نثر الشعراء

أفادوا منه حين أخذوا عنه طواعيته وليونته واتصاله بتفاصيل الحياة

نزار قباني - محمود درويش - محمد الماغوط
نزار قباني - محمود درويش - محمد الماغوط
TT

نثر الشعراء

نزار قباني - محمود درويش - محمد الماغوط
نزار قباني - محمود درويش - محمد الماغوط

لطالما كانت العلاقة بين الشعر والنثر محلاً للمشاكلة والالتباس والتداخل بين الحدود والمفاهيم. صحيح أن كليهما يتخذ من اللغة مادته ونسيجه ومجاله الحيوي، ولكن الصحيح أيضاً أن لكل منهما أسلوبه وأدواته وطريقته في مقاربة المعاني. ومع أن قدامة بن جعفر قد ذهب بعيداً في تبسيط الفوارق بين التوأمين «اللدودين»، واعتبر أن الشعر هو الكلام الموزون المقفى، فإن نقاداً آخرين، وبينهم الجرجاني والقرطاجني، دحضوا هذا المفهوم الشكلي والضيق، مميزين بين الشعر والنظم، ورابطين الشعر بالتخييل والترميز والاختزال الموحي، مقابل النثر الذي تغلب عليه الإطالة والتفاسير ويخضع لضوابط العقل ومفاهيمه وأحكامه. واللافت في الأمر أن كل ما يورده «لسان العرب» من شروح لفعل «نثر» الثلاثي تقتصر على ربط النثر بالثرثرة الكلامية وبما تناثر من الأشياء، مقابل لغة الشعر التي تقوم على الصياغة الحاذقة والسبك المحكم. أما البحتري فيؤكد في بيته الشهير: «الشعر لمْحٌ تكفي إشارتهُ\ وليس بالهذْر طُوّلتْ خطبهْ»، على ربط الشعر بالتكثيف الموحي، مقابل الإطالة والإسهاب اللذين يطغيان على النصوص والخطب النثرية. إلا أن تفضيل العرب للشعر على النثر بوجه عام لا يعود لدواعٍ فنية وأسلوبية بحتة، بل لأنهم أناطوا بالأول وظائف ومهمات سياسية وعقائدية وتعبوية لم يكن النثر قادراً على تلبيتها أول الأمر.
إلا إن كانت المعادلة باتت بعد ذلك عرضة للتبدل والتغيير، ليس فقط بسبب الفرادة الإعجازية للنثر القرآني، أو قدرة الخطابة على احتلال موقعها المتقدم في التحريض الحماسي وتحريك العصبيات، بل بسبب وصول الكتابة النثرية إلى ذرى إبداعية شاهقة مع ابن المقفع والجاحظ وأبي حيان التوحيدي وبعض التجارب الصوفية اللاحقة.
على أن افتراق النثر عن الشعر لا يظهر جلياً إلا في الموضوعات والمقاربات المتصلة بالفقه والفلسفة والتشريع والعلوم المختلفة، في حين أن الوضع يختلف مع النثر الأدبي والإبداعي تمام الاختلاف، بحيث تضيق الهوة بين جناحي اللغة إلى أبعد الحدود، ويصبحان وجهين متقاربين لجوهر جمالي واحد.
وحيث إن كليهما يشتغلان على مسرح لغوي مشترك، فلا غرابة أن يدخل الشعر في صُلب ما هو نثري، أو ما كان يُظن أنه نثري بالكامل، كالفلسفة على سبيل المثال، فتبدو نصوص نيتشه وباشلار الفلسفية، كما شذرات سيوران النثرية، مشبعة بالتخييل الاستعاري وقادرة على إدهاشنا بالقدر نفسه الذي يفعله الشعر الحقيقي والعظيم.
كما أن الشعر أفاد من النثر أعظم الإفادة حين أخذ عنه طواعيته وليونته واتصاله الوثيق بتفاصيل الحياة وجزئيات الواقع الملموسة. وإذا كان الشعر يمتاز عن النثر في بنائه الاختزالي وصوره الآسرة وجرسه الإيقاعي الباعث على النشوة وطرب النفس، فإن النثر بتخففه من ثقل القيود وأوزار الأوزان والقواعد التأليفية المرهقة، استطاع أن يفيد من الحرية القصوى الممنوحة له، وأن يستخدم كل ما يلزمه من مفردات المعاجم، وأن ينفذ إلى الجحور الصغيرة للأفكار والمعاني، دون أن يعترض طريقه أي عائق يُذكر. هكذا بدا في كل نثر حقيقي شيء من كهرباء الشعر وعصبه وتوتره، وفي كل شعر حقيقي بعض من رشاقة النثر وتلقائيته وانسيابه.
وهو ما عبر عنه أبو حيان بقوله «أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه النثر، ونثر كأنه النظم». وبعده بقرون عدة أعلن غوته، كبير الشعراء الألمان، أن «ما يُحدث أعمق الانطباع، وما يؤثر على معنوياتنا بكثير من الفعالية في أي عمل شعري، هو ما يتبقى من الشعر بعد نقله إلى النثر».
ليس مصطلح «النص المفتوح» بهذا المعنى سوى تأكيد إضافي على تداخل الأنواع الأدبية وتكاملها، حيث يمكن للكاتب في آن واحد أن يحلق في فضاءات الشعر وعوالمه الباذخة، بقدر ما يمكنه أن يفيد من الإمكانات الشاسعة والمتنوعة للمسرحة والقص ووجوه السرد. كما أن مصطلح «قصيدة النثر» من جهة أخرى، هو التعبير الأمثل عن زواج الشعر والنثر، وعن الإمكانات الشعرية الهائلة التي يختزنها هذا الأخير بين تضاعيفه وفي نسيج تعابيره وسياقاته.
ولأن كل نص نثري أدبي يحمل في داخله «لوثة» الشعر وبذوره ومادته الخام، فإن النثر يبدو بمثابة الممر شبه الإجباري الذي يعبر منه الشعراء نحو الشعر، بما يجعل من كل شاعر حقيقي ناثراً شديد التميز، دون أن يكون العكس صحيحاً بالضرورة. وإلا لوجب أن يكون روائيون كبار من طراز نجيب محفوظ والطيب صالح وعبد الرحمن منيف، أو كتّاب ونقاد كبار من طراز الجرجاني وطه حسين وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم، في طليعة شعراء العربية، وهو ما يدحضه بالقطع واقع الحال.
أما جماليات النثر العالية لدى الشعراء الكبار فنابعة من قدرتهم على استثمار حريتهم القصوى في قطف ثمار اللغة والتجول في حدائقها الشاسعة. وهم، متحررين من قيود الأوزان والقوافي ومتطلبات التأليف الشعري المرهقة، ينزهون مخيلاتهم في الأصقاع الشاسعة للمفردات، ويقلبون المفردات والصيغ التعبيرية على جميع وجوهها، دون أن عائق يذكر.
لم يكن بالأمر المستغرب تبعاً لذلك أن يرى الشاعر والناقد الشهير ت. س. إليوت بأن النثر هو المحك الحقيقي للشعراء. وهو إذ يعلن في كتابه النقدي «في الشعر والشعراء» بأنه «ليس من شاعر عظيم إذا لم يكن أستاذاً في النثر»، يستند في ذلك إلى كون الكثير من النظامين وشحيحي الموهبة يتلطون وراء التهويل اللفظي، أو الجَلجَلة الجوفاء للأوزان والقوافي. ويكفي أن نسحب من تحت نصوصهم بساط الجمل الرنانة، لكي نكتشف أحجامهم الحقيقية البائسة والضئيلة. ليس ثمة بالمقابل من مسافة تُذكر بين قصائد الشعراء الكبار وبين نصوصهم النثرية.
وإذا كانت الفروق بينهما متصلة بطبيعة النوع الأدبي ومستلزماته وشروطه، فإن المشترَك بين النوعين هو روح الشاعر ومعجمه اللفظي ورؤيته للعالم.
وقد لا تقل عند البعض فتنة النثر عن فتنة الشعر، لا بل تفوقها أحياناً نظراً لما يمتلكه الأول من ليونة وطواعية وغنى في المفردات وقدرة على المناورة التعبيرية. وهو ما نتلمس تجلياته بوضوح في نثر نزار قباني الذي يمتاز بالطلاوة والثراء الدلالي والتصويري والاستخدام البارع للحواس.
فمقالته «ما هو الشعر؟»، على سبيل المثال لا الحصر، تظهر بوضوح أن حديثه عن الشعر هو الشعر ذاته، كما يبدو من قوله «المطلوب من الشعر ألا يهدأ ولا يكبر، ولا ينام باكراً، ولا يطيع أبويه، ولا يتخلى عن دراجته وعلبة ألوانه وطائراته الورقية.
وألا يتنكر لصداقة الأزهار والضفادع، والحشرات الصغيرة التي كان يستضيفها في جيوب بنطلونه الصيفي القصير». أما نثر أدونيس فيحمل الكثير من خصائص شعره التي تجمع بين الصياغة المحكمة ذات العصب المتوتر والعاطفة المكبوحة، وبين العمق المعرفي والتمرد على السائد.
وفي كتاباته النثرية، كما في شعره، ثمة دائماً تلك العين الثالثة التي تحاول اكتناه الأشياء والأماكن والمدن التي سكنها، وثمة بحث دائب عما يظل أبداً في عهدة الشك والغموض واللايقين: «لئن طرتُ في الفراغ فلكي أستقصي الفضاء.
ولئن سبحت خارج الماء فلكي أكتشف البحار الخفية. غير أنني بقيت تائهاً. ربما لأنني لم أكن أبحث عن بيت، بل عن طريق. ولم أكن أسأل عن كرسي، بل عن أفق. وبقيت تائهاً. ألن يتسع لي صدرك أيها التيه؟».
من غير الجائز بالطبع أن نتحدث عن نثر الشعراء الكبار دون أن نتوقف عند «الأيقونات» النثرية الفريدة للشاعر اللبناني أنسي الحاج، بدءاً من النصوص الأولى التي نشرها في «النهار» وملاحقها، ووصولاً إلى كتاباته اللاحقة في الكثير من الصحف والمجلات. فنصوص صاحب «خواتم» النثرية، سواء كتبت على طريقة المقالة أو الشذرة المكثفة تجمع بين شفافية الماء وجموح اللهب.
وهي إذ تُستل من القيعان الأخيرة للروح، تعمل البساطة على رفعها باتجاه السطوح المرئية للصور والأشكال. فضلاً عن توأمته اللافتة بين الأضداد واحتفائه الدائم بالحب والأنوثة الكونية: «هناك خطيئة واحدة هي اللاحب.
هي ألا يرى الواحد ليله مفتوحاً كالوردة في أعماق امرأة. هي ألا يرى وجهه كالقمر في نهر. هي ألا يكون زمانه مربوطاً ومزهواً كالخلخال بمشية امرأة إلى مصيرهما.
هي ألا يكون له امرأة يضيع فيها اسمه، فيغدو اسمه يدها، عشبتها، ظلها، والفجوة الصغيرة التي تحْدثها في السرير عندما تنام». ولن نغفل في الآن ذاته نثر محمود درويش الذي يبدو الوجه الآخر لشعره، سواء من حيث اقتناصه الماكر للحظات الدهشة، أو صوره اللماحة والغنية بالمفارقات، أو من حيث جرْسه اللفظي المؤثر وتواشجاته النفسية والوجدانية التي تأخذ بنياط القلب.
ولعل كتابه السردي «ذاكرة للنسيان» الذي كتبه أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982 هو أحد أكثر أعماله النثرية اكتنازاً بالشعر واحتفاء بالمجاز وتعبيراً عن صراع الحياة والموت، حيث تتحول المرأة بوجهيها الشبقي والرومانسي إلى ما يشبه خشبة الخلاص، وسط الخراب التام والوحشة المحدقة والأسئلة التي لا إجابة عنها: «هل كنا معاً حقاً على صوف تلك الأرض؟ لم أقل إني أحبك، لأني لا أعرف إن كنت أحبك ما دمتُ أخبئ دمي تحت جلدك، وفي شعيرات السر المقدس أذرف عسل النحل الأحمق. ولم تقولي أحبكَ لأني لن أصدّق أن جميع النساء اللائي ولدن على جبل جلعاد وفي سومر وفي وادي الملوك، يجتمعن علي الليلة. كم امرأة فيك لتنوح أحلامي على ما تفقد الأمم من شتاء يستحقّ أن تكوني أمه وسيدته.
في كل امرأة جميلة هِبة من وصايا قدميك للأرض، وإرث لا ينقطع عن تزويد الغابات بهستيريا العشب». ولا حاجة بنا إلى التذكير بالجماليات الشاهقة لنثر محمد الماغوط الذي لا تكف ظلاله عن التوالد وبروقه عن الوميض.
وفي نصوصه الأدبية، كما في مقالاته الصحافية وأعماله المسرحية، ثمة فضحٌ دائب الإلحاح لواقع الأمة المتردي، وسخرية لاذعة من ورقة التوت التي يحاول الطغاة ستر عوراتهم بها، ودعوة شبه يائسة لاستعادة الكرامة أو اقتراف الحرية.
وإذا كنت أكتفي، أخيراً، بهذا القدر من أسماء الجيل الأول، فليس لأن ساحة النثر حكْر على هؤلاء، بل لأن المقام لا يتسع للحديث عن شعراء الأجيال اللاحقة، الذين يقف بعضهم جنباً إلى جنب مع الرواد المؤسسين، ويشكل بعضهم الآخر قيمة مضافة إلى حداثة الآباء بشقيها الشعري والنثري.



«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)
المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)
TT

«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)
المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء أمس (الجمعة)، بالمغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي، وقال إن لديه «صوت ملاك». ودخل الرئيس الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض، برفقة زوجته السيدة الأولى ميلانيا ترمب وبوتشيلي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا يسيران أمام الموسيقي أندريا بوتشيلي وزوجته فيرونيكا بيرتي في البيت الأبيض (رويترز)

وقال ترمب إنه وبوتشيلي صديقان، وسأل قبل نحو 4 أسابيع عما إذا كان بوتشيلي سيغني في البيت الأبيض. وأشار إلى أن بوتشيلي وافق خلال «لحظة ضعف».

وحضر الحفل الخاص في البيت الأبيض مشرعون جمهوريون وأعضاء في حكومة ترمب.

وأفاد ترمب: «هذا شرف هائل. سوف نستمع إلى صوت، صوت ملاك».

أندريا بوتشيلي يغني خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ب)

وكان بوتشيلي قد قام بالغناء في وقت سابق يوم الجمعة، في حفل إجراء قرعة كأس العام لكرة القدم بمركز كيندي.


كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.