اللبنانيون يحتفلون بـ«عيد الاستقلال» في أجواء وطنية حماسية

يحملون العلم اللبناني على إحدى القمم الجبلية احتفاء بعيد الاستقلال
يحملون العلم اللبناني على إحدى القمم الجبلية احتفاء بعيد الاستقلال
TT

اللبنانيون يحتفلون بـ«عيد الاستقلال» في أجواء وطنية حماسية

يحملون العلم اللبناني على إحدى القمم الجبلية احتفاء بعيد الاستقلال
يحملون العلم اللبناني على إحدى القمم الجبلية احتفاء بعيد الاستقلال

لم تمر مناسبة الاحتفال بالعيد الـ75 للاستقلال مرور الكرام على اللبنانيين الذين اتّخذوا منها عنواناً يرافقهم في إيقاع حياتهم اليومية. ففي يوبيله الماسي آثروا إدخاله في كل شاردة وواردة من يومياتهم، حيث ترجموه في استعراضات ونشاطات مختلفة طاولت أزياءهم ورنات أجهزتهم المحمولة وسياراتهم حتى تحيات بعضهم بعضاً، وكل ذلك في أجواء وطنية حماسية.
هذه المناسبة التي تتوج اليوم بعرض عسكري يحضره رؤساء الدّولة اللبنانية الثلاث في جادة شفيق الوزان وسط بيروت تنقله محطات التلفزة كافة، رافقته عروض بصرية أقيمت في مختلف المناطق اللبنانية، وبدءاً من أوائل الأسبوع الحالي شهدت مدن وبلدات لبنانية نشاطات موسيقية وأخرى بيئية ورياضية. فبلدة بعقلين الشوفية نظّمت عرض خيول بحضور أبناء عدد من شهداء الجيش في نادي رامي للفروسية، فيما جرى في بلدة الضنية نشاط كشفي مع فرق موسيقية تخلله إطلاق بالونات ملونة في سماء البلدة.
ومن منطقة فرن الشّباك، تحديداً من مجمع بيال للمعارض، أُطلقت عشرات المناطيد الهوائية تحية للعيد من أبناء المنطقة للجيش اللبناني. فتلألأت بها أجواء العاصمة اللبنانية، ووقف مئات من اللبنانيين يتفرجون على هذه المشهدية البصرية التي تقام لأول مرة في هذه المناسبة. والأمر نفسه اتبعته بلدية زغرتا في شمال لبنان، حيث أطلق 300 منطاد مضاء من على سطح السراي في البلدة عشية العيد. أمّا مدينة طرابلس عاصمة الشّمال فعمدت إلى الاحتفال بـ«عيد الاستقلال الـ75» من خلال عرض أفلام وصور على شاشات مائية في البحر. وكذلك نظّمت حفلة غنائية بعنوان «لبنان يا قطعة سما» على مسرح مركز الصفدي الثقافي، أحياه فريق الفرسان الأربعة المعروف بأغانيه الوطنية الحماسية. وكما في طرابلس، الأمر في ميناء مدينة جبيل وقاعدة جونيه البحرية - بيروت، ومقابل مجمع «Riviera» في منطقة الرملة البيضاء، ارتسمت صور العلم اللبناني وأرزة لبنان بإضاءة مميزة على سطح البحر. ووقف صيادو الأسماك في ميناء مدينتي صيدا وصور ينشدون النّشيد الوطني اللبناني احتفالاً بالمناسبة.
وفي الإطار نفسه وتحت شعار «75 تحية ماسية وبعد» احتفلت بلدية صيدا بالعيد بإطلاق فعاليات أنشطة وبرنامج احتفالات عيد الاستقلال الماسي التي تنظمها محافظة لبنان الجنوبي. وافتتحت الاحتفالات مساء أمس، بمعرض تحت سطح الماء للوحات ورسوم عن عيد الاستقلال في حديقة صيدون المائية، شارك فيه نحو 50 غطّاساً محترفاً من لبنان وعدد من الدول الأجنبية. ونظّمت المدارس احتفالات في المناسبة، جامعة نشاطاتها هذه مع مناسبة أخرى عزيزة على قلوب اللبنانيين «عيد العلم»، الذي يسبق موعد عيد الاستقلال بيوم واحد. فحمل الطّلاب كما الأساتذة في مدارس خاصة ورسمية وفي صفوف الحضانة العلم اللبناني، وهم يتلون النشيد الوطني اللبناني. وآثرت بعض الأمهات في المناسبة شراء أزياء الاستقلال المؤلفة من شلحة العلم والطربوش الأحمر ومن قمصان قطنية تتوسطها الأرزة الخضراء ليرتديها أولادهم في هذا العيد وهم يلتقطون لهم صوراً تذكارية يحتفظون بها.
وفي هذا اليوم، انتشرت نغمات موسيقى النشيد الوطني اللبناني على الأجهزة المحمولة حيث تطالع المتصل منذ اللحظات الأولى للاتصال طيلة هذا اليوم. وفيما غطى عدد من اللبنانيين سياراتهم بالعلم اللبناني احتفاء، رسمت نسبة أخرى من اللبنانيين ألوان العلم اللبناني على المباني والشّرفات التي ارتدت بدورها حلّة العيد. وشهدت في المناسبة وزارة الدفاع في منطقة اليرزة وصول شعلة الاستقلال إلى دارتها لتستقر أمام تمثال الأمير فخر الدّين عند مدخلها في حفل نقلته بعض محطات التلفزة مباشرة. وفي المناسبة أيضا عزفت الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج وبالاشتراك مع كورال أطفال دار الأيتام الإسلامية في السّراي الحكومي، مقاطع لأغان وطنية لإيلي شويري وفيروز والرّاحلين زكي ناصيف وصباح وغيرهم. وفي منطقة القنطاري بالتحديد في جامعة «هايكازيان» أقامت جمعية التراث (The Heritage) بالتعاون مع اليونسكو ونادي الطّلاب الفنّي في الجامعة، ولمناسبة العيد، احتفالاً موسيقياً تبعه معرض خاص بالاستقلال من تنفيذ طلاب المدارس. وفي الأجواء نفسها وبدعوة من قائد الجيش العماد جوزيف عون وبرعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقام مساء اليوم على مسرح «كازينو لبنان» ريسيتال غنائي تحييه فرقة «ميوزيك هول» بيروت.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».