استراتيجية أميركية جديدة لمحاربة الإرهاب

بين الواقع والتحديات

يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة
يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة
TT

استراتيجية أميركية جديدة لمحاربة الإرهاب

يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة
يريد المشرع الأميركي تحاشي الدخول في حرب جديدة مثل حربي أفغانستان والعراق واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة

في الذكرى السابعة عشرة لاعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة الأميركية، اعتمد الرئيس دونالد ترمب استراتيجية جديدة لمقاومة الإرهاب، وقد تم نشرها في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأطلق عليها البعض مثل كليفورد ماي مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في أميركا «استراتيجية واقعية لعصر من التحديات».
باختصار يمكننا القطع بأن واشنطن منذ أحداث سبتمبر، عاشت حالة من الغضب، وبوصف كثير من القيادات الأميركية فإن واشنطن أعلنت الحرب على الغضب وليس الحرب على الإرهاب، كما أنها استخدمت مطارق ثقيلة جداً من الفولاذ لهش الذباب، فيما الأكثر واقعية في المشهد هو أن أميركا لا تزال تبحث عن العرض، وربما تتناسى بشكل رئيسي المرض، والدوافع والأسباب التي قادت إلى المواجهة على صورتها الحالية.

إرهاب اليوم أكثر انتشاراً
في يوليو (تموز) الماضي استضاف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الجنرال الأميركي مايكل ك. ناغاتا، مدير التخطيط التشغيلي الاستراتيجي في المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، وقد أشار إلى ما قدمته الولايات المتحدة بالتعاون مع عدد كبير من حلفائها وشركائها في جميع أنحاء العالم، من جهود استثنائية، وكيف أنها استثمرت ثروات هائلة في مجال مكافحة الإرهاب بأشكاله المتنوعة، ولكن السؤال الجذري... لماذا أصبح الإرهاب اليوم أكثر انتشاراً بل وتعقيداً مما كان عليه الأمر حين بدأنا؟ يتساءل الجنرال الأميركي ثم لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى علامة استفهام أخرى حيوية بدورها: لماذا أثبت الإرهاب أنه قادر على الصمود والتكيف رغم نجاحاتنا ورغم الضغط والقوة المتواصلين اللذين نستخدمهما نحن والعالم للوقوف في وجهه؟
يضعنا ناغاتا أمام حقائق مثيرة للقلق، جلها بات موجوداً في قاعدة بيانات الإرهاب العالمية، التي جمعها برنامج «ستارت» التابع لـ«جامعة ماريلاند» في الولايات المتحدة، وتبين أن الاتجاهات الأساسية للإرهاب رغم الجهود الأميركية الكثيفة، أصبحت مثيرة جداً للقلق، فمنذ عام 2010 ازداد عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب في جميع أنحاء العالم بنسبة تزيد عن 300 في المائة، كما ازداد عدد الهجمات الإرهابية مع ما يقترن بها من ضحايا بنحو 200 في المائة، وبمعزل عن ذلك، فإن السلطات الفيدرالية في الداخل الأميركي والمكلفة إنفاذ القانون، تجري نحو ألف عملية تحقيق متصلة بالإرهاب في الداخل وعبر نحو خمسين ولاية.
ولعل الجزئية الأكثر مدعاة للنظر في المشهد الإرهابي حول العالم اليوم، والتي يلفت إليها الجنرال هي أنه رغم كل النجاحات، لا يزال التطرف المقترن بالعنف، في جميع أشكاله تقريباً، يتمتع بالمرونة أي أنه قادر على الصمود، وعنده أيضاً أن الهجوم على الإرهابيين لا يؤدي في حد ذاته إلى خلق استراتيجية دائمة النجاح في مواجهة الأعمال الإرهابية.

ملامح استراتيجية ترمب
من خلال المسودة الاستراتيجية المكونة من 11 صفحة والتي تشكل الخطوط الأولية لاستراتيجية الرئيس ترمب، نرصد عدداً من الملامح والمعالم يمكننا تلخيصها في نقاط محددة كالتالي:
تنبه الاستراتيجية إلى ضرورة تجنب الولايات المتحدة الوقوع في التزامات عسكرية جديدة، مكلفة ومفتوحة، وعلى القارئ هنا أن يستنبط ما يريد المشرع الأميركي قوله، أي تحاشي الدخول في حرب جديدة، مثل حربي أفغانستان والعراق، واللتين تعاني منهما واشنطن حتى الساعة.
تلفت الوثيقة كذلك إلى حتمية تكثيف واشنطن لعملياتها ضد الجماعات الراديكالية العالمية، لكن في الوقت نفسه خفض تكاليف «الدماء والثروة الأميركية»، في سعيها لتحقيق أهدافها ضد الإرهاب. ولعل هذه الجزئية بنوع خاص تشير إلى ما قال البعض بأنه تحميل لحلفاء واشنطن حول العالم المزيد من الأعباء اللوجيستية والقتالية، وتعظيم مشاركتهم المالية.
ولعل شئيا من المصارحة والمكاشفة يتجلى واضحاً عبر مطالعة النص الأصلي للاستراتيجية، حيث نجد اعترافاً رسمياً بأن الإرهاب «لا يمكن هزيمته نهائياً بأي شكل من الأشكال»، لا سيما بعد أن تحول الإرهاب على أرض الواقع إلى غول ووحش يهدد أمن العالم كله، وفي مقدمته الولايات المتحدة ذاتها.
تؤكد استراتيجية ترمب على أن الولايات المتحدة لم تتمكن من القضاء على التهديدات الإرهابية بشكل نهائي، معتبرة أن نجاحها في منع هجمات إرهابية على غرار أحداث سبتمبر لا يعني بالضرورة انحسار الإرهاب، لا سيما أن التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة» أو «داعش» ما زالت تشكل تهديداً عابراً للحدود وعبر الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وتشدد أيضاً على فكرة أن خطر التنظيم لم ينته بعد، مؤكدة أن نجاح الضربات العسكرية الأميركية، واستعادة الأراضي التي كان التنظيم يسيطر عليها في العراق وسوريا، لا يعني بالضرورة انتهاء خطره، إذ أن فروعه خارج الشرق الأوسط، ما زالت تمثل التهديد الأكبر والمستمر للولايات المتحدة والعالم كله، كما حددت ثمانية فروع للتنظيم الإرهابي و20 شبكة ما زالت تعمل بانتظام لتنفيذ عمليات إرهابية في أنحاء أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

الجماعات الراديكالية لا الإسلامية
ضمن ملامح ومعالم هذه الحرب الأميركية على الإرهاب، كانت هناك متلازمة دائماً على ألسنة المسؤولين الأميركيين وفي عقولهم، تلك التي ربطت على الدوام بين الإرهاب والإسلام، وجعلت منهم صنوانين لا يفترقان، ومترادفين لا ينفصلان. بدأ المشهد منذ ليلة الحادي عشر من سبتمبر 2001. حين استخدم الرئيس الأميركي وقتها جورج بوش الابن «خطاباً استدعى مفرداته من زمن حروب - الفرنجة كما سماها العرب، أو الحروب الصليبية كما رآها الأوروبيون».
في تلك الليلة كان بوش يقسم العالم إلى قسمين واضحين، الذين معنا والذين علينا أو ضدنا، وكان من الواضح للغاية أن الجانب الآخر هم المسلموون.
منذ ذلك الوقت البغيض أضحى كل مسلم داخل الولايات المتحدة مشروع إرهابي في أفضل الأحوال، إن لم يكن إرهابيا بالمطلق، وقد عمل كثيراً مروجو الإسلاموفوبيا على سكب المزيد من الزيت على النار، لإشعال أوار الخلافات وتعميق هوة الصراعات. واستخدم طويلاً «الإرهاب الإسلامي» كمصطلح يلخص حرب أميركا على المجموعات الإرهابية، وهو خطأ فني وعلمي، نبه إليه الكثير من المفكرين وحتى رجالات الأمن والاستخبارات في صفوف الأميركيين أنفسهم، لكن من غير طائل.
أما المثير هذه المرة في استراتيجية دونالد ترمب الجديدة فهو الاستعاضة عن التعبير الذي كان متلازمة لحملة ترمب في 2016، وهو «الإرهاب الإسلامي المتطرف» بتعبير آخر هو «الجماعات الراديكالية» الساعية إلى خلافة مزعومة.

إيران... واستراتيجية الإرهاب الجديدة
على صعيد متصل، لا بد من إلقاء نظرة عابرة على رؤية الأميركيين اليوم للإرهاب الإيراني، وهي رؤية تبدأ من عند مستشار الأمن القومي جون بولتون أحد صقور «المحافظين الجدد»، والذي اعتبر ولا يزال إيران هي البنك المركزي العالمي للإرهاب، و«البؤرة الصديدية أيضاً للشر حول العالم»، وتمر عبر مايك بومبيو وزير الخارجية الذي لا ينفك يصف إيران بأنها الدولة التي تمثل الراعي الأكبر للإرهاب حول العالم، وصولاً إلى الرئيس ترمب عينه الذي يتهم إيران بأنها أنفقت نحو ستة عشر مليار دولار على تمويل الإرهاب والإرهابيين المتمثلين في وجهة نظره في الأذرع الميليشياوية ووكلاء إيران في المنطقة، وذلك في الفترة ما بين عامي 2012 و2016.
الاستراتيجية الأميركية الجديدة ترى أنه لا بد من قطع الطريق على مليارات الدولارات التي عرفت طريقها لإيران بعد الاتفاق سيئ السمعة عام 2015، تلك التي ذهبت للحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، بجانب حماس في غزة، والتي هي خلفية فكرية بل ولوجيستية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة في مصر.

غياب القوة الناعمة
هل تغيب أدوات القوة الناعمة التي تحدث عنها البروفسور الأميركي «جيمس ناي» في مؤلفه الشهير عن استراتيجية ترمب؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك، سيما وأنه لا توجد تفاصيل عن الآليات التي تسعى واشنطن لتحقيق استراتيجيتها من خلالها، وهنا فإن هناك فارقا واضحا جداً بينها وبين استراتيجية باراك أوباما 2011».
ذلك أن استراتيجية ترمب لا تتناول هذه الجزئيات من قريب أو بعيد، وهي التي كانت في السابق تتبنى برامج لمساعدة الحكومات الأجنبية في سعيها لتقليل المظالم التي تغذي التطرف، وقد لفتت هذه الإشكالية انتباه بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الذي علق بالقول: «للقوة الناعمة دور تلعبه لكن ليس باستبعاد القوة المحركة، أو العمل العسكري، والذي وصف مسودة الاستراتيجية بأنها تصوير رصين جداً للتهديد وما يلزم لمواجهته الآن وفي المستقبل القريب».
ثم يمكن التساؤل هل رؤية الجنرال ناغاتا التي أشرنا إليها من قبل هي الأصوب في بعض نقاطها من استراتيجية ترمب؟
يطالب الجنرال الأميركي بأن تصبح الولايات المتحدة الأميركية الأكثر فاعلية في اعتراض الأيديولوجيات الإرهابية، لا سيما في مجال تقديم بدائل أكثر جاذبية لأفكارها الإرهابية السامة. وفي هذا الإطار لا يجد المرء رجع صدى لهذا الطرح في مقارنة ترمب الخشنة.
جزئية أخرى يلفت إليها ناغاتا، وهي حتمية أن تضحى واشنطن أكثر فاعلية في مساعدة المجتمعات المحلية والأسر على تحديد الأشخاص أو الفئات الأكثر عرضة لتجنيد الإرهابيين وتمكين الجهات الفاعلة المحلية من منع هؤلاء الأفراد أو الجماعات أو إبعادهم عن هذا المسار من خلال تدريبهم على كيفية تلبية احتياجاتهم أو مظالمهم دون اللجوء إلى العنف.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».