ذوبان الجليد يحرم الدببة البيضاء في روسيا من وجبتها البحرية المفضلة

TT

ذوبان الجليد يحرم الدببة البيضاء في روسيا من وجبتها البحرية المفضلة

تتزايد المخاطر التي تهدد الطبيعة والنظام البيئي بشكل عام، وفضلا عن الكوارث الطبيعية نتيجة العواصف والفيضانات والأعاصير، يُلاحظ على نحو متزايد تغير في سلوك مجموعات من الحيوانات في أكثر من منطقة في العالم. وطيلة السنوات الماضية كان العلماء يحملون النشاط البشري، الذي تسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري، المسؤولية عن كل تلك التغيرات الكارثية، ويشيرون بصورة خاصة إلى أن الاحتباس الحراري تسبب بارتفاع درجات الحرارة، مما أدى بدوره إلى بدء عملية ذوبان الجليد في المحيطين المتجمدين. إلا أن مجموعة من العلماء توصلت أخيراً إلى نظرية جديدة، مفادها أن الجليد يذوب تحت تأثير مصدر حراري فعال، في الأجزاء الشرقية من القارة القطبية الجنوبية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه أكثر من منطقة في العالم عواصف غير مسبوقة بقدرتها التدميرية، لفت انتباه العلماء تجمع عدد كبير من الدببة البيضاء بالقرب من قرية «ريريكاباي» في مديرية «تشوتكا» الروسية بالقرب من القطب الشمالي. وقال سكان محليون إن أكثر من 20 دباً أبيض مع صغارهم، يتجولون منذ أيام في محيط القرية، التي تقع على شاطئ المحيط المتجمد الشمالي، بانتظار الجليد العائم الذي يساعدهم في الحصول على وجبتهم الرئيسية من الطعام مع بدء ذوبان الجليد كل عام. ويشعر السكان بالقلق لأن الدببة بدأت تتجول في القرية، بينما لم تظهر في الأفق بعد قطع الجليد العائمة. وفي تعليقه على هذه الظاهرة، قال ميخائيل ستيشوف، مدير مشروع التنوع البيئي في القطب الشمالي، التابع للصندوق العالمي للطبيعة، إن التغيرات المناخية هي سبب تجمع الدببة عند تلك القرية، وأضاف: «للأسف هذا الوضع أصبح ظاهرة اعتيادية خلال السنوات الأخيرة. وهذا نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية. الدببة بحاجة إلى القطع الجليدية العائمة، لأنها اعتادت استخدام الجليد كمنصة تعوم عليها لاصطياد حيوانات الفقمة. لكن لا جليد حتى الآن، لذلك تنتظر الدببة هنا قرب القرية». ويعتمد الدب الأبيض في حياته على صيد الأسماك والحيوانات البحرية من مياه المحيط، لا سيما الفقمة، لأنها توفر له كميات كافية من الدهون تساعده على البقاء خلال فترة السبات الشتوي. وأوضح ستيشوف أن الدببة تتجه في خريف كل عام نحو الشاطئ، بالقرب من تلك القرية، لتقوم بعمليات الصيد قبل حلول فصل الشتاء.
وفي الوقت الذي يسود فيه اعتقاد في أوساط العلماء بأن ظاهرة الاحتباس الحراري هي التي أدت إلى بداية ذوبان الجليد في المحيطات، ويحذرون من الكوارث التي قد تنجم عن ذلك، بما فيها ارتفاع منسوب المياه في البحار العالمية، وغرق بعض المدن. وقال فريق علمي دولي إن الجليد يذوب نتيجة تأثير مصدر حراري فعال في مناطق عميقة تحت الجليد في القطب الجنوبي. وبناء على دراسة استخدموا فيها رادارات شديدة الحساسية، وسمحت بفحص سماكة الجليد على عمق 3 كيلومترات، توصل فريق العلماء الدولي إلى استنتاج مفاده أن ظاهرة الاحتباس الحراري ليست هي المسؤولة عن ذوبان الجليد، وإنما صخور ساخنة تحت جليد القارة القطبية الجنوبية، تؤدي إلى ذوبان سريع للأنهار الجليدية. وأشار العلماء إلى أنهم اكتشفوا مصدر حرارة بركاني تحت نهر جليدي في المنطقة.
وقال الباحث البريطاني توم جوردان، العضو في الفريق الدولي، «إن عملية ذوبان الجليد الني نشهدها حاليا، مستمرة على ما يبدو منذ آلاف وربما ملايين السنين، ولا تؤثر كثيراً على التغيرات في الغطاء الجليدي»، وأشار إلى أن «نتائج البحث غير متوقعة تماما. كنا مقتنعين بأن القارة القطبية الجنوبية هي مجموعة من الصخور الباردة القديمة التي ليس لها تأثير يذكر على الغطاء الجليدي. وتبين أن هذا غير صحيح». ومع تأكيدهم أن مصادر الحرارة لن تؤدي إلى ذوبان الجليد في القطب الجنوبي خلال سنوات قريبة، أشار فريق العلماء إلى أن «هذا سيسرع عملية الذوبان في القطبين الجنوبي والشمالي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».