احتفالات كرنفالية في بيت لحم بمناسبة أعياد الميلاد

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهنئ رئيس أساقفة اللاتين في القدس البطريرك فؤاد طوال بالأعياد أول من أمس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهنئ رئيس أساقفة اللاتين في القدس البطريرك فؤاد طوال بالأعياد أول من أمس (رويترز)
TT

احتفالات كرنفالية في بيت لحم بمناسبة أعياد الميلاد

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهنئ رئيس أساقفة اللاتين في القدس البطريرك فؤاد طوال بالأعياد أول من أمس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهنئ رئيس أساقفة اللاتين في القدس البطريرك فؤاد طوال بالأعياد أول من أمس (رويترز)

بجانب شجرة الميلاد الضخمة، التي نصبت أمام كنيسة المهد في بيت لحم في الضفة الغربية، يغني فنانون فلسطينيون وعرب وأجانب كل ليلة حتى الصباح، في ذروة الاحتفالات الفلسطينية بعيد ميلاد السيد المسيح.
وفي الساحة المعروفة بساحة الكنيسة أو ساحة «باب الدير»، وقف فلسطينيون مسيحيون ومسلمون، وحجاج وزوار أجانب، يغنون ويصفقون للفرق الفنية التي جاءت لتعطي ليل المدينة فرحا إضافيا، بعد يوم كرنفالي طويل.
وعادة يحيي الفلسطينيون أعياد الميلاد في بيت لحم التي تحتضن الكنيسة الأشهر لدى المسيحيين بصورة قل نظيرها، فيها الكثير من التآخي الإسلامي المسيحي، إذ جرت العادة كل عام، أن يشارك المسلمون إخوانهم المسيحيين احتفالاتهم في الساحة التي تجمع بين كنيسة المهد ومسجد عمر بن الخطاب.
ولا تقتصر مشاركة المسلمين على حضور الاحتفالات، لكنهم يزينون منازلهم بشجر الميلاد، ويتبادلون الزيارات مع جيرانهم.
وخلال يوم طويل من الفرح، وحده أذان الظهر ثم أذان العصر، أجبر فرق الكشافة الكثيرة على وقف عزفها في لحظة احترام.
وبدت بيت لحم هذه الأيام مثل قاعة أفراح كبيرة، غطت الزينة المضاءة على عتمة الليل فيها، بينما يمكنك سماع أغاني الميلاد المعروفة تصدح في الشوارع الرئيسية في المدينة، فيما يجوب شبان يرتدون ملابس «بابا نويل» التقليدية المدينة طولا وعرضا، يستعرضون ويقدمون الهدايا للأطفال والمارة. ويستمر ذلك كله لأيام طويلة. وبدأت الإفراج في بيت لحم مبكرا، مع إطلاق بلدية المدينة الاحتفالات الأضخم منذ أعوام. وقالت فيرا بابون عمدة مدينة بيت لحم، بأن مهد السيد المسيح سيرسل للجميع رسالة محبة ووحدة وتآخ، وسيصلي لسلام العالم أجمع.
وجرت العادة أن تستمر الاحتفالات حتى منتصف الشهر المقبل، حيث يحتفل المسيحيون الذين يسيرون على التقويم الشرقي بعيد ميلاد المسيح في السابع من يناير (كانون الثاني).
وأمس بلغت الاحتفالات ذروتها مع قداس منتصف الليل، الذي ترأسه بطريرك اللاتين في القدس وسائر الأراضي المقدسة، فؤاد طوال، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزرائه رامي الحمد الله، ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ووزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون.
ووصل البطريرك إلى بيت لحم، الثلاثاء، شاقا طريقه التقليدي عبر قلب المدينة في موكب يتألف من نحو 30 سيارة وتحرسه الشرطة الفلسطينية.
وصلى طوال في ليلة الميلاد لأجل السلام والمصالحة بين شعوب الشرق الأوسط. ودعا خلال القداس مسيحيي المنطقة إلى عدم البحث عن حل لمعاناتهم عبر الهجرة. وقال طوال «نحن بحاجة إلى جواب الإيمان على هذه التساؤلات والمخاوف، الجواب ليس في الهجرة والرحيل ولا في القوقعة والانغلاق، الحل هو أنْ نبقى هنا وأن نعيش هنا وأن نموت هنا. أرضنا مقدسة، وتستأهل لا بل تستوجب البقاء فيها لأن بقاءنا دعوة إلهية وبركة وامتياز لنا جميعا. وهنا ستظل شعلة الإيمان منيرة كنجمة المشرق، تضيء الطريق لنا وللآخرين».
وأضاف: «لعل الكثيرين منكم محبطون لأنهم يعتقدون أن تحية الميلاد، لم تعدْ سوى أمنية من دون مضمون، ومجرد عبارة فارغة يتداولها الناس، فإذا ما أجرينا مقارنة بين ليلة الميلاد المنيرة وليالي عالمنا المظلم وشرقنا الأوسطي المعتم، لوجدنا بالفعل هوة عميقة تفصل بينها».
وحث طوال على «المساواة والعدالة» من أجل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنهاء الأزمة في سوريا والاستقرار في مصر والعراق.
وتذكر طوال خلال صلواته الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية، والعائلات التي تنتظر قرار لم شملها، والعاطلين عن العمل، والراهبات اللاتي اختطفن في سوريا، وملايين الناس النازحين في أفريقيا وضحايا الكوارث الطبيعية في آسيا والأزمات الاقتصادية في سائر أنحاء العالم، وجميع من يعانون من الظروف القاسية.
وتابع: «انبذوا السلاح واذهبوا للقاء الآخر بالحوار والتسامح والمصالحة وأعيدوا بناء العدالة والثقة والأمل من حولكم». وقضى المسيحيون يومهم الأول في العيد، أمس، بتقبل التهاني وحضور الحفلات وتبادل الزيارات والصلاة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».