مشروع لرسم أول خريطة وراثية للمجتمع السعودي

يستهدف تقليل تكلفة الرّعاية الصّحية للمصابين بأمراض وراثية

مشروع الجينوم البشري السّعودي تمكّن من الكشف عن 5 آلاف مرض وراثي في المجتمع
مشروع الجينوم البشري السّعودي تمكّن من الكشف عن 5 آلاف مرض وراثي في المجتمع
TT

مشروع لرسم أول خريطة وراثية للمجتمع السعودي

مشروع الجينوم البشري السّعودي تمكّن من الكشف عن 5 آلاف مرض وراثي في المجتمع
مشروع الجينوم البشري السّعودي تمكّن من الكشف عن 5 آلاف مرض وراثي في المجتمع

يسابق علماء سعوديون الزّمن لإتمام مراحل مشروع الجينوم البشري السعودي، الذي دشن مختبره المركزي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد مطلع الشّهر الجاري. ومشروع الجينوم البشري السّعودي الذي يسعى لمعرفة التسلسل القاعدي للمجتمع السّعودي وتوثيق أول خريطة وراثية له، تمكّن من الكشف عن 5 آلاف مرض وراثي في المجتمع بناء على فحص أكثر من 35 ألف عينة من السّعوديين المصابين بأمراض وراثية. ومن المقدر أن يُقلّل هذا المشروع تكلفة الرّعاية الصّحية للمصابين بالأمراض الوراثية في البلاد من 6.4 مليار ريال (1.7 مليار دولار) سنوياً إلى 3.84 مليار ريال (مليار دولار) سنوياً، أي بنحو 60 في المائة.
وأوضح الدكتور سلطان السديري المشرف العام على مشروع الجينوم البشري السعودي، أنّ للمشروع خطة زمنية وأهدافا محددة، منها ما يمكن نقله وتوطينه في مجال الرّعاية الصّحية بصورة تلقائية وسريعة مثل الاختبارات التشخيصية، واختبارات المسح الجيني الوطني، ومنها ما يشكّل أساساً للتّطوير البحثي. وأضاف السديري لـ«الشرق الأوسط»، أنه بالإمكان القول إنّ البنية الأساسية لأبحاث التعديل الجيني في المملكة موجودة في قاعدة بيانات المشروع لاستخدام أي باحث يرغب في دراستها، لكن في الحقيقة لا تزال أبحاث التعديل الجيني في العالم كله في بداياتها ونحتاج مزيداً من الأبحاث والدراسات للتّأكد من فعاليتها بالصورة المطلوبة ومن دون أي آثار جانبية.
ولفت إلى أنّ التعرف على الموروثات المسببة لأي مرض وراثي عن طريق اختبارات بسيطة مثل مسحة من الفم أو قطرة دم خطوة سريعة تسهم في اختيار طريقة العلاج التي تتناسب مع المريض، ففي الأمراض الاستقلابية (أمراض الأيض) التعرف على الموروثة من خلال اختبار مسح وراثي للطّفل فور ولادته يتيح للطبيب تعديل الخطة الغذائية للمولود وتفادي أي تفاعلات غير مرغوب فيها تنتج من عدم معرفة التشخيص الدقيق أو التأخر في التشخيص.
وبيّن أنّ البرنامج بدأ أواخر عام 2013 وخلال عام 2016 جرى إنهاء أحد المشاريع المهمة وهو مشروع التحليل الجيني للأمراض الوراثية في المجتمع (مشروع المندليوم السعودي) حيث تمّ من خلاله التوصيف الوراثي لأكثر من ثلاثة آلاف مريض سعودي شكلت قاعدة بيانات بأهم الطّفرات المنتشرة في البلاد باستخدام شرائح مسح جيني دقيقة.
وأشار إلى أنّ نقل هذه الاختبارات إلى المختبرات التشخيصية، هدف تسعى له مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مضيفاً أنّ المخرجات العلمية تتمثّل في 90 بحثا علميا لأكثر من 120 باحثا وطبيبا، وتوفير قاعدة بيانات وراثية تشمل معلومات لأكثر من 45 ألف حالة، ولا يزال العمل مستمراً.
وتطرق السديري إلى أنّ النّظر سيعاد في برنامج فحص ما قبل الزّواج الحالي. وقال: «برامج المسح الوراثي تتغير طريقتها وأهدافها مع التغيير النوعي في التقنية والمتطلبات، والفحص الحالي يشمل مورثات خاصة بأمراض لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة»، لافتاً إلى أنّ «من مخرجات مشروع الجينوم البشري شريحة يمكنها فحص 384 شخصا لنحو 40 ألف متغيرة وراثية مصممة لاختبارات المسح الوراثي (فحص ما قبل الزواج)». ووفقا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» فإنّه جرى خلال مشروع الجينوم البشري السّعودي حتى الآن دراسة 35 ألف عينة مريض تم جمعها من 26 مركزاً صحياً من مختلف أنحاء المملكة وفك شفرتها الوراثية، والكشف عن 14 ألف متغيّر وراثي مسبب للأمراض الوراثية. ويعتبر ظهور هذه التغيرات الوراثية في المجتمع السّعودي سببا رئيسيا في ارتفاع نسبة الاضطرابات الوراثية في بعض المواليد.
وعلى صعيد الكوادر البشرية والأبحاث العلمية، نجح المشروع في توطين وتطوير مختلف تقنيات الكشف الوراثي، إذ تم تأهيل وتوظيف 30 عالماً سعودياً (16 امرأة و14 رجلا)، فضلاً عن تدريب 20 باحثاً مختصاً في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية و120 في باقي مراكز البحث الفرعية المتعاونة منذ انطلاق المشروع حتى الآن.
وحسب القائمين على المشروع، فإنّه سيتم من خلال المشروع تغطية 100 ألف مواطن في مختلف مناطق المملكة للتّعرف على التسلسل القاعدي للمجتمع السّعودي وتوثيق أول خريطة وراثية له، فضلاً عن تطوير منظومة معلوماتية تفاعلية متكاملة تسهم في الحد من انتشار الأمراض الوراثية الشّائعة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».