«الشرق الأوسط» في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» (2) : نظرة فاحصة على أميركا الثلاثينات في افتتاح مهرجان القاهرة الـ 40

فيلم {كتاب أخضر} يتتبع رحلة عازف أسود وسائقه الأبيض

ماهرشالا ألي وفيغو مورتنسن يتشاركان في رحلة طريق في «كتاب أخضر»
ماهرشالا ألي وفيغو مورتنسن يتشاركان في رحلة طريق في «كتاب أخضر»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» (2) : نظرة فاحصة على أميركا الثلاثينات في افتتاح مهرجان القاهرة الـ 40

ماهرشالا ألي وفيغو مورتنسن يتشاركان في رحلة طريق في «كتاب أخضر»
ماهرشالا ألي وفيغو مورتنسن يتشاركان في رحلة طريق في «كتاب أخضر»

فيلم افتتاح مهرجان القاهرة في دورته الأربعين، هو «كتاب أخضر». لا ليس اقتباساً أو إبحاراً في كتاب قام زعيم عربي راحل بوضعه، بل كناية عن حكاية شارك بوضعها المخرج بيتر فارلي حول عازف بيانو أفرو - أميركي في الثلاثينات من القرن الماضي وسائقه الأبيض الذي يجوب به الجنوب الأميركي المليء، بما يكفي، من مشاعر الضغينة والعنصرية.
المقصود بالكتاب الأخضر في «كتاب أخضر» هو كتاب كان قيد التداول في تلك الفترة عنوانه «The Negro Motorist Green Book» (كتاب غرين لسائقي المركبات الزنوج) لمؤلفه فيكتور غرين، كان يحتوي على المطاعم والفنادق والحانات التي يستطيع بها المسافرون السود أمّها من دون مشكلات في ذلك الجنوب كونها تستقبل (عوض أن تستثني) هؤلاء المسافرين.

- ثري ومثقف ولونه أسود
وهناك عادة شبه راسخة في الأفلام التي تحتوي على اثنين متناقضين جنساً أو عنصراً أو طبقة اجتماعية أو ثقافية. هذه العادة تقوم على نص يخدم الطرفين على نحو ما. فلدى كل طرف ما يمكن للطرف الآخر الاستفادة منه. بذلك نرى في هذه السيناريوهات خطاً تقليدياً، فالولد الصغير قد يعلّم الرجل الناضج بعض الحقائق ويتعلم منه أيضاً. الفتاة والشاب من طبقتين مختلفتين تتبادلان ثقافة الحياة، والفقير والثري يتبادلان مواقعهما في صلح دائم. كذلك تتحوّل العداوة بين شخصين؛ أحدهما أسود والآخر أبيض، إلى صداقة لأن كلاً منهما لديه ما يحتاجه الآخر.
فيلم بيتر فارلي (اشتغل مع أخيه بوبي في عدد من الكوميديات من قبل أشهرها «Dumb and Dumber») لا يخرج عن هذه التيمة. فالشّخصان المعنيان هما على تناقض واضح:
العازف المعروف اسمه د. دون شيرلي (يقوم به ماهرشالا ألي) يطلب سائقاً لسيارته الفاخرة التي ستجوب المدن الجنوبية لإقامة بعض الحفلات الموسيقية. إنه ثري ومثقف ولونه أسود. السائق المتقدم للمهمّة اسمه توني لِب (فيغو مورتنسن) وهو إيطالي الأصل، من طبقة فقيرة وبلا ثقافة ولونه أبيض.
كل ما نراه على الشاشة مستخرج من هذا التناقض ومثل الطرق التي توالي السيارة الانتقال عليها لا بد أن تصل إلى غايتها في إذابة تلك الفروقات بين الاثنين وإيجاد صلح مثالي يتجاوز الطّبقة الاقتصادية والمستوى الثّقافي ولون البشرة.
إنّها غايات لا يمكن إلّا القبول بها كونها، مع بعض النقاش، نموذجية. ومثل «قيادة مس دايزي»، الذي أخرجه بروس بيرسفورد سنة 1989 من بطولة مورغان فريمان وجسيكا تاندي، فإنّ الأرضية تتوسط المسافة بين الفريقين.
«قيادة مس دايزي» جاء عكس الصورة الحالية: السائق هو الأسود وصاحبة السيارة هي امرأة ولون بشرتها أبيض. هو سائق محدود الدّخل يقبل مهمّة العمل لدى ثرية منزوية في عالمها المتوارث. ليس هذا فقط، بل هي يهودية والسائق مسيحي وإن لم يكن ممارساً شغوفاً.
ما تبادله الاثنان في ذلك الفيلم كان أيضاً قدرة كل منهما على إفادة الآخر وجعله، من دون قصد، أقرب إليه. التناقض يذوب بالتّدريج والتّقدير يرتفع سريعاً. هذا الوضع ذاته الذي شاهدناه أخيراً في فيلم ستيفن فريرز «فيكتوريا وعبدل» الذي تقع أحداثه في مطلع القرن الماضي عندما عيّنت الملكة فيكتوريا (جودي دنش) وصيفاً من الهند اسمه عبد الكريم (علي فضل) وتبادلت وإياه منافع ثقافية وغذائية. منحته المكانة الخاصة التي ألّبت عليها أهل القصر الآخرين، ومنحها هو مزيجاً من الثقافة الهندية المتنوعة، حتى إن خالطها قدر من استغلال النّفوذ.

- ثقافة التّصالح
«كتاب أخضر» إذ يمشي على خطى «قيادة مس دايزي» إنّما بصورة أوضح قد تتبدّى للمشاهد مقحمة إلى حد ما. لقد جعل السيناريو من العازف الأفرو - أميركي نموذجاً من غير المحتمل أن يكون له نموذج فعلي في تلك الفترة وفي ذلك المكان العابق بالكراهية: دون شيرلي ليس مثقفاً فقط بل يجيد اللغة الروسية. ليس ثرياً فقط بل يعيش أرستقراطياً. وهو ليس مشهوراً فحسب، بل لديه قاعدة من المعجبين المختلطين.
توني، في المقابل، هو معدوم الثّقافة، شعبي السّلوك وكان يعمل حارساً شخصياً ورجل قوّة يُستعان به حين الحاجة لإجبار أحدهم على دفع خوّة أو لضرب شخص كان تصدّى لطرف آخر. شيء مثل صورة الملاكم العاطل عن العمل روكي بالباو في الفيلم الأول من سلسلة «روكي» كما أداه سلفستر ستالون.
يضيف الفيلم بعض الإيحاءات الشّخصية الأخرى؛ توني متزوّج ولديه ولدان، ودون عازب وقد يفضل ذلك لأن هناك إيحاء يرسمه السيناريو ولا يتداوله بأنّه مثلي الهوى.
سيقود الفيلم هذا التّناقض على نحو مثير للمتابعة والاهتمام، لكنّه بلا بطانة فنية كبيرة. فيه يسر السرد ورقة المعالجة، لكنّه بلا منهج للرقي به فنياً إلى مستوى يتحدّى فيه المخرج مشاهديه على هذا الصّعيد أيضاً وليس فقط على صعيد حكايته.
هذه الحكاية تبقى تقليدية في أفضل حالاتها مع ميزة أنّها حميمية وجادة في طلب نشر ثقافة التّصالح في هذا الوقت العصيب داخل أميركا وخارجها. سيتابع المشاهد هنا خطاً درامياً (مع معالجة كوميدية خفيفة) لهذين الرّجلين المتباعدين على ما ذكرته من خصائص متكلاً بادئ الأمر، على تناقضاتهما ولاحقاً على فرص تأثير كل منهما في الآخر، ولاحقاً كيف سيندفع توني للدفاع عن دون عند الحاجة، عندما يقرّر مدير أحد المطاعم عدم استقبال «زنجي» في مطعمه. هذا المشهد يثير مَن ما زال يبحث عن مشاهد من هذا النوع الذي يستخدم فيه توني براعته في التّعنيف لفرض ما يريد فرضه.
في الواقع معظم الملامح الكوميدية تأتي من خلال مثل هذه المشاهد التي يؤديها فيغو مورتنسن جيداً. إنّه ما زال يمثل دوره بما يملكه من موهبة لا تتنازل، لكنّه في الوقت ذاته من يتوقع منه المشاهد تمرير كل الرسالات المذكورة من خلال أفعاله وانفعالاته.
ما ينجزه الفيلم في سياقه أيضاً هو ملامسة العنصرية، ليس ككائن وحشي مضى عندما انطوت الثلاثينات والأربعينات، بل يترك طعماً مرّاً اليوم كوننا نعرف جيداً أنّ ما كان ماثلاً آنذاك ما زال ماثلاً اليوم ربما تحت رماد كثيف.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.