استراتيجية أميركية جديدة لمحاربة الإرهاب

بين الواقع والتحديات

يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة
يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة
TT

استراتيجية أميركية جديدة لمحاربة الإرهاب

يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة
يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة

في الذكرى السابعة عشرة لاعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة الأميركية، اعتمد الرئيس دونالد ترمب استراتيجية جديدة لمقاومة الإرهاب، وقد تم نشرها في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأطلق عليها البعض مثل كليفورد ماي مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في أميركا «استراتيجية واقعية لعصر من التحديات».
باختصار يمكننا القطع بأن واشنطن منذ أحداث سبتمبر، عاشت حالة من الغضب، وبوصف كثير من القيادات الأميركية فإن واشنطن أعلنت الحرب على الغضب وليس الحرب على الإرهاب، كما أنها استخدمت مطارق ثقيلة جداً من الفولاذ لهش الذباب، فيما الأكثر واقعية في المشهد هو أن أميركا لا تزال تبحث عن العرض، وربما تتناسى بشكل رئيسي المرض، والدوافع والأسباب التي قادت إلى المواجهة على صورتها الحالية.

إرهاب اليوم أكثر انتشاراً
في يوليو (تموز) الماضي استضاف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الجنرال الأميركي مايكل ك. ناغاتا، مدير التخطيط التشغيلي الاستراتيجي في المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، وقد أشار إلى ما قدمته الولايات المتحدة بالتعاون مع عدد كبير من حلفائها وشركائها في جميع أنحاء العالم، من جهود استثنائية، وكيف أنها استثمرت ثروات هائلة في مجال مكافحة الإرهاب بأشكاله المتنوعة، ولكن السؤال الجذري... لماذا أصبح الإرهاب اليوم أكثر انتشاراً بل وتعقيداً مما كان عليه الأمر حين بدأنا؟ يتساءل الجنرال الأميركي ثم لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى علامة استفهام أخرى حيوية بدورها: لماذا أثبت الإرهاب أنه قادر على الصمود والتكيف رغم نجاحاتنا ورغم الضغط والقوة المتواصلين اللذين نستخدمهما نحن والعالم للوقوف في وجهه؟
يضعنا ناغاتا أمام حقائق مثيرة للقلق، جلها بات موجوداً في قاعدة بيانات الإرهاب العالمية، التي جمعها برنامج «ستارت» التابع لـ«جامعة ماريلاند» في الولايات المتحدة، وتبين أن الاتجاهات الأساسية للإرهاب رغم الجهود الأميركية الكثيفة، أصبحت مثيرة جداً للقلق، فمنذ عام 2010 ازداد عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب في جميع أنحاء العالم بنسبة تزيد عن 300 في المائة، كما ازداد عدد الهجمات الإرهابية مع ما يقترن بها من ضحايا بنحو 200 في المائة، وبمعزل عن ذلك، فإن السلطات الفيدرالية في الداخل الأميركي والمكلفة إنفاذ القانون، تجري نحو ألف عملية تحقيق متصلة بالإرهاب في الداخل وعبر نحو خمسين ولاية.
ولعل الجزئية الأكثر مدعاة للنظر في المشهد الإرهابي حول العالم اليوم، والتي يلفت إليها الجنرال هي أنه رغم كل النجاحات، لا يزال التطرف المقترن بالعنف، في جميع أشكاله تقريباً، يتمتع بالمرونة أي أنه قادر على الصمود، وعنده أيضاً أن الهجوم على الإرهابيين لا يؤدي في حد ذاته إلى خلق استراتيجية دائمة النجاح في مواجهة الأعمال الإرهابية.

ملامح استراتيجية ترمب
من خلال المسودة الاستراتيجية المكونة من 11 صفحة والتي تشكل الخطوط الأولية لاستراتيجية الرئيس ترمب، نرصد عدداً من الملامح والمعالم يمكننا تلخيصها في نقاط محددة كالتالي:
تنبه الاستراتيجية إلى ضرورة تجنب الولايات المتحدة الوقوع في التزامات عسكرية جديدة، مكلفة ومفتوحة، وعلى القارئ هنا أن يستنبط ما يريد المشرع الأميركي قوله، أي تحاشي الدخول في حرب جديدة، مثل حربي أفغانستان والعراق، واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة.
تلفت الوثيقة كذلك إلى حتمية تكثيف واشنطن لعملياتها ضد الجماعات الراديكالية العالمية، لكن في الوقت نفسه خفض تكاليف «الدماء والثروة الأميركية»، في سعيها لتحقيق أهدافها ضد الإرهاب. ولعل هذه الجزئية بنوع خاص تشير إلى ما قال البعض بأنه تحميل لحلفاء واشنطن حول العالم المزيد من الأعباء اللوجيستية والقتالية، وتعظيم مشاركتهم المالية.
ولعل شئيا من المصارحة والمكاشفة يتجلى واضحاً عبر مطالعة النص الأصلي للاستراتيجية، حيث نجد اعترافاً رسمياً بأن الإرهاب «لا يمكن هزيمته نهائياً بأي شكل من الأشكال»، لا سيما بعد أن تحول الإرهاب على أرض الواقع إلى غول ووحش يهدد أمن العالم كله، وفي مقدمته الولايات المتحدة ذاتها.
تؤكد استراتيجية ترمب على أن الولايات المتحدة لم تتمكن من القضاء على التهديدات الإرهابية بشكل نهائي، معتبرة أن نجاحها في منع هجمات إرهابية على غرار أحداث سبتمبر لا يعني بالضرورة انحسار الإرهاب، لا سيما أن التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة» أو «داعش» ما زالت تشكل تهديداً عابراً للحدود وعبر الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وتشدد أيضاً على فكرة أن خطر التنظيم لم ينته بعد، مؤكدة أن نجاح الضربات العسكرية الأميركية، واستعادة الأراضي التي كان التنظيم يسيطر عليها في العراق وسوريا، لا يعني بالضرورة انتهاء خطره، إذ أن فروعه خارج الشرق الأوسط، ما زالت تمثل التهديد الأكبر والمستمر للولايات المتحدة والعالم كله، كما حددت ثمانية فروع للتنظيم الإرهابي و20 شبكة ما زالت تعمل بانتظام لتنفيذ عمليات إرهابية في أنحاء أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

الجماعات الراديكالية لا الإسلامية
ضمن ملامح ومعالم هذه الحرب الأميركية على الإرهاب، كانت هناك متلازمة دائماً على ألسنة المسؤولين الأميركيين وفي عقولهم، تلك التي ربطت على الدوام بين الإرهاب والإسلام، وجعلت منهم صنوانين لا يفترقان، ومترادفين لا ينفصلان. بدأ المشهد منذ ليلة الحادي عشر من سبتمبر 2001. حين استخدم الرئيس الأميركي وقتها جورج بوش الابن «خطاباً استدعى مفرداته من زمن حروب - الفرنجة كما سماها العرب، أو الحروب الصليبية كما رآها الأوروبيون».
في تلك الليلة كان بوش يقسم العالم إلى قسمين واضحين، الذين معنا والذين علينا أو ضدنا، وكان من الواضح للغاية أن الجانب الآخر هم المسلموون.
منذ ذلك الوقت البغيض أضحى كل مسلم داخل الولايات المتحدة مشروع إرهابي في أفضل الأحوال، إن لم يكن إرهابيا بالمطلق، وقد عمل كثيراً مروجو الإسلاموفوبيا على سكب المزيد من الزيت على النار، لإشعال أوار الخلافات وتعميق هوة الصراعات. واستخدم طويلاً «الإرهاب الإسلامي» كمصطلح يلخص حرب أميركا على المجموعات الإرهابية، وهو خطأ فني وعلمي، نبه إليه الكثير من المفكرين وحتى رجالات الأمن والاستخبارات في صفوف الأميركيين أنفسهم، لكن من غير طائل.
أما المثير هذه المرة في استراتيجية دونالد ترمب الجديدة فهو الاستعاضة عن التعبير الذي كان متلازمة لحملة ترمب في 2016، وهو «الإرهاب الإسلامي المتطرف» بتعبير آخر هو «الجماعات الراديكالية» الساعية إلى خلافة مزعومة.

إيران... واستراتيجية الإرهاب الجديدة
على صعيد متصل، لا بد من إلقاء نظرة عابرة على رؤية الأميركيين اليوم للإرهاب الإيراني، وهي رؤية تبدأ من عند مستشار الأمن القومي جون بولتون أحد صقور «المحافظين الجدد»، والذي اعتبر ولا يزال إيران هي البنك المركزي العالمي للإرهاب، و«البؤرة الصديدية أيضاً للشر حول العالم»، وتمر عبر مايك بومبيو وزير الخارجية الذي لا ينفك يصف إيران بأنها الدولة التي تمثل الراعي الأكبر للإرهاب حول العالم، وصولاً إلى الرئيس ترمب عينه الذي يتهم إيران بأنها أنفقت نحو ستة عشر مليار دولار على تمويل الإرهاب والإرهابيين المتمثلين في وجهة نظره في الأذرع الميليشياوية ووكلاء إيران في المنطقة، وذلك في الفترة ما بين عامي 2012 و2016.
الاستراتيجية الأميركية الجديدة ترى أنه لا بد من قطع الطريق على مليارات الدولارات التي عرفت طريقها لإيران بعد الاتفاق سيئ السمعة عام 2015، تلك التي ذهبت للحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، بجانب حماس في غزة، والتي هي خلفية فكرية بل ولوجيستية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة في مصر.

غياب القوة الناعمة
هل تغيب أدوات القوة الناعمة التي تحدث عنها البروفسور الأميركي «جيمس ناي» في مؤلفه الشهير عن استراتيجية ترمب؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك، سيما وأنه لا توجد تفاصيل عن الآليات التي تسعى واشنطن لتحقيق استراتيجيتها من خلالها، وهنا فإن هناك فارقا واضحا جداً بينها وبين استراتيجية باراك أوباما 2011».
ذلك أن استراتيجية ترمب لا تتناول هذه الجزئيات من قريب أو بعيد، وهي التي كانت في السابق تتبنى برامج لمساعدة الحكومات الأجنبية في سعيها لتقليل المظالم التي تغذي التطرف، وقد لفتت هذه الإشكالية انتباه بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الذي علق بالقول: «للقوة الناعمة دور تلعبه لكن ليس باستبعاد القوة المحركة، أو العمل العسكري، والذي وصف مسودة الاستراتيجية بأنها تصوير رصين جداً للتهديد وما يلزم لمواجهته الآن وفي المستقبل القريب».
ثم يمكن التساؤل هل رؤية الجنرال ناغاتا التي أشرنا إليها من قبل هي الأصوب في بعض نقاطها من استراتيجية ترمب؟
يطالب الجنرال الأميركي بأن تصبح الولايات المتحدة الأميركية الأكثر فاعلية في اعتراض الأيديولوجيات الإرهابية، لا سيما في مجال تقديم بدائل أكثر جاذبية لأفكارها الإرهابية السامة. وفي هذا الإطار لا يجد المرء رجع صدى لهذا الطرح في مقارنة ترمب الخشنة.
جزئية أخرى يلفت إليها ناغاتا، وهي حتمية أن تضحى واشنطن أكثر فاعلية في مساعدة المجتمعات المحلية والأسر على تحديد الأشخاص أو الفئات الأكثر عرضة لتجنيد الإرهابيين وتمكين الجهات الفاعلة المحلية من منع هؤلاء الأفراد أو الجماعات أو إبعادهم عن هذا المسار من خلال تدريبهم على كيفية تلبية احتياجاتهم أو مظالمهم دون اللجوء إلى العنف.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».