يتم تعريف «بطء سرعة نبض القلب» (Bradycardia) بأنه حالة ينخفض فيها معدل ضربات القلب إلى أقل من 60 نبضة في الدقيقة. والطبيعي أن يتراوح معدل نبض القلب ما بين 60 إلى 100 نبضة في الدقيقة، وبهذا يتمكن القلب في كل دقيقة من تحقيق أمرين: الأول: أن يضخ إلى أعضاء الجسم المختلفة كمية الدم اللازمة لها كي تعمل بكفاءة وراحة، والثاني: أن يقوم القلب بهذه المهمة دون أن يُصيبه الإعياء والإنهاك.
وعندما ينخفض نبض القلب إلى ما دون 60 نبضة في الدقيقة، وخاصة أقل من 50 نبضة في الدقيقة، تنخفض كمية الدم التي يضخها القلب للجسم في الدقيقة الواحدة. وبالتالي يتدنى تزويد أعضاء الجسم المختلفة، وخاصة الدماغ، بالكمية اللازمة من الأكسجين والعناصر الغذائية الحيوية الموجودة في الدم. وفي هذه الحالة، أي عند بطء نبض القلب إلى ما دون 50 نبضة في الدقيقة، قد تظهر لدى بعض الناس أعراض مرضية لذلك، في حين لدى آخرين، قد لا يؤدي بطء نبض القلب إلى ظهور أي من الأعراض أو المضاعفات.
* أعراض مرضية متفاوتة
وللتوضيح، قد لا يمثل الانخفاض القليل في سرعة نبض القلب مشكلة صحية لبعض الناس، مثل الشباب الأصحاء أو الرياضيين. ولكن في حالات بطء نبض القلب لدى كبار السن والمرضى، قد لا يحصل الدماغ والأعضاء الأخرى المهمة في الجسم على كمية كافية من الدم المُحمّل بالأكسجين عند انخفاض معدل نبض القلب، ما قد يتسبب بأحد أو بمجموعة من الأعراض التالية:
- الإغماء وفقدان الوعي.
- الدوخة أو الدوار.
- ضيق النفس.
- آلام الصدر.
- التشويش والارتباك الذهني، أو اضطرابات في قدرات الذاكرة.
- سهولة الشعور بالتعب عند القيام بنشاط أو جهد بدني.
وحينها، يجدر إجراء التقييم الطبي الإكلينيكي والفحوصات القلبية، مثل إجراء رسم تخطيط كهرباء القلب (ECG)، وفحص رصد نبض القلب في 24 ساعة، وغيره من الفحوصات الكهربائية القلبية المتقدمة، كقسطرة دراسة كهرباء القلب (EPS Study)، والتي بمجمل نتائجها تتيح معرفة جوانب متعددة عن درجة البطء في نبض القلب، وربما أسباب ذلك، والمقاربة العلاجية له.
* منظومة كهربائية قلبية
وهنا يطرح سؤالان، السؤال الأول: ما علاقة الكهرباء بنبض وعمل القلب؟ والثاني: لماذا تنشأ حالة بطء نبض القلب؟
وللإجابة عن السؤال الأول، فإن ثمة منظومة كهربائية رائعة وفريدة في القلب، وذات خريطة محددة في مصدر ومسارات انتشار التيار الكهربائي داخل تراكيب القلب. ومهمة هذه المنظومة الكهربائية تكرار القيام بأمرين في كل نبضة للقلب، الأول: توليد تيار كهربائي جديد مع بداية كل نبضة ينبضها القلب، والثاني: توصيل وتوزيع هذا التيار الكهربائي بكفاءة وسرعة إلى كافة حجرات القلب، كي تنقبض وتنبسط في تناغم دقيق خلال وقت قصير جداً.
والمصدر الطبيعي لإنتاج التيار الكهربائي في القلب هو كتلة صغيرة من الخلايا، تُسمى «العقدة الجيبية الأذينية» (SA Node)، وهي موجودة في أعلى حجرة الأذين الأيمن. ومن هذه المنطقة يصدر تيار كهربائي يسري وينتشر في القلب عبر سلوك شبكة من الطرق داخل حجرات القلب.
ورحلة سريان التيار الكهربائي في كل نبضة للقلب تمر بثلاث مراحل، هي:
- المرحلة الأولى من الرحلة: سريان التيار الكهربائي في حجرتي الأذينين، ما يؤدي إلى انقباض كافة الخلايا العضلية فيهما، والبالغ عددها نحو 100 مليون خلية عضلية.
> المرحلة الثانية من الرحلة: عبور المنطقة الفاصلة ما بين الأذينين والبطينين، من خلال معبر «العقدة الأذينية البطينية» (AV Node). ويمر التيار الكهربائي عبر هذا المعبر ببطء نسبي، أي يستغرق ذلك نحو 0.1 ثانية.
> المرحلة الثالثة من الرحلة: انتشار وسريان التيار الكهربائي بسرعة عالية، خلال كتلة العضلة القلبية للبطينين، والمكونة من نحو 300 مليون خلية عضلية، ومن ثمّ ينقبض البطينان. وبالجملة، يتولد التيار الكهربائي في القلب، ويتوزع في كافة أرجاء الحجرات القلبية وفق نظام غاية في الدقة، ويتم كل ذلك خلال فترة زمنية قصيرة جداً، أي أقل من 0.7 ثانية، حينما يكون معدل نبض القلب 80 نبضة في الدقيقة.
وهذا التتابع المنتظم في انقباض حجرات القلب الأربعة، بفعل تكرار إنتاج التيار الكهربائي، يُكوّن نبضات القلب، ونبضة القلب الواحدة هي التي نشعر بسريان ضخ الدم فيها عند الضغط الخفيف على أحد شرايين الجسم، كالشريان الذي على جانب الرقبة، أو الشريان الذي في نهاية ساعد اليد.
* تناغم كهرباء النبضة
وللإجابة عن السؤال الثاني المتقدم الذكر، يحتاج التناغم في تكوين النبضة الواحدة توفر ثلاثة عناصر رئيسية:
- الأول: أن يكون هناك مصدر واحد ودائم في القلب، ينشأ منه التيار الكهربائي، الذي بسريانه تحصل انقباضات الحجرات الأربع للقلب.
والثاني: أن يسري التيار الكهربائي في الطرق الطبيعية المحددة داخل تراكيب القلب، كي ينتشر أولاً في الأذينين لينقبضا، ثم بعد تأخير طفيف في العقدة الأذينية البطينية، يسري بسرعة عالية في أرجاء البطينين لينقبضا، أي بعد فراغ الأذينين من عملية الانقباض، ثم يتلاشى التيار الكهربائي لتبدأ دورة كهربائية جديدة، لنبضة جديدة، مصدرها دائماً هي العقدة الأذينية الجيبية في الأذين الأيمن.
- والثالث: هو أن يتم تتابع وتكرار حصول هذه العمليات الكهربائية كلها، وفق سرعة طبيعية تلبي احتياجات الجسم للتزود بالدم، وتلبي قدرات عضلات الحجرات القلبية، كي تتمكن من أداء عملها المتواصل براحة واعتدال، ووفق ما يتم تزويدها به من الدم المحمل بالأكسجين والعناصر الغذائية الأخرى، من خلال شبكة الشرايين التاجية للقلب نفسه. أي بمعدل يتراوح ما بين 60 إلى 100 نبضة في الدقيقة الواحدة.
* فئات بطء النبض
ويتم تصنيف حالات «بطء سرعة نبض القلب» إلى ثلاث فئات، وهي:
* الفئة الأولي: اضطرابات في عمل العقدة الجيبية الأذينية، أي اضطرابات في المصدر الطبيعي لإنتاج التيار الكهربائي الذي يحفز انقباض حجرات القلب المختلفة.
> الفئة الثانية: اضطرابات في مرور التيار الكهربائي من خلال منطقة العقدة الأذينية البطينية، أي المنطقة التي يعبر من خلالها التيار الكهربائي من الأذينين إلى البطينين.
* الفئة الثالثة: اضطرابات التوصيل الكهربائي (Conduction Disorders)، للتيار الذي يسري وينتشر داخل الكتلة العضلية الأكبر في البطينين الأيمن والأيسر.
وعليه، فإن بطء سرعة نبض القلب في الدقيقة، قد ينجم عن خلل في أحد هذه العناصر الثلاثة. والخلل في أحد هذه العناصر الثلاثة قد يكون بسبب واحد من عدة اضطرابات مرضية محتملة في أحد تراكيب المنظومة الكهربائية القلبية، أو نتيجة لتأثر أحد هذه العناصر الثلاثة بعوامل مؤثرة مصدرها خارج القلب. ولذا تتعدد الأسباب المحتملة لبطء نبض القلب، والتي من بين أهمها:
> تلف أنسجة القلب ذات الصلة، إما بالتقدم في العمر، أو أحد أمراض القلب، أو نوبة الجلطة القلبية.
> عيوب بنية القلب الموجودة عند الولادة (العيوب الخلقية في القلب).
> التهاب عضلة القلب.
> أحد مضاعفات جراحة القلب.
> كسل وضعف الغدة الدرقية.
> اختلال العناصر الكيميائية في الدم، مثل البوتاسيوم أو الكالسيوم.
> حالات انقطاع النفس المتكرر أثناء النوم.
- تناول أنواع من الأدوية، كبعض الأدوية الخاصة بمعالجة الاضطرابات الأخرى في نبض القلب، أو ارتفاع ضغط الدم.