الفيلم المصري الوحيد في المسابقة يعد ولا يفي

«الشرق الأوسط» في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» (5) : معضلة الحفاظ على جدية العمل ودفعه ليسجل حضوراً في السوق السينمائي

ثلاثي المدينة في «ليل/ خارجي»
ثلاثي المدينة في «ليل/ خارجي»
TT

الفيلم المصري الوحيد في المسابقة يعد ولا يفي

ثلاثي المدينة في «ليل/ خارجي»
ثلاثي المدينة في «ليل/ خارجي»

يلخص فيلم «ليل/ خارجي» لأحمد عبد الله السيد الحال التي تمر بها السينما المصرية والعاملون فيها.
إنه الفيلم المصري الوحيد في المسابقة الرسمية ولا بد أن انتخابه تمّ بالمقارنة مع أفلام مصرية أخرى شاهدنا بعضها لكن جميعها، كما يمكن للموجود في هذا المهرجان الاستيحاء، تعكس ذلك الوضع المتأرجح للسينما في مصر.
ما يلخصه «ليل/ خارجي» تحديداً هو محاولة النزوح إلى منطقة الفيلم الفني والمستقل والنجاح كفيلم جماهيري في الوقت ذاته.
تحقيق الفيلم المستقل ما زال يعني أن المخرج وصانعي الفيلم من منتجين وكتّاب لديهم تلك الأمنية في كسر طوق الأفلام الجماهيرية التي يتم إطلاقها على مدار السنة (وتم عرض واحد منها خارج المسابقة بعنوان «عيار ناري»). لكن من دون التمنع عن تحقيق ربح تجاري يمهد لفيلم آخر وما بعده. المشكلة هي أن الجمع والتوفيق بين الناحيتين ليس سهلاً على الإطلاق. أجاده نخبة السينمائيين المصريين سابقاً، وفي مقدمتهم الراحل محمد خان، ثم سقط في الامتحان لاحقاً، إذ وجد المخرجون أنفسهم أمام معضلة التوافق هذه.
كيف يمكن الحفاظ على جدية الفيلم النابعة من موضوعه وكيفية إخراجه وبين دفعه ليسجل حضوراً في السوق السينمائي؟

طرق مختلفة
ليس لدى مخرج «ليل/ خارجي» جواب هنا، وإن كان لديه الجواب فهو ليس الجواب الصحيح. ذلك لأن الفيلم لا يتوسط المسافة ويلبي شروط الاتجاهين بتعادل كما فعلت أفلام «زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا» و«فارس المدينة».
اتخاذ تلك الأفلام مثالاً ليس صدفة. مخرجها واحد وكان على إلمام كامل وثقة كبيرة بأسلوب عمله الذي احتوى الموضوع الجاد مع المعرفة الفعلية والصحيحة في إيجاد معادلة تضمن له ممارسة الكيفية الخلاقة لتحقيق أفلامه ولتقريبها في الوقت ذاته من الجمهور العام بينما كانت تنهل من إعجاب النقاد والمهرجانات الدولية.
ما أثمرت عنه المحاولات الأخيرة في السينما المصرية هي دخول الفيلم واحداً من ثلاثة أنابيب: هو إما تجاري محض أو فني خالص («باب الوداع»، و«أخضر يابس» و«زهرة الصبّار» و«آخر أيام المدينة» وكلها أفلام مستقلة الإنتاج) أو محاولات الجمع بين ما قد «يمشي» تجارياً وفنياً معاً، على غرار بضعة أفلام حديثة بينها مجموعة أفلام أحمد عبد الله السابقة أيضاً.
خلال ستينات وسبعينات السينما المصرية لم يكن هناك حاجة لمحاولة المزج. أفلام كمال الشيخ وصلاح أبوسيف كانت جيدة وشعبية ناجحة من دون إصرار على أي من الجانبين. أفلامهما، لجانب أفلام عاطف سالم وسعيد مرزوق وعلي بدرخان مثلاً، كانت تصب في الخانتين معاً بصورة تلقائية.
لكن خلال هذين العقدين أيضاً حاول بعض المخرجين الالتفات فقط إلى الناحية الفنية والجميع انتهوا إلى مفارق طريق عدة.
على سبيل المثال حقق شادي عبد السلام وحيده «المومياء» ومضى. أنجز غالب شعث «الظلال في الجانب الآخر» وتوقف. قام خليل شوقي بإنجاز «الجبل» ثم تاهت خطواته وتعبت.
هناك آخرون أنجزوا أفلاماً فنية في مطلع الأمر (وكلمة فنية هنا تبقى نسبية في معدلاتها) قبل أن يغيّروا المنهج كاملاً ويقبلون على الأفلام الجماهيرية وحدها. في مقدّمة هؤلاء حسين كمال الذي أنجز «المستحيل» و«البوسطجي» في الستينات ثم انتقل قبل نهاية العقد إلى «أبي فوق الشجرة» ومنه إلى «إمبراطورية ميم» و«دمي ودموعي وابتسامتي» في السبعينات وبنجاح جماهيري أعلى بكثير مما حققه سابقاً.
مثله في ذلك، قام شريف عرفة بتحقيق «الأقزام قادمون» و«الدرجة الثالثة» ثم ترك الهم الفني وراءه وأقدم على «اللعب مع الكبار» و«يا مهلبية يا».
العذر دائماً جاهز، والعبارة لا تتغير وإن فعلت فمعناها يبقى ثابتاً: «الجمهور عايز كده» رغم أن هذا المبدأ ليس ثابتاً بل أقرب كثيراً من مبرر واهٍ يستخدمه المخرج المنكفئ لتبرير تراجعه وانتقاله من سينما إلى أخرى.

{ليل/ خارجي}
مأزق الحال هذه، يأتي «ليل/ خارجي» ليلعب دوره في هذه المتاهة.
فيلم يريد طرح ما هو جدير بالاهتمام اجتماعياً وسياسياً (ولو على نحو آمن) وفي الوقت ذاته يعاود طرح موضوع العاهرة ذات القلب الذهبي مع أغاني ورقصات ومشاهد كوميدية مع اللعب على الحوار بحيث يطرب المشاهد لأحد ممثليه وهو يتلوه.
يبدأ الفيلم والمخرج غير المشهور (يقوم بدوره كريم قاسم) في مكان تصوير فيلمه الجديد. نفهم من بعض مساعديه وممثليه بأنه ما زال يكابد هذا الفيلم من بضعة أشهر وأحد الممثلين يتهمه بعدم التركيز على عمله والدوران في حلقة مفرغة. جواب المخرج «يللا… يللا… خلينا نصوّر وبلاش دلع». لا نشاهد شيئاً يتم تصويره لكننا سننتقل إلى المساء حيث يذهب المخرج وصديقته الصحافية إلى شقته ليتداولا أحاديث عامّة. حين يخرج من شقته وحيداً يجد السائق مصطفى (شريف دسوقي) بانتظاره. إنه السائق المعتمد له لكي ينتقل من مكان لآخر خلال التصوير.
لا يُطيق المخرج كلام مصطفى المزدوج في مفاهيمه ومعانيها ولا حشريته وطريقة تصنيفه للأمور. يجد في سيارته 600 جنيه فيضعها في جيبه. هذا المبلغ هو الذي فقدته شابة اسمها (الفني) توتو (منى هلا) مصطفى بأنه سرقها عندما انتقل بها من مكان لآخر.
مو الذي سمّى نفسه جلال وتوتو ومصطفى سيمضون الليل كله في الخارج (كما يوحي العنوان) منتقلين من مكان من المدينة إلى مكان آخر. توتو تستهوي مو، ومو لا يرضى عن الإساءات التي يوجهها مصطفى لها ولاحقاً ما سيصطدم الاثنان (مو ومصطفى) ويتعاركان مما سيؤدي بالثلاثة إلى قسم الشرطة.
عند هذا الحد كان الفيلم ما زال في طور بنيان شيء لم يكتمل. طروحات ساذجة مع احتمالات واعدة بأن تتطور وتجتمع في وجهة ذات هدف واضح. لكن هذا لا يحدث، فبعد ذلك وإثر قيام مو بالاتصال بصديقته لكي تخرجه وصاحبيه من المأزق يعود الثلاثة إلى منزل توتو (تشاركها فيه ابنة خالتها) حيث يعرض مصطفى على توتو الزواج منها.
صدقني لا تريد أن تعرف كيف سينتهي الفيلم، لكن من قبل دخول الثلاثة القسم حتى تلك النهاية يرزح العمل في متاهة تشبه متاهة أبطاله ويطرق أبواباً ويفتح نصفها نصف فتحات ثم يمضي ولا ينجز شيئاً يُذكر.
في الأساس يرغب في أن يقدم ثلاثة من طبقتين يختلف كل منهم عن الآخر لكن مبررات مو للانخراط في هذا الثلاثي ليست واضحة. مصطفى الذي يوقف سيارته ليؤدي صلاة العشاء ثم يعود فيستخدم المخدرات هنا ويشرب الكحول هناك لا يتبلور في أي اتجاه. توتو وحدها التي ترتدي شخصيتها على نحو مناسب. لكن إذا ما كان تقديم الثلاثي ذي الطبقتين (ميسورة وشعبية) هو الهدف فإن السيناريو الجامع للأحداث التي تمر بهم ليس جديراً بالإعجاب.
كمثقف (إذا ما كان الفيلم يتوجه لمثقفين) لم يعد تقديم الفتاة بقلب أبيض ولا مخرج تائه في عالمه ولا سائق سليط اللسان من العناصر التي تستطيع - لوحدها ومن دون قصّة جيدة ومعالجة بمهارة مفقودة هنا - الاستحواذ على الأهمية.
أحمد عبد الله السيد ليس داود عبد السيد الذي يحسن اختيار نماذجه كما إطلاقها في الشوارع التي تبدو كما لو كانت غابات من البشر والإسمنت. أحمد عبد الله سيقدم شخصيات لا يمكن التعاطف معها ولا تقدير منطلقاتها لأنها تبقى كما هي من دون مفادٍ بارزٍ للفيلم باستثناء طرح ما يمر عابراً مثل إمكانية حل الأزمات بالمال والوساطة ووجود «زعران» شوارع يحملون السيوف وشخص رابع يؤمن سيلاً من المخدرات المختلفة التي يقبل عليها الجميع، كما لو كان بعضهم بحاجة فعلية لها أو أنه لا يملك أي دافع أو حاجة لرفضها.
في النهاية يتبلور الفيلم كثرثرة حوارية تخلو من استراحات صمت ومن مشاهد تأملية كان يمكن لها أن تساعد الفيلم على الانتقال من مستوى لآخر. هناك، في حواراته، مطارح وعظية متعددة مع فصل نهائي لمجموعة من المتسلطين (باسم الأخلاق الورعة) يثيرون الخوف في ركاب المخرج وسائق ولا ينقذهما سوى شجاعة توتو وعلى نحو من الدلالات التي لا تختلف، في الجوهر، عن تلك التي كان الراحل حسن الإمام يتداولها.
تعزيزاً لسيادة الحوار ليس المطلوب هنا سوى الانتقال من لقطة لأحد هؤلاء إلى لقطة معاكسة للآخر قبل العودة إلى الأول وهكذا. وهذا بدأ قبل ذلك (في مشاهد بين المخرج وصديقته كما بين المخرج وسائقه قبل انضمام توتو). قدر من الإمعان كان سيقود إلى شيء من التنويع مع توفير مشاهد يتركها المخرج للمشاهد لأجل استيعابها فنياً.
ثم ماذا حدث للمبلغ الذي سرقه المخرج من السيارة ووعد توتو بإعادته إليها؟ هل فعل ذلك بينما كنت أرمش أو أحك جفني؟ ربما أن المخرج مو، الذي كرر أنه لا يملك ما يعود به إلى منزله، نسيه والفيلم أيضاً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».