يحاول تمييز نفسه عن الآخر.
ورغم كثرة المواضيع الاجتماعية التي تشغل الألمان، كان طاغيا على الأقل في الجولات الأولى للمرشحين، موضوع الهجرة واللجوء. ومرشح واحد من بين الثلاثة، بدا قادراً على تحريك القاعدة الشعبية بشغف. إذ عندما كان فريدريك ميرز يتكلم كان الجمهور يقف ليصفق... ولفترة طويلة.
وبخلاف منافسيه نجح ميرز بسرقة ضحكات من مستمعيه. للبعض، يبدو الأكثر إقناعاً. فهو رجل ستيني، فقد بعض الشعر من رأسه والبعض آخر أصابه الشيب. وهو طويل القامة نحيل الجسم، ويتردد أن حزب «البديل لألمانيا»، المتشدد في يمينيته، متوتر من احتمال فوزه بالزعامة، ومتخوف من أنه قد يأخذ الكثير ممن يفترض أنهم ناخبوه.
أما منافسا ميرز، فهما شاب مثلي طموح وسيدة رصينة. المنافس الشاب يانس شبان، يشغل راهناً منصب وزير الصحة في الحكومة الحالية. وهو «ثلاثيني» يتحدث بثقة كبيرة رغم أن صغر سنه لا يساعده. أما السيدة فهي أنغريت كرامب - كارنباور، التي تشغل حالياً منصب الأمينة العامة للحزب، وهي في الخمسينات من العمر. شعرها قصير بني اللون، وتضع نظارات طبية. وتتكلم بشيء من الصلابة والرتابة.
عندما يواجه المتنافسون الثلاثة الجمهور تقف كرامب - كارنباور بين الرجلين الأطول منها قامة بكثير. غير جولاتهم «الشعبية» هذه قد لا يكون لها تأثيرها الكبير. ذلك أن مَن سيصوت لاختيار زعيم الحزب، هم المندوبون البالغ عددهم 1001 مندوب وليس أعضاء الحزب العاديين. وهؤلاء، اعتباراتهم مختلفة عن اعتبارات القاعدة الشعبية.

بين «نسخة ميركل» و«عدو ميركل»، كما يُعرفان في الصحافة الألمانية، سيختار مندوبو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا خليفة المستشارة أنجيلا ميركل في زعامة الحزب.
«نسخة ميركل» هي أنغريت كرامب - كارنباور، ابنة الحزب المخلصة التي ترقّت تدريجياً في سلّم القيادة خلال العقود الماضية، بينما «عدو ميركل» هو فريدريك ميرز، السياسي اللامع ورجل الأعمال الثري كان غائباً عن الساحة السياسية لأكثر من عقد من الزمن بعدما نجحت ميركل في إبعاده قسراً، ومن ثم، يعتقد كثيرون أنه عاد «للانتقام». وأخيراً، يبقى المرشح الثالث يانس شبان، الذي يعتبره معظم المراقبين خارج المنافسة وبعيداً عن تحقيق نقاط تذكر... سواءً مع القاعدة الشعبية أو مع المندوبين.

تقدّم مبكّر لميرز
عندما بدأ السباق لخلافة ميركل في زعامة الحزب، كان ميرز متقدّماً على منافسيه في استطلاعات الرأي بين القاعدة الشعبية للحزب. ولكن الآن، قبل أسبوع واحد من موعد التصويت، لاختيار الزعيم الجديد، تراجع ميرز إلى المرتبة الثانية مقابل تقدّم كرامب - كارنباور إلى المرتبة الأولى بنسبة نحو 48 في المائة مقابل 35 في المائة لميرز ونحو 2 في المائة فقط لشبان الذي خسر 10 نقاط مئوية منذ بداية السباق. واللافت أن المُستطلَعين يقولون إنهم يثقون بـ«السيدة» أكثر من الرجلين. وفي الحقيقة، لهذه الثقة أسباب وجيهة.

المرشح الشاب
شبان، وزير الصحة الشاب، يبدو عاجزاً عن كسب ثقة الناخبين لصغر سنه نسبياً، وعاجزاً عن كسب ثقة المندوبين بسبب أسلوبه «المُستنسَخ» عن أسلوب شبيهه المستشار النمساوي المتطرف الشاب سيباسيان كورتز. وحقاً، يقول مصطفى عمّار، عضو مجلس أمناء الحزب وأحد المندوبين الذي سيصوّتون لانتخاب الزعيم الجديد، يصف شبان بأنه «صاحب رؤية جيدة»، قبل أن يضيف «لكنه ما زال شاباً في معترك العمل السياسي ولا خبرة لديه في عمل الحزب».
وبالمناسبة، المعروف أن شبان مقرّب من المستشار النمساوي كورتز، المتشدّد في قضايا الهجرة واللجوء، والذي يسعى منذ تولّيه منصبه لإدخال قوانين تصعّب على اللاجئين الانتقال إلى النمسا. وهنا يعلّق عمّار على أفكار شبان القريبة من أفكار كورتز بالقول: «شبان متمسّك بطريقة طرح الأمور على طريقة كورتز، وهو يحاول تطبيق أي شيء طبّق هناك (في النمسا)... هنا في ألمانيا».
وبالفعل يبدو شبان متأثراً بسياسات مستشار النمسا المتطرّف، خاصة فيما يتعلق بالهجرة. ولقد أثار موجة انتقادات خاصة داخل حزبه، عندما دعا إلى رفض ميثاق الهجرة الذي أقرّته الأمم المتحدة في يوليو (تموز) الماضي ودعت الدول إلى التوقيع عليه. ومع أن الميثاق غير ملزم للدول الموقعة عليه، وكل هدفه تنظيم الهجرة مع الاعتراف بحق كل دولة بفرض قوانينها، فإن الدول التي يقودها ساسة معارضون للهجرة رفضوا الانضمام إليه. ومن هؤلاء كورتز الذي اعتبر أن الميثاق «قد يحوّل الهجرة إلى حقّ من حقوق الإنسان ويلغي الفرق بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية». كذلك كان بين القيادات العالمية الرافضة للميثاق، إدارة الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة، وقادة بولندا والمجر وتشيكيا، والدول الأوروبية هذه يقودها قادة يمينيون متطرفون وشعبويون.
وتجدر الإشارة إلى أنه في العاصمة الألمانية برلين أعلن حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف رفضه للميثاق الأممي، ومعتبراً إياه برنامجاً «لإعادة توطين اللاجئين الفارين من الفقر». ولكن مع ذلك، أقر «البوندستاغ» - أي مجلس النواب في البرلمان الألماني - الميثاق قبل يومين بعد نقاش طويل داخل المجلس.

ميرز... رجل الأعمال
من جانبه، يبدو ميرز بالنسبة للناخبين «بعيد الارتباط» عنهم. ومع أن خلفيته الاقتصادية تلعب دوراً إيجابياً في بث الثقة به، فإن ارتباطه بشركة «بلاك روك» الذي كان يرأس عملياتها في ألمانيا لسنوات واستقال منها للترشح لزعامة الحزب، أثّر سلباً على علاقته بالناخبين. وكمثال على ذلك، رفض ميرز في مقابلة أدلى بها قبل نحو أسبوع لصحيفة «بيلد» الشعبية الاعتراف بأنه مليونير، مفضّلاً وصف نفسه بأنه «ينتمي للطبقة الوسطى»، لكن هذا الكلام به الكثير من الاستهزاء. بل بات وصفه لنفسه بأنه من «الطبقة الوسطى» محطّ مزاح وسخرية متواصلين، حتى أنه تحوّل إلى إعلان استخدمته شركة «سيكست» لتأجير السيارات، التي وضعت صورة له وكتبت أسفلها: مليونير ومرتب سنوي ليس من «الطبقة الوسطى». وإلى جانبه صورة لسيارة أودي فاخرة كتبت أسفلها: 99 يورو في اليوم هذه «طبقة عليا».
وبالفعل، رفض ميرز هذا الاعتراف بثروته، ومحاولته تصوير نفسه على أنه من العامة، أفقده الكثير من ثقة الناخبين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إنستا» ونشرته صحيفة «بيلد»، أن 64 في المائة من المُستطلَعين قالوا إنه «لا ينتمي للطبقة الوسطى».

قصة الرجل المشرّد
وما زاد من الشعور بأن ميرز فعلاً فاقد للارتباط بالواقع، قصة ظهرت في صحيفة «تاز» لرجل مشرّد وتجربته مع ميرز عام 2004. إذ يروي الرجل للصحافية كيف عثر على كومبيوتر محمول في أحد القطارات في برلين، وعندما فتحه عثر على قائمة بأرقام هواتف كبار الساسة من بينهم غيرهارد شرودر - الذي كان مستشارا حينذاك - وأنجيلا ميركل وغيرهما الكثير. ووفق الرجل، الذي يدعى إنريكو، بأنه علم على الفور بقيمة الكومبيوتر الذي عثر عليه، وأنه لم يشأ أن يقع في أيدي الأشخاص الخطأ، فسلّمه للشرطة وترك عنوان أحد مراكز مساعدة المشرّدين في المدينة. ويتابع أنريكو روايته قائلاً إنه بعد 4 أسابيع وصل طرد باسمه إلى عنوان مركز إيواء المشردين الذي تركه مع الشرطة. وكان الطرد عبارة عن كتاب لمؤلفه ميرز بعنوان «فقط أولئك الذين يتغيّرون سيصمدون: عن تحقيق الثروة والمستقبل». وفي الكتاب إهداء يقول: «شكر كبير للعاثر الصادق».
لم يصدّق الرجل المشرّد ما تلقاه، وقال وهو يتذكّر بغضب: «كان أمراً شائناً… لقد رميت الكتاب في نهر شبري على الفور. كان يعلم من العنوان الذي زوّدته الشرطة به أنني رجل مشرّد». وتابع إنريكو أنه لم يكن «غبياً» فهو كان يعلم أن بإمكانه بيع الكومبيوتر في السوق السوداء وجني الكثير من المال مقابل ذلك، لكنه اختار أن يفعل ما هو الصواب، ولكن هذا لم يكن له «أي قيمة» بالنسبة لميرز.
وعلى الأثر، علّق أحد النواب المنتمين للحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على الرواية، وغرّد على «تويتر» أنها «تقول كل ما تريدون معرفته عن شخصية ميرز».
شخصية ميرز هذه، وخصال أخرى فيه، تلعب على ما يبدو دوراً سلبياً في علاقته مع أعضاء الحزب أيضاً. وهنا يشرح مصطفى عمّار أن كثيرين من المندوبين أبلغوه بأنهم لن يصوّتوا لميرز لأنه ذو شخصية متشبّثة بآرائها ولا يقبل نصائح أحد. ويضيف أن من عرفه في السابق، وكان معه في البرلمان، يقول إنه «مستبد برأيه، ويصعب التحاور والتفاهم معه ومن ثم إقناعه».

العلاقة مع واشنطن
أيضاً من النقاط السلبية التي يعاني منها ميرز، في نظر عدد من الحزبيين الديمقراطيين المسيحيين، ارتباطه الوثيق بالولايات المتحدة، اقتصاديا على الأقل، بسبب عمله مع شركة أميركية طوال السنوات الماضية. أضف إلى ذلك، أن ميرز يروّج لعلاقات أوثق وأمتن مع واشنطن رغم انتقادات إدارة ترمب المستمرة لألمانيا، وبخاصة، فيما يتعلق بمساهماتها المالية لحلف شمال الأطلسي «ناتو» وسياسة اللجوء التي اعتمدتها المستشارة ميركل منذ العام 2015. ووفق عمّار «هناك تخوّف داخل الحزب من أن نعود ونتحول إلى تابعين لأميركا في ظل حكم ميرز، فهو كان بعيداً كل البعد عن السياسة لفترة طويلة... مركّزاً على عمله في مجال الأعمال التي قربته كثيرا من واشنطن».
ولكن في المقابل، هناك الكثير من الجوانب الإيجابية أيضاً. فغياب ميرز الطويل عن السياسة وانخراطه في الأعمال والأرقام والاقتصاد، مكّناه من التحدّث بثقة ومعرفة عن السياسات الاقتصادية التي تهم ناخبي حزبه المحافظ، خاصة، فيما يتعلق بأنظمة الضرائب والتقاعد والمرتبات وساعات العمل وغيرها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نظام الضرائب الألماني معقّد جداً وبحاجة ماسة لإصلاحات، وميرز - بالذات - من أقدم الداعين لإصلاحه وتبسيطه. كما أنه اشتهر في الماضي بدعوته لتبسيط نظام الضرائب لدرجة تجعل المواطنين قادرين على احتساب ضرائبهم على ورقة صغيرة. ومثله نظام التقاعد الذي يحتاج لإصلاحات تجعله قادراً على
مماشاة استمرار شيخوخة المجتمع الألماني. وكان حزب «البديل لألمانيا» قد استغل غياب الإصلاحات في هذه المجالات لكسب أصوات الناخبين. ويقول البعض أنه لهذا السبب، يتخوّف الآن من إمكانية فوز ميرز لأن ذلك سيؤدي به إلى خسارة الكثير من الأصوات التي كسبها بسبب تكراره الكلام عن تأخر الإصلاحات الضرورية لهذه القوانين.

الهجرة واللجوء
على صعيد آخر، مع أن ميرز حاول في البداية اتخاذ خط متشدّد من الهجرة وبدا مقنعاً للناخبين، إلا أنه ذهب بعيداً عندما دعا إلى مناقشة بند في الدستور الألماني يحفظ حق اللجوء، وهو بند أدخل بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل على الاضطهاد والقتل الذي تعرّض له اليهود أيام النازيين. وحقاً، أي جدل حول هذا البند يُنظر إليه على أنه أشبه بإنكار حقبة سوداء من تاريخ البلاد. وللعلم، تعدّ ألمانيا اليوم الدولة الوحيدة التي تحفظ حق اللجوء في دستورها.
وما زاد من الجدل حول دعوة ميرز، نفيه تصريحاته في اليوم التالي، وقوله إنه جرى اجتزاء كلامه فأخرج عن سياقه. لكن الصحافة الألمانية كانت به بالمرصاد، إذ عادت وطبعت كلامه كاملاً قبل يوم، ما أظهر أن أحداً لم يسئ تفسيره.

«نسخة ميركل المصغرة»
مع ظهور هذه النقاط السلبية لدى ميرز، كانت آنغريت كرامب - كارنباور، طبعاً، المستفيد الأكبر. ومع أن هذه السيدة لم تحمل الكثير من الجديد، بل لقبّتها الصحافة الألمانية بـ«نسخة ميركل المصغّرة»، فقد تمكنت في الأيام الأخيرة من كسب نقاط مهمة وكثيرة وضعتها بحسب استطلاعات الرأي في صدارة المتسابقين… أقله لدى الناخبين.
حاولت كرامب - كارنباور تمييز نفسها عن ميركل في بعض النواحي. مثلاً، رغم دفاعها عن سياسة الهجرة التي اعتمدتها ميركل عام 2015. فإنها دعت إلى ترحيل طالبي اللجوء السوريين المتورّطين بجرائم. ولكن، يظهر أن تقريرا لوزارة الخارجية الألمانية خلص إلى استحالة ترحيل أحد إلى سوريا بسبب المخاطر، أوقف هذا الجدل. وفيما بعد دافعت عن الانضمام إلى ميثاق الهجرة الأممي، وانتقدت ميرز لدعوته فتح نقاش حول بند اللجوء في الدستور الألماني. وهكذا، فهي بالنسبة لأمثال مصطفى عمّار «الوحيدة من بين المرشحين التي لم تستخدم ورقة اللجوء لكسب المزيد من التأييد».
أكثر من هذا، عندما تتحدث كرامب - كارنباور عن الهجرة، فإنها تذكر «الهجرة الإيجابية بهدف لإدخال الكفاءات التي تحتاجها البلاد لسد آلاف الوظائف الشاغرة في مختلف القطاعات».
وكلامها هذا أكسبها تأييداً كبيراً في صفوف الشركات الألمانية، وكذلك أصحاب الأعمال الذين حذّروا من أن العجز عن ملء الوظائف الشاغرة قد يهدّد نمو الاقتصاد الألماني.

«نعم نستطيع»
ويبدو أن ثقة أمينة عام الحزب تزايدت في الأيام الماضية لدرجة أنها ما عادت تحرص كثيراً على الابتعاد سياسيا عن نهج ميركل، بل اختارت في أحد التجمّعات الانتخابية الأخيرة أن تكرّر واحدة من أشهر جمل ميركل حول أزمة اللجوء، وهي «نعم نستطيع» في إشارة إلى قدرة ألمانيا على مواجهة التحديات القادمة من مليون لاجئ سوري.
لم تتردد كرامب - كارنباور من تكرار هذه الجملة مع أنها تعلم دلالاتها، وأنها ستربطها أكثر بميركل. والواقع، أن لدى كرامب - كارنباور قدرة على الحصول على ثقة الناخبين. ثم إن «إخلاصها» لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وبقاءها وتدرّجها في صفوفه طوال السنوات الـ20 الماضية، عوامل أكسبتها أيضاً علاقات جيدة مع أعضاء الحزب والمندوبين ما قد يساعدها في كسب أكبر عدد من الأصوات.

إكمال المسيرة أم الثورة؟
انتخاب «آكا كا» – كما تُعرف آنغريت كرامب - كارنباور اختصاراً – قد لا ينشّط القاعدة الشعبية للديمقراطيين المسيحيين بالطريقة نفسها التي قد ينشّطها انتخاب ميرز. وقد لا تتمكن هذه السيدة الرصينة من انتزاع الكثير من الأصوات من حزب «البديل لألمانيا». غير أن انتخابها، بحسب محللين، سيعني بأن الحزب قرّر إكمال مسيرة ميركل وسياساتها لا الثورة عليها. كذلك سيعني أن الحزب أثبت بأنه قابل للتغيير، وهذا بحد ذاته سيفقد حزب «البديل لألمانيا» الكثير من الأصوات، وإعادة «الناقمين» من الديمقراطيين المسيحيين إلى حضن حزبهم المحافظ العريق.
في النهاية، يرى مصطفى عمّار، «أن الذي سينجح بقيادة الحزب، وربما لاحقاً يصبح مستشاراً سيكون عليه الالتزام بالبرنامج الذي وضعه الحزب حتى العام 2025، كما سيتوجب عليه الحكم «بالإجماع» وهو ما يتلخص في شخصية آكا كا، على عكس ميرز الذي تبدو نزعته للحكم تفردية». وهنا يشير إلى أن «الكثير من مشاكل الحزب اليوم وخسارته للناخبين كان سبباً مباشرا لتفرّد ميركل بقرارات الهجرة وإعلانها فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين عام 2015 من دون العودة لا إلى البرلمان ولا إلى حزبها.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.