من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء
TT

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

أُدرك اليوم ونحن نقترب من نهاية عام ميلادي ومولد عام جديد أننا تناولنا التاريخ على مدار السنوات الماضية بوصفه مصدرا للإلهام أو العظة أو التجربة، وقليلا ما سعينا للنظر لهذا التاريخ الإنساني على أنه قد يكون مصدرا للترفيه الإنساني؛ أَوَليس التاريخ انعكاسا لتجارب البشر، التي منها الطريف والترفيهي أيضا؟ فالإنسان هو الإنسان بكل ما له وما عليه، ولا يتغير عبر الزمن، وقد رأيت أن أخصص اليوم مقالا مختلفا بعض الشيء، فنغوص في بعض الحقائق الخفيفة على القلب لتعيد إلينا ابتسامة ولو خافتة ونحن على أعتاب العام الجديد، خاصة أن المواطن العربي من المحيط للخليج يحتاج لهذه الاستراحة الفكرية بعد إصابة وجدانه السياسي ببعض القرح.. ومن هنا نبرز هذه الحقائق الثلاث:
أولا: إن قاعدة النصب والاحتيال ليست مقصورة على طبقة بعينها، فالنصب صنعة قد يقوم بها الشخص حتى مع الملوك والرؤساء والذين يقعون ضحية لها حتى من أقرب الناس إليهم، ولكنني أعتقد أن أعظم عمليات الاحتيال السياسي على القيادة هي المحفورة باسم «غريغوري بوتيمكين Potemkin رئيس وزراء «كاترينا الكبرى» إمبراطورة روسيا، فبعدما استولت روسيا على ممتلكات واسعة من الدولة العثمانية، سعى الرجل لإقناع الإمبراطورة بنجاح سياسته الاستعمارية والهادفة لاستعمار هذه الأراضي، فما كان منه إلا أن دعا الإمبراطورة لرحلة نهرية لتشاهد بنفسها من المركب عملية الاستيطان، وكانت حيلته مكونة من مجموعة من القرى المتحركة التي كانت تحتل المناطق التي تمر من أمامها سفينة الإمبراطورة، حيث يقوم المواطنون الروس بالتلويح للإمبراطورة وإطلاق صيحات السعادة والحب والترحيب لها، وفي المساء يجري فك القرى سريعا ونقلها إلى المناطق التي من المقرر أن تمر أمامها السفينة في اليوم التالي، وهكذا تقتنع الإمبراطورة بأن الأرض قد عُمرت، وأن الناس يدعون لها ويهللون لها بالرخاء والسعادة، وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا مأجورين من قبل رئيس الوزراء. وقد كان السفراء الأجانب يبدون إعجابهم الشديد بعظمة بوتيمكين الذي استطاع أن يضع سياسة استعمارية واستيطانية ناجحة كل هذا النجاح، مما جعل الناس تطلق على من يسعون لخديعة القيادة السياسة، مصطلح «مدن بوتيمكين» أو «سرابات بوتيمكين». وعلى ما يبدو، فإن «كاترينا الكبرى» كانت تتشكك في أكاذيب رئيس وزرائها في الصباح، ولكنها تنساها وهي في أحضانه في المساء، فلقد كان الرجل عشيقها، وهو ما سمح له بأن يمر بهذه الخديعة بلا مساءلة.
ثانيا: وبعيدا عن السياسة، فإنه ما من شك في أن الفرنسيين كانوا مصدرا للإلهام الثقافي، ولو سألت عن مصدر هذا الثراء لأرجعه كثير من الفرنسيين إلى أن لديهم مجموعة من الفلاسفة والمفكرين والأدباء أكثر من أي دولة أخرى، ولكن كثيرين منا ينسون أن فرنسا تقود العالم في صناعة الأزياء، وهذا ليس بجديد، بل يمكن إرجاع ذلك إلى عهد الملك لويس الرابع عشر أعظم ملوك فرنسا وأكثرهم هيلمانا، مما جعل فرنسا منارة الأزياء، ولكن هذا ليس بالضرورة صحيحا في كل المناسبات، فنحن جميعا نلبس رابطة العنق والاسم الدارج لها هو «كرافتة»، ويعتقد أغلبنا أنها بدعة فرنسية، ولكن بعض المصادر التاريخية تشير إلى غير ذلك، فهي بدعة كرواتية الأصل دخلت البلاط الملكي في عهد لويس الرابع عشر من خلال أحد التجار الكروات المتعاملين مع القصر، ويقال إن الملك عندما رأي الرابطة أعجبته فاستفسر عنها وبدأ يرتديها، فتبعته في ذلك كل الحاشية والأرستقراطيين، فأصبحت بعد ذلك جزءا من اللبس المتحضر، وحقيقة الأمر أنها لم تكن على شكلها الحالي، بل كانت تغطي أغلبية القفص الصدري من خلال كرانيش مختلفة، لأن الجاكيت كان مفتوحا وليس مغلقا مثل اليوم.
وعلى أي حال، فإن هذه البدعة سرعان ما بدأت تتطور تحت اسم «الكرافاتة» اشتقاقا من كلمة «كرواتيا»، مما جعل أحد المؤرخين يداعبنا فيؤكد أنها «الوسيلة التي من خلالها تقوم دولة صغيرة مثل كرواتيا بوضعنا جميعا في أغلال الأعناق»، ولكننا يجب أن نشكر الإخوة الفرنسيين لتطويرها من شكلها البدائي، وإلا صرنا اليوم مرتدين ما يشبه مفارش السفرة المصغرة ذات الكرانيش.
ثالثا: كثيرا ما يعاني شخص من اسمه، فالاسم ليس خيارا لنا، وتسمية الذرية كانت ضمن أمور كثيرة شغلت المجتمعات المختلفة، ولكن الرأي استقر اليوم على أن ينسب الإنسان لأبيه ومن بعده لجده أو للقب الأسرة الذي إما يأتي كناية عن مدينة أو وظيفة.. إلخ، ولكن بعض الدول تضع اسما إضافيا تعطفه على اللقب أو الجد، وهو أمر شائع تاريخيا في إسبانيا، وجرى نقله من خلال الاحتلال إلى كثير من الدول اللاتينية، وهو لقب الأم ليكتمل النسب عندهم.
وأيا كانت الرؤيا، فإن أغرب أنظمة التسمية على الإطلاق كانت في تقديري للنظام الروماني، فهناك 12 اسما يجري الاختيار منها مثل «جايوس» أو «تايتوس» أو «ماركوس».. إلخ، ونظرا لأنها 12 اسما فقط، فإنه يجري اختصار كل واحد فيها بالحرف الأول ليوضع قبل الكلمة فيعرف الجميع الاسم المقصود، أما الاسم الثاني فكان نسبة إلى العشيرة التي ينتمي إليها، والاسم الأخير كان اسم الأسرة ذاتها، فمثلا «يوليوس قيصر» كان اسمه «جايوس» من عشيرة «يوليي» والاسم الأخير لأسرة قيصر، وفي حالة تشابه الأسماء مثلا، يجري وضع تعريف في نهاية كل اسم يميز صاحبه، مثل «الكبير» أو «الصغير» أو «الأفريقي». أما النساء الرومانيات، فنظرا لوضعيتهن الاجتماعية المتدنية نسبيا عند الرومان، فإنهن كنّ يُنسبن لآبائهن من خلال تأنيث لقبها، فيصبح اسم ابنة ماركوس أنطونيوس على سبيل المثال «أنطونيا»، وفي حالته خصيصا، فإن ابنتيه سميتا بالاسم نفسه أيضا دون تمييز بين الكبرى أو الصغرى.
والاختلاف الاسمي جاء أيضا في دول الشرق الأوروبي حيث كانت عملية النسب للأب أو الزوج توضع من خلال تأنيث نهاية اللقب فيعود على المرأة أو الزوجة.
واستنادا إلى الحقائق الثلاث الماضية، يبدو أن الحكم الأساسية التي يجب أن نأخذها منها هي:
الخدعة السياسية يجب ألا تكون مبنية على أكذوبة كبيرة مثل نقل قرى بأكملها كالتي ابتدعها بوتيمكين. كما أننا يجب أن نحمد المولى لمفهوم ارتقاء الأذواق، وإلا كنا جميعا مضطرين للبس ما يشبه المفرش الصغير بدلا من رابطة عنق صغيرة. وأخيرا نحمد الله أن الجيوش العربية قهرت الدولة الرومانية وإلا كانت أسماؤنا اليوم أقل ما توصف به أنها سريالية.. وعام سعيد عليكم جميعا.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».