محمد بن راشد لـ«الشرق الأوسط»: استقرار السعودية ضرورة حيوية للمنطقة والعالم

«الخريف العربي وُصف زوراً بالربيع... لكن رياح الإصلاح والتحديث تَعِد بربيع حقيقي»

الشيخ محمد بن راشد إلى جانب الأمير محمد بن سلمان خلال منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض
الشيخ محمد بن راشد إلى جانب الأمير محمد بن سلمان خلال منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض
TT

محمد بن راشد لـ«الشرق الأوسط»: استقرار السعودية ضرورة حيوية للمنطقة والعالم

الشيخ محمد بن راشد إلى جانب الأمير محمد بن سلمان خلال منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض
الشيخ محمد بن راشد إلى جانب الأمير محمد بن سلمان خلال منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض

نادراً ما ارتبط اسم مدينة باسم رجل كما حال دبي مع حاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس وزرائها. ولا مبالغة في القول إن مدينة الأضواء والأبراج التي تسابق الوقت تحمل بصمات الرجل الذي ولد في منزل لا ماء فيه ولا كهرباء. ونادراً ما نقرأ للرجل حديثاً صحافياً. ليس لأن عدد متابعيه على «تويتر» يتجاوز التسعة ملايين، بل لأنه ربما يفضّل أن يترك الحديث لحيوية دبي نفسها وهي تضج بحشود الوافدين من سياح ومستثمرين وعابرين.
أخذني السائق إلى منزل الشيخ محمد في منطقة المرموم خارج المدينة. توقعت رؤية قصر رحب، وإذ بي أمام منزل متواضع يحوي غرفتين للنوم. فالرجل يحب صفاء الصحراء ويحب المشي فيها. لكنه يحرص أيضاً على محاربتها بالزراعة والبحيرات والعمارات. وهو يعترف باستلهام إرث رجلين تعلم منهما الكثير، وهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان راعي ولادة الاتحاد الإماراتي، والشيخ راشد آل مكتوم والد الشيخ محمد وأستاذه. ويغيب عن كثيرين أن والدة حاكم دبي من آل نهيان، وأنه نظر دائماً إلى الشيخ زايد بوصفه الخال والمرشد؛ وهو ما عمّق لاحقاً علاقة الود والتشاور والشراكة مع أبناء الشيخ زايد.
على رغم العواصف التي اجتاحت المنطقة في العقود الأربعة الماضية تمسكت دبي بحلمها، وزادتها التحديات إصراراً على استكماله. وهو ما اتضح أيضاً حين سألنا الشيخ محمد عن الانعكاسات المحتملة للعقوبات الأميركية الجديدة على إيران. وأوحى الجواب بأن دبي تعلمت السباحة في مياه التحديات بما فيها الأزمات المالية العالمية.
في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي كان حضور الشيخ محمد لافتاً في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» الذي عقد في الرياض. قطع رحلة قنص في أوزبكستان وتعمد الحضور؛ لشعوره أن جهات تحاول استغلال جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي لاستهداف السعودية واستقرارها. وموقفه في هذا السياق قاطع: «نرفض استهداف السعودية، واستقرارها ضرورة حيوية للمنطقة وللعالم» و«نحن نقف مع السعودية في السراء والضراء». وترجمة لهذا الموقف شارك في المؤتمر وجال في الرياض وحاور شباناً التقاهم في مجمع تجاري أو مطعم أو مقهى.
تبقى قصة على هامش الحوار. في 2004 وبعد اعتراف ليبيا ببرنامجها النووي تلقى الشيخ محمد اتصالاً من العقيد معمر القذافي. قال الزعيم الليبي: «أريد طرابلس مثل دبي وأن تكون العاصمة الاقتصادية لأفريقيا». وحين التقى الرجلان في خيمة في سرت قال القذافي لضيفه: «أنا قمت بثورة شعبية وأنت قمت بثورة اقتصادية، وأريد الآن القيام بثورة اقتصادية تبدأ من طرابلس».
أرسلت دبي فريقاً أعد دراسات ليتحول مطار معيتيقة إلى عاصمة جديدة. جهزت دراسات للمدارس والمستشفيات ولمركز مالي ومشاريع للبنية التحتية. لكن النظام الليبي لم يكن جاهزاً لاستقبال تجربة من هذا النوع. البطء القاتل في القرار والتنفيذ وتنافس «اللجان» والأجهزة ونذر الفساد كلها عوامل دفعت الوفد الإماراتي إلى الانسحاب؛ فغاب مشروع كان يمكن أن يجنّب ليبيا مصيرها الحالي القاتم.
يثق محمد بن راشد في قدرة العربي على قهر التخلف والانخراط في ثورة التقدم العلمي والتكنولوجي لتعويض ما ضاع على امتداد عقود وقرون. تتكرر في مجلسه كما في أحاديث المواطنين مفردات التنافس والإبداع والابتكار والسعادة. لا يمل من شحذ همم العاملين معه. يذكرهم دائماً بأن لا أحد يذكر اسم الرجل الثاني الذي سار على القمر. يحرّضهم على التطلع إلى الموقع الأول. وهنا نص الحوار:

> هل تؤثر عودة التوتر الأميركي - الإيراني على حسابات المستثمرين الأجانب في منطقة الخليج؟
- التوتر في منطقتنا ليس جديداً، يكاد يكون حالة مستمرة منذ أربعين عاماً. ومع ذلك لم تتوقف عجلة البناء والتنمية، ولم يتوقف تدفق الاستثمارات.
لا شك أن التوتر يعكر الأجواء ويشيع القلق، ويدخله المستثمرون في حساباتهم، لكن محور هذه الحسابات يظل جدوى الاستثمار. التوتر يزيد حذر المستثمر، لكنه لا يوقف نشاطه وبحثه عن الفرص المواتية. ولا يوجد استثمار من دون مخاطرة، وكما يقال: كلما زادت المخاطرة زادت الأرباح. ومخاطرة المستثمرين محسوبة دائماً.
وفي منطقتنا، وتحديداً في دول مجلس التعاون، عوامل جذب الاستثمار الأجنبي تتنامى، وهي كامنة في الفرص التي يتيحها اقتصاد كل دولة، وتفتحها خطط التحديث والتطوير. ومن دولة الكويت إلى سلطنة عمان، مروراً بكل دول مجلس التعاون مشاريع تطوير وتحديث في قطاعات الاقتصاد كافة وبآلاف ملايين الدولارات.
ثم إن المستثمرين يعرفون أن للدول ذاكرة قوية تحفظ، وأن الاستثمار المجزي يتسم بالاستمرارية، وقراراته لا تستند فقط على معطيات لحظة توتر، أو حدث عابر.

> شاركتم الشهر الماضي في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» واتخذتم موقفاً متضامناً مع السعودية في وجه الحملة التي تستهدفها بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. كيف تنظرون إلى التحول الحاصل في السعودية في سياق «رؤية 2030»؟
- نحن دائماً مع السعودية في السراء والضراء، وعلاقاتنا الثنائية تتعزز تحت مظلة «مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي». وقد وضع المجلس رؤية مشتركة لتكامل استراتيجي بين البلدين، اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً، عبر 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً. ونحن نتطلع إلى بناء نموذج تكاملي يدعم مسيرة التعاون الخليجي، والعمل العربي المشترك.
وأنا أنظر بتفاؤل وأمل إلى عملية التطوير والتحديث الضخمة في المملكة. والواقع أن «رؤية 2030» تفرض على أشقائنا وصل الليل بالنهار لتنفيذ خططها ومشاريعها وبرامجها. وهم قادرون على ذلك، ويعلمون أن أهداف الخطة ليست خياراً، بل وصفة ضرورية لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، فالسعودية مجتمع شاب، أكثر من نصفه تحت سن الثلاثين، وهؤلاء يحتاجون إلى فرص عمل، وإلى توسع كبير في مشاريع الإسكان والبنى التحتية، وقبل ذلك يحتاجون إلى تعليم عصري، وإلى بيئة منفتحة على التغير والتحديث. وفضلاً عن ذلك، تفرض تطورات ومتغيرات في الاقتصاد العالمي في وضعه الراهن والمستقبلي تنويع الاقتصاد وربطه بالاتجاهات العالمية الصاعدة، وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية. وهذا ما تعد به «رؤية 2030».

> هل تشاطرون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اعتقاده أن الشرق الأوسط يمكن أن يكون أوروبا جديدة إذا سلكت دوله طريق التحديث والتطوير، أم أن الشرق الأوسط سيبقى أسير نزاعاته؟
- نعم، وأنا لا أرى علاقة تضاد بين النزاعات في جهة والتطوير والتحديث في الجهة الأخرى، بل أؤمن أن النزاعات تقدم حوافز إضافية للإقدام على التحديث والتطوير. أكثر من ذلك هل يمكن إدارة نزاع بكفاءة إذا لم تمتلك أدوات العصر المناسبة؟ وهل يمكن أن تنتج الأوضاع والوسائل القديمة وطرق التفكير القديمة نتائج غير تلك التي أنتجتها من قبل؟
وأصارحك القول، إنني إلى سنوات قليلة خلت، كثيراً ما ورد في خاطري المثل العربي «كمن يؤذن في مالطا». فمنذ أكثر من عشرين عاماً وأنا أنبّه إلى خطورة الأوضاع وضرورة التغيير والتحديث، لكن كان هناك ذهول من بعض المسؤولين عن تفاقم المشاكل في بلدانهم، وذهول أكبر عن سبل مواجهة هذه المشاكل، فتفاقمت وتعقدت إلى أن اصطدمت بحائط مسدود. وهو ما جسدته أحداث الخريف العربي الذي وصف زوراً بالربيع.
أنا متفائل بالمستقبل، وأنظر دائماً إلى الجزء الممتلئ من الكوب، وأتطلع إلى ملء الجزء الفارغ. وبمقدار ما كان ثمن الخريف باهظاً، بمقدار ما كانت دروسه ثمينة ومفيدة، وفي تقديري أن معظم القيادات والنخب في الدول العربية قد استوعبت هذه الدروس، وها هي رياح الإصلاح والتغيير والتحديث تهبّ في معظم أرجاء عالمنا العربي، وتعد بربيع حقيقي.

> أشار ولي عهد السعودية في منتدى الاستثمار إلى أنكم رفعتم السقف في تسعينات القرن الماضي وتبعكم الآخرون. فما هو هذا السقف الذي رفعتموه، وكيف فعلتم ذلك؟
- أنا لم أفكر في رفع سقوف، إنما حرصت على القيام بمسؤولياتي كما يجب. كان من حظي أنني نشأت وتربيت في مدرسة الشيخ راشد، واضع قواعد نهضة دبي، وعملت مع الشيخ زايد، واضع أسس اتحادنا وراعي توطيد أركانه. ورافقت مسيرة الشيخين - طيب الله ثراهما - منذ أن وضعا اللبنة الأولى للاتحاد في اجتماعهما يوم 18 فبراير (شباط) 1968، واتفاقهما على إقامة اتحاد بين إماراتَي أبوظبي ودبي ودعوة الإمارات الأخرى للانضمام إليهما. وواكبت مباحثات مشروع الاتحاد التساعي لأكثر من ثلاث سنوات، الذي انتهى إلى سباعي بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر (كانون الأول) 1971. ومنذ ذلك التاريخ وأنا منخرط في بناء دولتنا الاتحادية وبناء دبي.
وفي منتصف تسعينات القرن الماضي عينني شقيقي الشيخ مكتوم - طيب الله ثراه - ولياً للعهد، وحمّلني مسؤولية كبيرة وأمانة أكبر. كنت على دراية تامة بالواقع وممكناته في بلدنا ومنطقتنا وعالمنا العربي، وكنت أرى الحجم الكبير للهوة التي تفصل هذا الواقع عن العالم المتقدم. وكان واضحاً لي ولغيري أن العالم العربي والعالم الإسلامي في معظمه تعثرا في الاستجابة لتحدي الحضارة الإنسانية ومركزها الحضارة الغربية.
ومع الأسف، أن الثقافة السائدة في معظم القرون الأخيرة كانت تبخس التقدم الإنساني قدره، ولا ترى فيه إلا أنه ينطوي على تفسخ أسري واجتماعي وانحلال خلقي سيفضيان إلى زواله، وأن وراثة الأرض وما عليها هي من تحصيل الحاصل للمسلمين. هذه الثقافة التي سادت تنكرت حتى لخبرتنا في بناء الحضارة وقيادتها عالمياً لنحو ثمانمائة عام، وهي لم تنتج تخلفاً وسّع الهوة مع العالم المتقدم فقط، إنما أيضاً اصطحبت جموداً وانغلاقاً فكرياً راح يبحث عن حلول قضايا ومشاكل الحاضر في عالم الأمس الذي مضى وانقضى.
كان علينا في الإمارات ودبي أن نتقدم بشجاعة لتطوير واقعنا من داخله وبكل مكوناته، وتغيير وتحديث أنماط التفكير والعمل السائدة. كان علينا أن نبني آليات الاستجابة لتحدي التقدم، وأن نواكب الاتجاهات العالمية الصاعدة في كل نشاط إنساني؛ في الاقتصاد وبناء القوة الذاتية والثقافة والتكنولوجيا. لقد حققنا إنجازات نعتز بها، وسجلنا نجاحات مشهودة، وأرسينا قواعد الاستدامة، وما زال أمامنا عمل كثير؛ فالحياة لا تتوقف، والمتغيرات تترى، والمستجدات تتوالى، ومسيرة التقدم الإنساني لا تعرف الحدود.

> مر على المنطقة وعلى الإمارات ودبي خلال العقدين الماضيين عدد من الأزمات، منها حرب الخليج والحرب الإيرانية - العراقية وأحداث 11 سبتمبر (أيلول) والحرب الأميركية على العراق والأزمة المالية وثورات «الربيع العربي» وما تبعها. كيف تنظر إلى تأثير هذه الأزمات على المنطقة وكيف يمكن الاستفادة منها؟
- الأزمات هي في الواقع تحديات تكون دائماً مصحوبة بمخاطر وفرص. إذا فاجأتك تتعرض للمخاطر، وإذا كنت مستعداً يتاح لك اغتنام الفرض. نحن نؤمن أن الوقاية خير من العلاج، ونحن نعمل ما يجب عمله لضمان وقاية بلادنا وشعبنا من أخطار الأزمات، وجاهزون أيضاً لعلاج آثارها إذا تطلب الأمر.
يقال في أمثالنا العربية «اشتدي أزمة تنفرجي». وأرجو أن تكون شدة الأزمات قد بلغت ذروتها أو قريباً من الذروة. وأن يصير الانفراج ممكناً. يكفي ويزيد ما دفعته دول ومجتمعات عربية من أثمان باهظة في هذه الأزمات، كانت الخسائر فادحة في الأنفس والأموال والممتلكات، وضاعت هباءً سنوات من عمر أجيال. فلا عذر إذن لأحد من عدم الاستفادة من هذه الدروس، واستخلاص عبرها بموضوعية وأمانة، والعمل بموجباتها بتجرد وإخلاص.

> عملت دبي على تنويع مصادر الدخل والقاعدة الاقتصادية، لكن لا يزال تأثير المتغيرات الاقتصادية العالمية كبيراً على القطاعات في دبي، كيف يمكن تخفيف تأثير تلك المتغيرات على اقتصاد دبي والإمارات؟
- سؤالك يفترض أن تأثير المتغيرات الاقتصادية العالمية الراهنة على دبي كبير، وتسأل عن كيفية «تخفيف» هذا التأثير.
نعم، دبي تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية العالمية؛ لأن اقتصادها مفتوح، وحسب تقارير دولية متخصصة، هو الأكثر انفتاحاً في العالم بعد لوكسمبورغ وهونغ كونغ. لكن قراءة هذا التأثير تختلف من شخص إلى آخر، سواء كان هذا الشخص متخصصاً، أو من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
أنا أقرأ التأثر في سياقات تستوعب الحاضر وآفاق المستقبل والخبرة الذاتية المكتسبة من وقائع ثابتة. ولعلك تعرف أن الاقتصاد، أي اقتصاد، يتحرك في دورات صعود وهبوط، وإذا كان معدل النمو السنوي هو المقياس، فاقتصادا الإمارات ودبي لم يسجلا نمواً سالباً منذ ست سنوات، بل بالعكس سجلا نمواً إيجابياً، وكانا دائماً أعلى من معدلات نمو الاقتصاد العالمي.
على أي الأحوال، يجري تنفيذ خطتنا لعام 2021 وفق البرامج الزمنية المحددة سابقاً، وبتوفيق الله وجهود شبابنا، فإن معدلات تنفيذ مشاريع وبرامج الخطة تبشر بتحقيق أهدافها في عام 2021.

> تعتمد دبي على التجارة العالمية وتجارة التجزئة بشكل كبير، لكن هناك تحديات طرأت على الوضع العالمي مع وصول ترمب للسلطة من خلال سياسات الحمائية التي اعتمدها، والتي تقيد العولمة. كيف يمكن المضي في هذا النموذج لضمان الاستدامة في التجارة العالمية؟
- تأثر الإمارات ودبي بالإجراءات الحمائية الأميركية معدوم. لكن هذه الإجراءات تطرح تحديات كبيرة على نظام التجارة العالمي ومنظمة التجارة العالمية والعولمة. والمفارقة أن الولايات المتحدة التي كانت القوة الدافعة للنظام والمنظمة والعولمة، باتت القوة المراجعة التي تسعى إلى تغييرات جوهرية في قواعد نظام التجارة العالمي وكل ما ترتبه من التزامات وحقوق.
الولايات المتحدة فاعل مهم في التجارة العالمية، لكنها ليست اللاعب الوحيد. يوجد لاعبون آخرون مهمون ومؤثرون وصاعدون. وبالنسبة لنا في الإمارات، فإن شبكة علاقاتنا التجارية الواسعة كفيلة بأن تمتص أي تأثيرات محتملة للإجراءات الأميركية. فشركاؤنا الرئيسيون هم الاتحاد الأوروبي بنسبة 22 في المائة من حجم تجارتنا البالغ 1.612 تريليون درهم، والدول العربية 17 في المائة، والهند 11.5 في المائة، والصين 10 في المائة، واليابان 6.5 في المائة. أما حجم تجارتنا مع الولايات المتحدة في العام الماضي فقد سجل 5.5 في المائة، معظمها مواد استهلاكية ومنتجات إلكترونية.
في تقديري أن الولايات المتحدة أقدمت على إجراءات الحماية لأنها رأت فيها الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامها لإيقاف تفاقم العجوزات في موازين المدفوعات مع دول اقتصادات التصدير. وما يثير القلق هو احتمال نشوب حرب تجارية بين هذه الاقتصادات، وما سيترتب عليها من غلبة للاتفاقات الثنائية على العمل الدولي المشترك، واشتداد في التنافس والتدافع بين دول الاقتصادات الكبرى قد يتسع إلى مجالات غير التجارة.

> حدث كبير تنتظره دبي خلال العامين المقبلين وهو معرض «إكسبو 2020»، ما القيمة الإضافية التي يقدمها «إكسبو» لدبي، وما القيمة التي تقدمها دبي لـ«إكسبو»؟
- أهمية معرض «إكسبو» لا تخفى على أحد، فمنذ أن أقيم أول مرة قبل 167 عاماً تنامت شهرته واكتسب سمعة عالمية، وأطلق سباقاً بين الدول لاستضافته. وقد جسد فوزنا باستضافته المكانة المرموقة لدولتنا بين دول العالم، وبخاصة أن المنافسة على استضافته كانت شديدة، وكان بين منافسينا دول تتوفر على كل متطلبات الفوز، وتملك ميزات الاقتصاد القوي وحجم السكان الكبير.
وأنا على ثقة بأن «إكسبو2020» سيعزز مكانة دولتنا ومنطقتنا؛ فهذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها المعرض في المنطقة التي تضم الشرق الأوسط وأفريقيا وغرب آسيا.
للإمارات عموماً، ودبي خصوصاً، سمعة عالمية مرموقة في صناعة المعارض والمؤتمرات. وسيتوج «إكسبو» هذه السمعة بكفاءة التنظيم وبهاء العمارة وحسن الضيافة، وبما سيرافقه من أنشطة وفعاليات تستلهم شعاره «تواصل العقول وصنع المستقبل».

> بعد مرور أكثر من عام على تعيين وزيرة للسعادة ووزير للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى وزراء للشباب والأمن الغذائي والعلوم المتقدمة، هل تحققت نتائج من إيجاد هذه الحقائب الوزارية؟
- نعم، تحققت وبأكثر من المتوقع. والوزارات التي استحدثناها هي في حقيقتها وزارات مستقبلية. واخترنا لها شباباً يتمتعون بالكفاءة والحيوية والطموح، فالمستقبل للشباب هم أصحابه وهم قادته.
لقد أجرينا التعديل الوزاري بعد ستة أشهر من إطلاقنا لـ«رؤية مئوية الإمارات 2071»، واستلهمنا برنامج العمل الوطني الذي طرحه أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ومحوره تجهيز دولة الإمارات لأجيال المستقبل. وكان علينا أن نبدأ التجهيز في التو واللحظة. فالمتغيرات في عالمنا تتسارع وتفرض علينا أن نجهز أجيالنا بمعارف جديدة ومهارات في البحث والتفكير والتواصل، تمكّنهم من النجاح في عالم سيكون مختلفاً تماماً عن عالم اليوم... عالم الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة و«بلوكتشين» والبيانات الضخمة.
نحن تعلمنا من خبرتنا الذاتية ومن تجارب الآخرين، أنك إن لم تتقن الذهاب إلى المستقبل، جاءك دائماً بمفاجآته ومستجداته، وأسرك في دائرة «ردود الفعل»، وأبقاك تابعاً.

> تسعى لنشر مفهوم أن السعادة مرتبطة بوجود حكومة عالية الكفاءة من خلال ما يتم طرحه في القمة العالمية للحكومات. ما هي الروابط بين السعادة وجودة حكومة متمكنة وقادرة على الأداء بكفاءة عالية؟
- السعادة هي الغاية الأسمى لكل إنسان وكل مجتمع. ويفترض أنها غاية كل حكومة. تحقيق سعادة مجتمع الإمارات بمواطنيه وضيوفه هي غاية رؤيتنا واستراتيجياتنا وخططنا. والحال أنك لو سألت عشرة أشخاص عن معنى السعادة لحصلت على عشرة أجوبة متباينة. وأنا أختصر معنى السعادة المرتبطة بجودة الأداء الحكومي بكلمة واحدة هي الرضا. رضا مراجعي الدوائر الحكومية عن وضوح إجراءات تقديم الخدمات لهم، وسهولة وسرعة إنجاز معاملاتهم والاستجابة لطلباتهم. ورضا الموظفين عن عملهم ووضعهم الوظيفي.
والرضا يتحقق بالعمل الجماعي وملاءة القوانين واللوائح، وكفاءة المدير وعدالته ونجاحه في بناء بيئة عمل تحفز على تجويد الأداء، وتشجع الأفكار والمبادرات وتكافئ أصحابها، وتفتح سلم الصعود الوظيفي أمام الموظف المبدع والمجتهد... وهذا ما نحرص عليه في وزارتنا ودوائرنا.

> تمضي دبي في بناء برج جديد يضاهي برج خليفة في الارتفاع، وتسعون إلى تحقيق رقم قياسي جديد. هل يمكن أن يسحب البرج الجديد الأضواء من برج خليفة؟
- نحن نسعى إلى تشييد معالم تميز دبي ودولة الإمارات. وقد تكون المعالم أبراجاً أو متاحف أو مكتبات أو أوبرا أو حدائق أو فنادق أو أنشطة ثقافية منتظمة. وهذه المعالم تنبض بالحياة وترقيها وتحقق عوائد مجزية بشكل مباشر أو غير مباشر. أما بخصوص الأرقام القياسية، فأنا حريص على تسجيلها في مجالات التنمية ومؤشراتها، وبخاصة في التنمية الإنسانية. الإمارات أكبر مانح ومقدم مساعدات بين دول العالم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وتسجل الإمارات واحدة من أعلى النسب في عدد البرلمانيات وعدد الوزيرات. والإمارات تسجل أعلى معدل في العالم لالتحاق الإناث بالجامعات. وقفزت الإمارات في الأداء الاقتصادي من المركز الـ12 في عام 2016 إلى المركز الخامس في العام الماضي... ويمكن أن أمضي في تعداد مؤشرات أخرى عدة يتقدم فيها ترتيب الإمارات بين دول العالم.

> أعلنت دول مجاورة عن إنشائها مراكز مالية فيما تسعون في دبي إلى تعزيز وضع الإمارة كمركز مالي عالمي. ما الذي يجعل دبي خياراً أول للشركات المالية في ظل التنافسية العالية بين دول الخليج بشكل محدد؟
- بداية، نحن نرحب بالتنافسية لأنها تحفزنا على تطوير وتجويد عملنا. وأفق تنافسية مركز دبي المالي أفق عالمي، وهو يتبوأ مرتبة متقدمة بين المراكز المالية العالمية. ولا غضاضة في أن يتبعنا آخرون ويقلدون مشاريعنا، ونتمنى لهم النجاح، فنحن نعتبر نجاح أي شقيق نجاحاً لنا. كما أن نجاحهم يقوينا جميعاً، وأنا أعني ما أقول؛ لأن تعثر البعض قد يدفعه إلى إجراءات تفتقر إلى المهنية فيؤثر سلباً على الجميع.
أما ما الذي يجعل دبي الخيار الأول للشركات العالمية، فتستطيع أن تسأل كبرياتها وأكثرها شهرة، وستسمع أجوبة تتراوح بين نوعية الحياة في دبي والتشريعات السارية في المركز، واستقلالية سلطته، وكفاءات وخبرات كوادره.

> قضية ميناء دوراليه أظهرت وجود تحديات أمام الشركات عابرة البحار من خلال القوانين الدولية... كيف يمكن ضمان الحقوق في ظل التجاوزات من قبل حكومات كما حدث لميناء دوراليه؟
- مؤسف عدم احترام السلطة المعنية في جيبوتي التزامها في العقد الموقّع مع «موانئ دبي العالمية». العقد موثق، ومرجعية الفصل في النزاعات حوله دولية باتفاق الطرفين المتعاقدين. وقد صدرت أحكام لصالح «موانئ دبي العالمية»، وهي نهائية وواجبة التنفيذ.
قضية هذا الميناء لن تؤثر على نشاط شركة «موانئ دبي العالمية»؛ فقد استحوذت أخيراً على مجموعة دنماركية تملك أكبر شبكة لوجيستية لتشغيل سفن النقل البحري قصير المدى في أوروبا. وتدير موانئ دبي وتشغّل 78 ميناءً حول العام، وتطوّر 10 مشاريع جديدة في 8 دول تتوزع على 3 قارات.
أما ضمان الحقوق، ففي تقديري أن موضوع جيبوتي لن يكون سابقة، فالأصل أن الدول تحرص على سمعتها وتحترم توقيعها وتلتزم بتعهداتها.

> ذكرت في تغريدة، أن المسؤولين نوعان... نوع مفاتيح للخير ونوع آخر مغاليق للخير. وأشرت إلى أن الحكومات لا تنجح إلا إذا زاد النوع الأول على النوع الثاني. برأيك أي الأنواع أكثر في عالمنا العربي؟
- لا أملك جواباً على هذا السؤال. وربما تجد الإجابة في حال الإجراءات البيروقراطية، أي الإجراءات الداخلية في الوزارات والدوائر والجهات الحكومية الأخرى، وإجراءات إنجاز معاملات المراجعين.
أيضاً، يمكن للقوانين واللوائح السارية أن تقدم مؤشراً، فحين يتطلب إنجاز معاملة عشرين توقيعاً وختماً، فالمغلاق يكون أولاً في القوانين، وثانياً في المسؤولين الذين لا يبادرون لتطوير هذه القوانين. وفي كل الأحوال، تضيء على الإجابة المؤشرات الدولية المتعلقة بالشفافية والحوكمة والفساد وغيرها.

> لو طلبت منكم أن تختصروا بكلمات قليلة السر الذي مكّن دبي من التحول ورشة دائمة التطور ونقطة جذب للاستثمارات والسياح ومثلا يحتذى؟
- نجاح دبي هو نجاح للإمارات. ونحن في دولة الإمارات أسرة واحدة متحابة ومترابطة، والإماراتيون يعتزون بتراثهم وبقيمهم في العطاء وحب الخير للآخرين والانفتاح والتسامح وقبول الآخر واحترام ثقافته. وعلاقتنا بمواطنينا مفتوحة، نلتقيهم كل يوم، ونشاركهم أفراحهم وأتراحهم. وهم في قلب مسيرة التنمية والتقدم مشاركون في صنعها وفي عوائدها.
أما كيف تحولت دبي إلى ما ذكرت، فهو تحول طال الإمارات كلها، وسر نجاحه أنه انطلق من الواقع وبه في سياق رؤى مستقبلية تواكب المتغيرات والمستجدات والاتجاهات الصاعدة في العالم المتقدم، وخطط ومشاريع وبرامج قادتها الحكومة وشارك في تنفيذها أبناء دبي والإمارات وضيوفهم المقيمون.

> هل تخشى من أن يأتي يوم تخسر فيه دبي بريقها بفعل توترات المنطقة أو المنافسة؟
- أقترح عليك أن تقرأ تاريخ دبي والإمارات لترى أن هذا البريق نتاج تراكم عطاءات أجيال من أهل دبي، وأنه استحقاق عن جدارة وتميز. لعلك لا تعرف أن جذور نمو دبي الاقتصادي تعود إلى أكثر من 110 أعوام، وأن تجارتها حرة منذ أقدم الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم، حاكم دبي، على إلغاء الرسوم الجمركية، فباتت دبي خلال سنوات أحد أهم مراكز التجارة في المنطقة، والمحطة الوحيدة لسفن الشحن بين أوروبا والهند.
لقد تغلب أسلافنا على تحديات بالغة الصعوبة والتعقيد، ومنذ أن جاء البرتغاليون بمدافع سفنهم إلى منطقتنا قبل نحو خمسمائة عام، وجاء بعدهم الهولنديون والإنجليز، والتحديات تتداعى وأسلافنا يتغلبون عليها.
أما المنافسة فنحن أهل لها، ونحن لا ننافس محلياً وإقليمياً، إنما عالمياً، ونحن نؤمن أنه من دون منافسة، غالباً ما تفتر الهمم، وقد تسود الرتابة والركون إلى الراحة، وقد تتوارى المبادرة ويكثر تأجيل عمل اليوم إلى الغد. وفي هذه وتلك وصفة للتخلف.
ثم إن دبي جزء من دولة الإمارات العربية المتحدة، بريقها يضيف إلى بريق النموذج الإماراتي المتألق في إنجازاته والمتفرد في تكوينه، والذي يشع في كل الإمارات. نحن في الإمارات بيت متحد وبنيان مرصوص، وجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

> إلام يتطلع حاكم دبي الآن بعدما ارتبط باسمه موضوع نهضتها؟ ما هو حلمه الجديد؟
- أتطلع إلى تعزيز النهضة في الإمارات وإلى مضيها قدماً لتحقيق أهداف مئويتها. وأتطلع إلى رؤية «عشرين دبي» في عالمنا العربي، وأن ينعم المواطنون العرب بما ينعم به أبناء الإمارات من أمن واستقرار وازدهار.
وأحلم بأن أرى أداء الحكومات العربية يضاهي أداء حكومتنا ويتفوق عليها، وأن يكون الشباب والأجيال الصاعدة على رأس جدول أعمالها، وأن تستثمر أكثر في التعليم والبحث العلمي... حلمي أن يعيش العالم العربي عصره ويشارك في بناء حضارته التي هي الآن قيد تشكيل جديد تتعدد فيه المراكز الحضارية، وتشارك فيه الصين واليابان والهند، إضافة إلى الحضارة الغربية التي طبعت بطابعها الحضارة الإنسانية على مدار القرون الثلاثة الماضية.

> بماذا تشعر حين تزور عواصم عربية وتلمس أنها لا تزال أسيرة الماضي وعاجزة عن الصعود إلى قطار التقدم العلمي والتكنولوجي والعمراني؟
- أرى جهوداً تبذل في معظم الدول العربية للتغيير والتحرر من مسببات التخلف. وأرى وعياً متزايداً بأن الحلول للمشكلات والسبل لمواجهة التحديات موجودة في الحاضر والمستقبل، وأرى اهتماماً بتطوير الأداء الحكومي، وتحديث التشريعات، وتطوير الخدمات، وإصلاح التعليم. أما مستوى هذه الجهود وهذا الاهتمام فهو متباين بين دولة وأخرى، وفي كل الأحوال، يجب أن تتواصل هذه الجهود، وأن تتضاعف، وأن تتراكم نتائجها. ومن يعجز عن الصعود إلى قطار التقدم فهو مقصر بحق وطنه وشعبه، وأيضاً بحق نفسه.

> مبادراتكم الأخيرة على المستوى العربي تلفت الانتباه. ماذا تريدون من ورائها؟ وهل ترون جدوى لها في هذا الزمن العربي الحافل بمشاكل وأزمات كبرى؟
- ثروتنا الأهم في الإمارات هي قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا. نحن نحمل في دواخلنا حب الخير للناس جميعاً، ونعمل على تحقيق ذلك بأفضل الطرق. والتزامنا العربي في الإمارات جزء من تكويننا ومن هويتنا، وقد جسّده الشيخ زايد - طيب الله ثراه - بمواقفه وعطاءاته أفضل تجسيد، وهو من ثوابتنا، ونمارسه قيادة وشعباً كلما تطلب الأمر وبأقصى ما نستطيع.
نعم، العالم العربي في كثير من دوله حافل بالمشاكل والأزمات، لكن هذا الوضع وحده يكفي دافعاً للعطاء، ومحفزاً للإسهام في جهود مواجهة هذه المشاكل والأزمات.
وحتى إذا نظرت إلى الأمر من زاوية مصلحية بحتة، فالأصل أن لكل دولة عربية مصلحة مباشرة في استقرار وأمن وازدهار الدول العربية الأخرى، ولا تغير من هذه الحقيقة حالات شاذة وخلافات عابرة.
مبادرات الإمارات على الساحة العربية لم تتوقف يوماً، واستهدفت دائماً الخير للشعوب والاستقرار والنماء للدول. وأنا في مبادراتي أركز على الشباب العربي والأجيال الصاعدة؛ فهم الأمل وهم المستقبل، وأسعى في جهود تمكينهم معرفياً وعلمياً وثقافياً وتربوياً، بتشجيعهم على الاهتمام بالقراءة وبلغتنا العربية، وبتحفيزهم على الإبداع والابتكار في التقنيات الحديثة والتطبيقات الرقمية. أنا على يقين بأن شبابنا الذين بنى أسلافهم أعظم الحضارات قادرون على تغيير الواقع وإعادة البناء واستئناف الحضارة العربية، ولنا في وقائع التاريخ والعصر دروس وعبر. الصين استأنفت حضارتها بعد انقطاع طويل، واليابان فعلت ذلك، وقبلهما أوروبا التي اعتبرت الحضارة الغربية المعاصرة استئنافاً لحضارة الإغريق التي أفلت قبل أكثر من ألفي سنة.
نحتاج إلى منح شبابنا وأجيالنا الآتية الفرصة، وعلينا أن نفتح لهم أوسع الأبواب. ونحتاج قبل ذلك إلى أن نسلحهم بالعلم والمعرفة، ونوفر لهم بيئة تشجعهم على البحث والتفكير، وتحثهم على المبادرة والإبداع والابتكار، وتزرع فيهم قيم التسامح والحوار وقبول الآخر واحترام ثقافته.

> أشعر أنك متفائل بمستقبل العالم العربي على رغم تفكك بعض دوله، وتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول أخرى. هل أنت متفائل؟ وإذا كنت كذلك، فما سر تفاؤلك؟
- أعود إلى كأس الماء بنصفيه الفارغ والممتلئ. البعض لا يرى إلا النصف الفارغ، إما لضعف في نظره أو لغرض في نفسه. والبعض ينظر إلى القسم الممتلئ ويفكر في كيفية ملء الجزء الفارغ. وأنا من هؤلاء. وأرى في الجزء الممتلئ دولاً عربية ذات وزن وتأثير تنعم بالاستقرار والأمن والازدهار، وتواصل بناء التنمية، وتتطور وتتقدم، وتساعد على ملء القسم الفارغ. وأرى دولاً زارها «الخريف» العربي تنهض وتزيل آثار الفوضى وتنجح في مواجهة الإرهاب، وتسير بقوة وثقة في دروب التنمية.
أما في المجال العربي العام، فقد ترتبت على «الخريف» نتائج إيجابية لم تكن مقصودة، ومن أهمها التقدم الذي تحرزه جهود حسم الالتباس حول عدد من المفاهيم الأساسية في الحياة العربية كمفاهيم الشرعية والمواطنة والتقدم والدولة الوطنية والإصلاح. هل يجادل أحد اليوم في أهمية الدولة الوطنية وضرورة الحفاظ على قوتها وفاعلية مؤسساتها؟ وفي أن الشرعية هي قرين الإنجاز والأمن والاستقرار وبناء التنمية وتحسين نوعية الحياة؟ وفي أن المواطنة قرين المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص؟ وفي أن الإصلاح يظل كلاماً مرسلاً في غياب الدولة الوطنية القادرة؟ هذه نتائج مهمة جداً، وتحتاج إلى جهود ضخمة لتتكرس مبادئ ثابتة وقيماً راسخة في ثقافة وتقاليد المجتمعات المعنية. وهذه الجهود تشمل العمل الجاد والمثابر في بناء التنمية، وإصلاح التعليم، وتطوير الأداء الحكومي، ومكافحة الفساد، والاهتمام بالشباب ووضعهم على رأس أجندات العمل الوطني.

> ماذا تريد أن يُكتب عنك لاحقاً في كتب التاريخ؟ هل تريد صورة صانع نهضة؟ وماذا عن ولعك الواضح بالشعر؟
- هذ أمر متروك للمؤرخين. أما الشعر فهو صديقي الذي لا يفارقني. في الشعر تجد خلاصات المعرفة والحكمة والنبل. وفيه تتجلى لغتنا بأجمل وأرق وأرقى ما فيها. وهو شريك مهم في حفظ التراث، وتدوين التاريخ، وتخليد الأفذاذ، والحث على قيم الشرف ومكارم الأخلاق.
باختصار... شعري هويتي وشرفتي التي أطل منها على وطني وشعبي، وعلى النفس البشرية وعلى العالم.

> هل يمكن أن نعرف أصعب لحظة واجهتك في مسيرتك؟
- أنا أعتبر الصعوبات تحديات، والإنسان منذ يخلق ترافقه التحديات في كل شؤون حياته، وجدارة الإنسان تكون في النهوض لمواجهتها، ومكافأته تكون في التغلب عليها، وتميزه يكون في اغتنام الفرص المصاحبة لها.

> الخوف شعور طبيعي. ما الذي يخيفك؟
- أنا إنسان مؤمن بقضاء الله وقدره. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا... لا شيء يخيفني.

> من أحب الشعراء إلى قلبك؟
- المتنبي، شاعر العربية الأكبر على مر العصور، وهو سيد اللغة والبيان، وقد أجاد في أغراض الشعر كلها، وتوغل في فلسفة الحياة وفي النفس البشرية، وطال كل نوازعها كما لم يفعل شاعر آخر. أما سيرة حياته في حله وترحاله وقلقه وطموحه وطلبه العلا ومقتله فتقترب من ملاحم الإغريق. وقد استقرت العشرات من أبيات شعره حكماً يتردد صداها حتى يومنا هذا، وتبدو أحياناً كأنها قيلت في أحداث وأحوال معاصرة.

> ماذا تحفظ من شعر المتنبي؟
- أحفظ الكثير، وتحضرني الآن بعض أبيات شعره التي تتوغل في أحوال النفس البشرية ونوازعها مثل:

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام

إذا ساء فعل الفتى ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم

وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمناً

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

وإني لمن قوم كأن نفوسهم بها أنف أن تسكن اللحم والعظما

فلا عبرت بي ساعة لا تعزني ولا صحبتني مهجة تقبل الظلما

> هل لديك وقت لقراءة الكتب؟ وإذا توفر الوقت فما موضوعات الكتب التي تفضلها؟
- إذا أحسنت إدارة الوقت تجد متسعاً للعمل والراحة والقراءة وممارسة الرياضة والهوايات. وأنا أقرأ في موضوعات عدة. أنا مهتم بالتاريخ القديم والمعاصر ومذكرات القيادات والشخصيات التي أحدثت فارقاً في مجتمعاتها أو فتحت آفاقاً جديدة للبشرية، إضافة إلى ذلك يتابع مكتبي الإصدارات الجديدة والدوريات المتخصصة في الشؤون السياسية والاقتصادية والعلمية، والدراسات والأبحاث والمؤلفات المتعلقة بالمستقبل، ويعد ملخصات وافية لها، وتصلني إهداءات من مؤلفين معروفين في حقول الفكر والثقافة والقضايا المعاصرة.



ولي العهد يهنئ خادم الحرمين بفوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034

TT

ولي العهد يهنئ خادم الحرمين بفوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان (واس)

هنأ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأربعاء، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بمناسبة فوز السعودية رسمياً باستضافة بطولة كأس العالم FIFA™ 2034.

جاء ذلك، بعد إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم، عن فوز السعودية بحق استضافة البطولة، لتكون بذلك أول دولة وحيدة عبر التاريخ تحصل على تنظيم هذا الحدث العالمي بتواجد 48 منتخباً من مختلف قارات العالم.

وشدد ولي العهد على عزم السعودية الكبير بالمساهمة الفعّالة في تطوير لعبة كرة القدم حول العالم، ونشر رسائل المحبة والسلام والتسامح، متسلحة بقدراتها وإمكاناتها الكبيرة، علاوة على طاقات شعبها، وهممهم العالية لتحقيق الصعاب، حيث كان من ثمارها الفوز بملف استضافة كأس العالم بشكل رسمي.

وكانت السعودية قد سلمت في 29 يوليو (تموز) الماضي ملف ترشحها الرسمي لتنظيم كأس العالم تحت شعار «معاً ننمو»، من خلال وفد رسمي في العاصمة الفرنسية، والذي شمل خططها الطموحة لتنظيم الحدث في 15 ملعباً موزعة على خمس مدن مستضيفة، وهي: الرياض وجدة والخبر وأبها ونيوم.

كما شمل ملف الترشّح 10 مواقع مقترحة لإقامة فعاليات مهرجان المشجعين FIFA Fan Festival™، بما في ذلك الموقع المخصص في حديقة الملك سلمان، الذي يمتد على مساحة 100 ألف متر مربع في الرياض، وممشى واجهة جدة البحرية.

وتمثل استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم FIFA™ 2034 فرصة مهمة لتسليط الضوء على مسيرة التقدم المستمرة التي تعيشها السعودية منذ إطلاق ولي العهد لـ«رؤية السعودية 2030»، التي أثمرت عن استضافة أكثر من 100 فعالية كبرى في مختلف الألعاب، منها كأس العالم للأندية، وسباق الفورمولا 1؛ الأمر الذي يحقق الأهداف الرياضية في الرؤية الوطنية نحو بناء مجتمع حيوي وصناعة أبطال رياضيين، والمساهمة بشكل فعّال في الناتج المحلي، بما يعكس الدور المتنامي للرياضة في اقتصاد المملكة.