الجزائر تحث السلطات الفرنسية على تسريع نقل رفات مقاومي الاستعمار

بينهم أوائل رموز المقاومة الشعبية ومساعد مؤسس الدولة الحديثة

TT

الجزائر تحث السلطات الفرنسية على تسريع نقل رفات مقاومي الاستعمار

أفاد مسؤول بـ«منظمة المجاهدين»، وهو تنظيم مؤثر في السياسة الحكومية بالجزائر، بأن السلطات «تترقب أن يفي الرئيس الفرنسي بتعهداته بخصوص نقل رفات مجاهدينا الموجودة بباريس»، ويتعلق الأمر بأوائل رموز المقاومة الشعبية، الذين سقطوا خلال أولى المعارك، التي تصدت في القرن التاسع عشر للحملة العسكرية الفرنسية على الجزائر بعد الغزو عام 1830.
ونقل مسؤول «المنظمة» لـ«الشرق الأوسط» عن وزير المجاهدين الطيب زيتوني، أن الاتصالات جارية مع الحكومة الفرنسية منذ عام لاستعادة رفات نحو 20 من رموز المقاومة الجزائرية، المعروضة في «المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي»، مبرزاً أن الجزائر تأمل في أن يتم تسريع إجراءات نقلها، خصوصاً بعد أن أعلنت الرئاسة الفرنسية، أول من أمس، أن الرئيس إيمانويل ماكرون قرر أن تعيد بلاده 26 عملاً تطالب بها سلطات بنين، كان الجيش الفرنسي قد استحوذ عليها سنة 1892، وذلك بعد تسلمه أول من أمس تقريراً بشأن إعادة فرنسا أعمالاً فنية سُلبت من التراث الأفريقي.
ويقترح التقرير تغييراً في التشريعات لإعادة آلاف الأعمال الفنية الأفريقية، التي تم الاستحواذ عليها خلال حقبة الاستعمار، والموجودة في المتاحف الفرنسية، إلى الدول التي تطالب بها. غير أنه يشدد على ضرورة توافر شروط عدة لتحقيق ذلك، من بينها تقدم البلدان المعنية بطلب مسبق، وتقديم معلومة دقيقة بشأن منشأ العمل، فضلاً عن وجود مواقع مجهزة لاستضافة الأعمال في ظروف جيدة، نزولاً عند رغبة المتاحف.
وأشار قصر الرئاسة الفرنسية إلى أن الرئيس ماكرون، الذي تعهد العام الماضي بأن يدرس طلب هذه الإعادات، يقترح أيضاً جمع مجمل الشركاء الأفارقة والأوروبيين في باريس في الربع الأول من 2019، لتحديد إطار لسياسة تبادل الأعمال الفنية.
وذكر مسؤول «منظمة المجاهدين» أن الحكومة الجزائرية تطالب باسترجاع 31 جمجمة «تم التعرف وتحديد هوية أصحابها الشهداء»، مشيراً إلى أن خبراء جزائريين انتقلوا مطلع العام الحالي إلى المتحف «بغرض المعاينة والتدقيق». وتابع المسؤول ذاته بأن هؤلاء الخبراء «لاحظوا أن غالبية بقايا الجماجم لم يعتن بها مسؤولو المتحف».
ومن أشهر الجماجم الموجودة في المتحف تلك التي تعود لمحمد الأمجد عبد المالك، الشهير بـ«الشريف بوبغلة»، والشيخ بوزيان زعيم المقاومة الشهيرة بـ«ثورة الزعاتشة» التي وقعت بمنطقة بسكرة (450 كلم جنوب شرقي العاصمة) عام 1849، وموسى الدرقاوي وسي مختار بن قويدر التيتراوي. كما تم اكتشاف الجمجمة المحنطة لعيسى الحمادي، الذي كان أحد أبرز المساعدين العسكريين للشريف بوبغلة، فضلاً عن القالب الأصلي لرأس محمد بن علال بن مبارك، مساعد الأمير عبد القادر، رمز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار، ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
وكان ماكرون قد وعد خلال زيارته للجزائر نهاية العام الماضي بتسليم بقايا عظام المجاهدين، في سياق إلحاح شعبي ورسمي جزائري على تسوية ما يعرف بـ«ملف الذاكرة» المشتركة مع فرنسا. ويرتبط هذا الملف بجرائم الاستعمار في الجزائر (1830 - 1962). غير أن مدير «متحف التاريخ الطبيعي»، فيليب مينيسيي، صرح في الفترة نفسها بأن الجزائريين لم يقدموا طلباً رسمياً بشأن استعادة الجماجم.
وقال وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي، في مقال نشره بـ«الشرق الأوسط»، مطلع العام، إن «ملف الذاكرة يبقى حاضراً باستمرار في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، مع تسجيل تطوّر نوعي في معالجة بعض القضايا ذات الصّلة، بينها موافقة الرئيس الفرنسي على استعادة جماجم المقاومين الجزائريين، المحفوظة في متحف الإنسان بفرنسا، وذلك بعد استيفاء بعض الإجراءات القانونية، وهي خطوة ذات دلالات مرتبطة بملف استعادة أرشيف ثورة التحرير بكلّ أبعاده».
وصرح مدير المتحف الباريسي، في وقت سابق لوكالة الأنباء الجزائرية (حكومية)، بأنه «ليس هناك أي مانع في إعادة رفات هذه الشخصيات إلى أرض الوطن، ولكي يتم ذلك يكفي أن يقدم الطرف الجزائري طلباً للفرنسيين». وأضاف موضحاً أن هذه الرفات «هي في الأصل هبات تعتبر إرثاً وطنياً، وبمجرد اتفاق بين الدولتين الجزائرية والفرنسية يمكن أن يسهل مسعى استعادتها من طرف الجزائريين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.