برناردو برتولوتشي... مخرج الاتجاهات المتعددة

نشأ في جو ثقافي وحملت أعماله رسائل اجتماعية جدلية

برناردو برتولوتشي
برناردو برتولوتشي
TT

برناردو برتولوتشي... مخرج الاتجاهات المتعددة

برناردو برتولوتشي
برناردو برتولوتشي

فارقت المخرج برناردو برتولوتشي الروح في الساعة السابعة صباح أمس، بذلك أسدل الموت الستار على مخرج اعتبره البعض «أعظم المخرجين المؤلفين الإيطاليين من جيله»، وبالتأكيد كان أحد أهم من أنجبتهم السينما الإيطالية، وإن كان ذلك لا يعني أنه كان أفضلهم بالطبع.
مع فديريكو فيلليني، ومايكل أنجلو أنطونيوني، وفرانشسكو روزي، ولوكينو فيسكونين وروبرتو روسيلليني وآخرين، عكس برتولوتشي سمات السينما الإيطالية وجسّد جمالياتها وتعدد وثراء اتجاهاتها. هو بالتأكيد أحد السينمائيين الأكثر شهرة على مستوى أوروبا والمخرج الذي أثار بعض أفلامه اهتمامات نقدية وحضوراً إعلامياً كبيرين.
وُلد في سنة 1941 في حضن عائلة ثرية تسكن مدينة بارما شمالي إيطاليا. والده شاعر وكاتب معروف هو أتيليو برتولوتشي الذي كان قد ربح جائزته الأولى في إحدى مسابقات الشعر بينما كان في الحادية والعشرين من عمره.
برناردو نشأ في جو ثقافي شجعه على مزاولة شغفه بالسينما وكان في العشرين من عمره عندما بدأ العمل مساعداً في أفلام الغير، فاشتغل مع بيير باولو بازوليني قبل أن يُخرج أول فيلم له بعنوان «ريبر القاتم» (1963) وكان في الثانية والعشرين من عمره أيضاً. بعد عامين سطا على الاهتمام النقدي عندما عُرض في مهرجان «كان» فيلمه القائم على سيرة حياته «قبل الثورة».
في ذلك الفيلم عكس بعض ما مرّ به آنذاك من نزاع داخلي: جاء من عائلة برجوازية لكنّ ميوله كانت يسارية، والفيلم يحكي جوانب وتبعات هذا النزاع وإنْ كان لا ينتهي بتفضيل جانب على آخر. في ذلك الفيلم ينضم الشاب بطل الفيلم إلى الحزب الشيوعي لكنه يكتشف سلبياته فيتركه. ومن الغريب أن نجد أن العديد من أفلام برتولوتشي لا تستطيع أن تتخذ موقفاً واضحاً حيال آيديولوجيات الحياة السياسية.
في «استراتيجية العنكبوت» (1970) يجد بطل الفيلم نفسه مشدوداً إلى لغز يحيط بمقتل أبيه الذي اغتالته قوى فاشية، كما أوحت الأحداث منذ البداية. هنا، يتعلّق الأمر أساساً بمواقف غير واضحة أو نهائية لبرتولوتشي، فنجد أن الابن يتحوّل إلى صورة لأبيه. في «الملتزم» (1970 أيضاً) يسعى البطل جاهداً إلى الخروج من تبعية أبيه، مع منحى جديد متمثّل في أن الوالد ممسوسٌ، أو أقرب إلى الجنون. إنهما من أفضل ما حققه من أعمال، كذلك الحال مع فيلمه اللاحق «1900» الذي أنجزه سنة 1976، أي بعد أربع سنوات من تحقيقه أحد أكثر أفلامه إثارة للجدل حتى اليوم وهو «آخر تانغو في باريس».
إلى جانب صراع الهوية والأزمات الداخلية والنفسية، مال المخرج إلى وضع بطله بين المطرقة والسندان، فهو هارب من سلطة الأب ليجد نفسه تحت سلطة المعلّم. لكنّ «آخر تانغو في باريس» جاء مختلفاً. شخصياته، على عكس ملحمته اللاحقة «1900» محدودة جداً ومحوره قائم على يوم عاطفي في شقة.
بعد «1900»، الذي استعرض فيه الحياة الاجتماعية والسياسية في إيطاليا في تلك الحقبة مستعيناً فيه بنخبة كبيرة من الممثلين بينهم بيرت لانكاستر، وروبرت دي نيرو، وجيرار ديبارديو، ودومونيك ساندا، وأليدا فالي، اتجه صوب الدراما النفسية في «لونا» (1979)، والكوميديا في «تراجيديا رجل سخيف» (1981)، ثم انطلق مجدداً صوب الملاحم الكبيرة ليحقق «الإمبراطور الأخير» سنة 1989.
على جمالياته هو فيلم يرفض الخضوع لاتجاه سياسي واحد. يدور عن ‫ حياة بو يي، آخر إمبراطور صيني (تمثيل الصيني - الأميركي جون لون) الذي انتقل من رئيس قوي للصين إلى رجل تكرهه السلطة الشيوعية وتجبره الحركة الثقافية على العيش معوزاً. برتولوتشي ينتقد النظام الشيوعي طبعاً، لكنّ هذا لم يغيّر رأي العديد من النقاد الغربيين فيه الذين رأوه (وما زالوا) مخرجاً يسارياً ملتزماً!‬
بعد ذلك أنجز «السماء الساترة» ثم بحث عن موضوع يحمل إنتاجاً كبيراً آخر ووجده في «بوذا الصغير». كلاهما من بين أعماله الضعيفة فناً ومضموناً ونالا شهادات غربية مختلفة ومتناقضة.
عاد برتولوتشي إلى صفحات الإعلام المطبوعة والمبثوثة من جديد بسبب ما كشفت عنه الممثلة ماريا شنايدر من أن برتولوتشي خدعها عندما طلب منها تنفيذ مشهد لم يكن وارداً في السيناريو، وهو مشهد قالت إنه حُشر وفُرض عليها ولم تكن ذات خبرة بحيث اضطرت إلى الاستجابة له: «رغم أن المشهد كان مفبركاً إلا أنني شعرت بالإهانة وبكيت فعلاً».
وقبل أشهر قليلة هاجم برتولوتشي المخرج الأميركي ريدلي سكوت عندما قام هذا باستبدال ممثل آخر (كريستوفر بلامر) بالممثل كيفن سبايسي، نتيجة الكشف عن أن سبايسي تعرض لممثلين شبان في أفلامه. قال برتولوتشي دفاعاً عن سبايسي إنه لو كان مكان سكوت لما سحبه من الفيلم، وإنه لو كان لا يزال قادراً على تحقيق الأفلام لاستعان به لبطولة أحد أعماله.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
TT

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في مركز «سوبر دوم جدة»، بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة، موزعة على نحو 450 جناحاً، مع جهات حكومية وهيئات ومؤسسات ثقافية سعودية وعربية.

ويشتمل المعرض على برنامج ثقافي ثري، يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة، تتخللها محاضرات وندوات وورش عمل، يقيمها نحو 170 متخصصاً، إضافة إلى منطقة تفاعلية مخصصة للأطفال، تقدم برامج ثقافية موجهة للنشء بمجالات الكتابة والتأليف والمسرح، وصناعة الرسوم المتحركة، وأنشطة تفاعلية مختلفة.

برنامج ثقافي ثري يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة (هيئة الأدب)

ويتضمن المعرض ركناً للمؤلف السعودي، معرِّفاً الحضور على آخر إصداراته، ومهيأ للزوار منطقة خاصة بالكتب المخفضة، التي تأتي ضمن جهوده في الحث على القراءة، وإتاحتها للجميع عبر اختيارات متعددة، معززة بمناطق حرة للقراءة.

من جانبه، أوضح الدكتور عبد اللطيف الواصل، مدير إدارة النشر بالهيئة، أن المعرض يعكس اهتمامهم بدعم وتطوير ونشر الثقافة والأدب في السعودية، مؤكداً دوره الريادي، حيث يسلط الضوء على جهود الأدب والأدباء المحليين والعرب والعالميين، عبر فعاليات وأنشطة مجتمعية بمعايير عالمية، وإيجاد فرص تفاعلية لزواره في قوالب فنية وأدبية متنوعة، وصولاً إلى تعزيز مكانة جدة بوصفها مركزاً ثقافيّاً تاريخيّاً.

المعرض يعكس الاهتمام بدعم وتطوير ونشر الثقافة في السعودية (هيئة الأدب)

ويحتفي المعرض بـ«عام الإبل 2024»، لما تُمثِّله من قيمة ثقافية في حياة أبناء الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ، حيث خصص جناحاً للتعريف بقيمتها، وإثراء معرفة الزائر عبر جداريات عدة بأسمائها، ومواطن ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقصائد شعرية تغنَّى بها العرب فيها على مر العصور.

ويستقبل «معرض جدة للكتاب» زواره يوميّاً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 مساءً، ما عدا الجمعة من الساعة 2 ظهراً إلى 12 مساءً.

المعرض يُعزز جهوده في حث الزوار على القراءة عبر اختيارات متعددة (هيئة الأدب)

ويُعد ثالث معارض الهيئة للكتاب خلال 2024، بعد معرض «الرياض» الذي اختتم فعالياته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومعرض «المدينة المنورة» المنتهي في أغسطس (آب).