كفرنبل... رمز «الثورة السورية» لا تزال تحلم بالحرية

TT

كفرنبل... رمز «الثورة السورية» لا تزال تحلم بالحرية

نجحت كفرنبل السورية في استقطاب أنظار العالم عبر شعاراتها الجريئة والساخرة غالباً ضد النظام، فتحولت إلى رمز... بعد سبع سنوات، تتمسك المدينة التي فقدت أبرز ناشطيها، رائد فارس، الأسبوع الماضي، بما بقي من «الثورة» رغم كل خيبات الأمل، ذلك في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
في كفرنبل الواقعة في محافظة إدلب (شمال غرب)، التي تسيطر عليها اليوم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، تنتشر جداريات ملونة تدافع عن «الثورة السورية»، وتؤكد إحداها «لن تقتلوا ثورتنا».
ويقول الناشط الإعلامي عبد الله الداني (26 عاماً): «بدأت الثورة في مدينة كفرنبل، هي شرارة الشمال منذ بداية الثورة وشمعة في الشمال السوري المظلم».
في شوارع المدينة التي نقلت منها وسائل الإعلام العالمية صوراً جسدت شجاعة أهلها في المطالبة بالحرية والديمقراطية، يعبّر كثيرون اليوم عن حزنهم على رائد فارس، «مهندس» اللافتات و«صوت» المدينة إلى الخارج.
ويقول الداني: «في بداية الثورة، كان هناك أشخاص معينون لتنسيق المظاهرات، أحدهم رائد فارس الذي قدم إعلامياً الكثير لمدينتنا، وكان صوتها خارج سوريا».
وقُتل فارس وصديقه الناشط حمود جنيد برصاص مجهولين، الجمعة، إثر خروجهما من مسجد في كفرنبل بعد الصلاة.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فارس وجنيد بـ«ضميري الثورة» اللذين «واجها بطريقة سلمية وبشجاعة جرائم النظام».
وأعرب ممثل وزير الخارجية الأميركي الخاص إلى سوريا جيم جيفري، ومبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا جول رايبون عن «حزن عميق» إزاء اغتيال «رمزين من رموز الثورة».
في عام 2011، انضمت كفرنبل، وعدد سكانها حالياً أكثر من 20 ألفاً، إلى المظاهرات ضد نظام الرئيس بشار الأسد، التي كانت بدأت بالانتشار تدريجياً في غالبية المناطق السورية، قبل أن يتم قمعها بالقوة عبر مداهمات واعتقالات وإطلاق نار.
ومع تحول حركة الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، شهدت كفرنبل منذ عام 2012 اشتباكات بين قوات النظام وعناصر منشقة عنها. وخرجت المدينة في العام نفسه مع مناطق أخرى عن سيطرة القوات الحكومية، قبل أن تصبح كل محافظة إدلب تحت سيطرة فصائل معارضة وجهادية في 2015.
وبدأ العالم ينتظر كل يوم جمعة، موعد المظاهرات الأسبوعية، خروج سكان كفرنبل ليصرخوا «الشعب يريد إسقاط النظام»، أو ليحملوا لافتات بالإنجليزية والعربية تخاطب مجلس الأمن والدول العربية والغربية وتطلب مساندة السوريين في مطالبتهم بالحرية.
وكان فارس وناشطون آخرون من المدينة يتفننون في إيجاد الأفكار.
في 14 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، كتب ناشطو كفرنبل شعاراً اشتهروا به وتحولت صورته وهم حوله إلى رمز للمدينة، وفيه «يسقط النظام والمعارضة... يسقط كل شيء».
ومع تطور الأحداث، تنوعت اللافتات الموقعة من كفرنبل والتي طالت انتقاداتها كل الأطراف، ومنها «ليست حرباً أهلية، إنها مجزرة. اتركونا نموت، لكن لا تكذبوا»، و«داعش: لم نحررها لتحكموها... ارحلوا»، و«روسيا.. أطلقي سراح مجلس الأمن»، و«الى الجامعة العربية، اعترفوا بفشلكم ولا تكونوا شركاء في الجريمة»، و«إلى البابا: ميلاد مجيد من سوريا، الأرض التي قتل عليها الأسد سانتا كلوس».
ويقول الناشط بلال بيوش: «وقفت كفرنبل ضد تنظيم داعش الإرهابي منذ عام 2013»، مضيفاً: إنه يتم في كفرنبل اليوم «تنظيم وقفات تضامنية مع ناشطين تعتقلهم (هيئة تحرير الشام)».
ومنعت «هيئة تحرير الشام» إذاعة «راديو فريش» التي أسسها رائد فارس من بث الموسيقى منذ عام 2016. ويقول بيوش: إن فارس «اختار أن يبث أصوات حيوانات مثل العصافير والديوك بدلاً من الموسيقى لكي لا يتم إجباره على وقف البث».
ويفخر أهالي كفرنبل برمزية مدينتهم ولافتاتها التي عبّرت «عما في قلوب الناس»، وفق ما يقول الطالب الجامعي محمد العلوش (21 عاماً). ويضيف «كفرنبل هي ثورة... ثورة ضد الظلم مهما كان».
في عام 2014، خاطت نساء كفرنبل علم المعارضة بنجومه الحمراء الثلاث وبطول 75 متراً، وحملنه على امتداد أحد شوارع المدينة.
ويواصل سكان كفرنبل الخروج في مظاهرات ترفع شعارات مطالبة بإسقاط النظام.
ويقول بيوش: «بعد ثماني سنوات، زادت عزيمتنا، وسنستمر حتى إسقاط النظام ونحقق مطالبنا الأولى التي خرجنا من أجلها». لكنه يعرب في الوقت ذاته عن خشيته نتيجة «موجة الاغتيالات التي تطال الناشطين» في محافظة إدلب.
وستفتقد كفرنبل فارس وجنيد اللذين قتلا غدراً، علماً بأن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي اتهموا «هيئة تحرير الشام» بقتلهما، خصوصاً لمواقفهما المعروفة ضدها. وكانت الهيئة اعتقلتهما سابقاً مرات عدة.
ويقول فاتح الشيخ (62 عاماً)، أحد وجهاء المدينة وعم فارس: «من أوصل صوت كفرنبل إلى العالم هو رائد الفارس من خلال لافتاته (...) وفقدانه خسارة للثورة عامة ولكفرنبل خاصة».
لكن بالنسبة إلى عبد الله الداني «كفرنبل فقدت رائد الفارس، لكنه كان عبارة عن فكرة والفكرة لن تموت (...) وسيخرج من كفرنبل أكثر من رائد واحد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».