تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

التنظيمات الأصولية تواصل خطتها لاختراق الغرب

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
TT

تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا

أكد خبراء وباحثون في شؤون التنظيمات الأصولية أن «خطاب تجنيد الأجانب» لدى الجماعات المتطرفة يتسم بـ«العاطفية المفرطة»، ويركز على الأصول الفقهية دون الفروع، متستراً في «ثوب الدعوة، حيث يغلب الطابع الدعوي على المرحلة الأولى من التجنيد، والتي تستغل عدم دراية الشخص المستهدف بالدين الإسلامي». فخطاب التنظيمات الأصولية المتطرفة لتجنيد الأجانب مر بالكثير من مراحل التطور، وصولاً إلى تنظيم داعش الذي استفاد من خبرات التنظيمات التي سبقته في هذا المجال، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» الذي وضع المبادئ الأساسية لذلك.
ويستهدف الخطاب بحسب الخبراء فئتين رئيسيتين في أي مجتمع غربي، هما الجيل الثالث من أبناء المهاجرين من أصول عربية أو إسلامية، والشباب من مواطني هذه البلدان أصحاب الجنسية الأصلية. وقال مراقبون إنه «رغم اختلاف التكتيكات النفسية التي تستخدم في تجنيد كل فئة منهما؛ فإن ثمة قواسم مشتركة في الاستراتيجية العامة للتجنيد، والتي تبدأ عادة بقيام أعضاء «الخلايا النائمة» بترشيح أسماء لأهداف محتملة للتجنيد يصلون إليها في محيطهم الاجتماعي وتحركاتهم اليومية، ثم يقومون بإجراء دراسات على الهدف «أي الضحية» لتحديد الوسيلة المناسبة للتواصل معه، وترتيب أولويات خطاب التجنيد. وأكد ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر لـ«الشرق الأوسط»، أن «أبناء الجيل الثالث من المهاجرين ذوي الأصول العربية أو الإسلامية يشكلون دائماً هدفاً رخواً وسهلاً للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ويستغل خطاب التجنيد الفئات التي تعاني من تناقضات نفسية ومجتمعية، فالكثير من هؤلاء الشباب يعيشون في المجتمعات الغربية منفصلين ويواجهون مشكلة في الاندماج، ويعانون من عقدة (التناقضات النفسية)، فهم يعيشون في مجتمع ليبرالي؛ لكن لديهم عواطف موروثة تجاه كل ما هو إسلامي، وتقوم التنظيمات المتطرفة بمساعدتهم على حل هذه العقدة فيحسمون صراعهم النفسي».

مفاهيم مغلوطة
أضاف فرغلي على عكس خطاب التجنيد الموجه لشباب الداخل في الدول العربية والإسلامية، يركز خطاب تجنيد أبناء المهاجرين على الأصول الفقهية وأحكام التوحيد، فالشخص الذي ينشأ في مجتمع إسلامي يكون لديه على الأقل قدر من الدراية والمعرفة الدينية تمكنه من المجادلة ومناقشة الحجج الفقهية؛ إلا أن أبناء المهاجرين لا تتوافر لديهم هذه المعرفة، ومعظمهم يتعرف على المفاهيم الدينية للمرة الأولى، لذلك ينتقل الخطاب سريعاً إلى مرحلة وجوبية الجهاد لنشر الدين، مستنداً إلى المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة، التي تشبع بها الضحية في المرحلة الأولى... ويحل الولاء للتنظيم محل العائلة والمجتمع عن طريق مفهوم «العزل الأولي» والذي يقوم على ملء الفراغ النفسي والاجتماعي لدى العنصر الجديد من خلال إهدائه الكتب الفقهية التي تتبنى أفكاراً متطرفة، وإشعاره أنه جزء هام من مشروع كبير لنشر الدعوة.
وأكد فرغلي أن خطاب تجنيد أصحاب الجنسيات الأصلية في المجتمعات الغربية يستخدم مفردات تتناسب مع نشأتهم الاجتماعية في مجتمع ليبرالي ديمقراطي، ويركز الخطاب على المفاهيم والقيم الإنسانية البراقة، من نوعية «العدل»، و«المساواة بين البشر»، و«مواجهة الظلم»، وهي مفاهيم تجتذب الضحية، وتشكل البداية لاستخدام القيم السمحة والتستر وراء مفهوم الدعوة إلى الدين، لبث الأفكار المتطرفة.
من جهته، أشار صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن «خطاب التجنيد يتجنب في البداية أي إشارات إلى التكفير؛ بل على العكس فهو يركز على استغلال الأفكار والقيم الإنسانية السامية التي يؤمن بها الشخص المستهدف بحكم نشأته في مجتمع ليبرالي، وتكون الرسالة أن الإسلام سبق العالم كله في تبنيه لمفاهيم الديمقراطية والحرية والمساواة، وفي المرحلة الأخيرة يتم استخدام مفهوم «الصدمة» بإخباره أن المجتمع الذي يعيش فيه كافر - على حد زعمهم - ويعيق تقدم الدعوة ونشر الحرية والمساواة».
مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: يشكل استهدف الأجانب بالتجنيد هدف ذو أولوية لكافة التنظيمات الإرهابية الأصولية ضمن استراتيجية اختراق المجتمعات الغربية، ليس فقط لكونهم هدفاً ثميناً نظراً لعدم معرفتهم بأي أمور فقهية، حيث يكون التنظيم هو منبع معرفتهم الوحيد؛ بل أيضا لسهولة تحركاتهم في بلادهم أو أي بلاد أخرى من دون إثارة شكوك الأجهزة الأمنية.

ميراث {القاعدة}
القاسمي أكد في هذا الصدد أن «الخلايا النائمة» في المجتمعات الغربية تلعب دوراً رئيسياً في عمليات تجنيد الأجانب، فبحسب الخبراء يقوم أعضاء هذه الخلايا بإجراء دراسات مستمرة على المجتمع الذي يعيشون فيه لاستخدامها في تطوير خطاب التجنيد، كما يقومون بترشيح الأهداف المحتملة للتجنيد، ودراسة جوانب حياتها المختلفة... ويعيش أعضاء «الخلايا النائمة» حياة طبيعية في المجتمع من دون لفت الأنظار، ويعتمدون على مبدأ السرية في نشر الدعوة.
وقال المراقبون إن تنظيم داعش الإرهابي اعتمد في إنشاء وتوسعة خلاياه النائمة على أعضاء ورثهم من تنظيم «القاعدة»، الذي كان يقوم بإعادة الأجانب عقب تجنيدهم وتدريبهم في معسكراته إلى بلادهم الأصلية، في حين ظل «داعش» حتى وقت قريب يطلب من أعضائه الأجانب الهجرة من بلادهم للقتال في صفوف التنظيم بالدول التي ينشط بها... وهي الاستراتيجية التي تراجع عنها التنظيم في الآونة الأخيرة، بسبب هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا وغيرهما من الدول.
في ذات السياق، أكد نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» المصري لـ«الشرق الأوسط»، أنه في أحد معسكرات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان عام 1989 كان الأعضاء في جهاز التجنيد يستهدفون الأجانب، الذين يدرسون في معاهد أو جامعات إسلامية، وبعد أن تنتهي مراحل التجنيد الأساسية، يتم عزلهم في المعسكر لتلقي تدريبات عسكرية، ثم يتم إرسالهم إلى بلادهم... وقد استطاع «داعش» تجنيد معظم هؤلاء في وقت لاحق، ليشكلوا قاعدة خلاياه النائمة». وأضاف نعيم: تعمل «الخلايا النائمة» وفق آليات محددة ونسق مجتمعي يقوم على السرية وعدم لفت الانتباه، لذلك يتحركون في محيطهم الاجتماعي الطبيعي سواء الدراسة في جامعة ما أو في نطاق العمل، وعقب الانتهاء من دراسة الشخص المستهدف في محيطهم ينتقلون إلى مرحلة «جس النبض»، والتي تتضمن إشارات وجملا عابرة في سياق حوار حول أمور عامة، ويتم دائماً تغليف الإشارات بمفردات عن الديمقراطية والحرية ومفاهيم مماثلة لصرف ذهن المستهدف عن الرسالة الخفية... وتتسم كل مراحل التجنيد بتجنب أي حديث عن الانتماء لتنظيم ما، إذ يتم معظمها في إطار أحاديث شخصية أو أنشطة اجتماعية مشتركة، إلى أن ينتقل المستهدف إلى مرحلة الإيمان بالدعوة وما تتضمنه من بث أفكار مغلوطة.

العالم الافتراضي
وأكد الخبراء والباحثون أن «داعش» يولي اهتماماً خاصاً بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، وهو ما يبدو واضحاً في اهتمام التنظيم برسائله الإعلامية التي تعتمد على الإبهار لجذب عناصر جديدة، واستعراض القوة عن طريق نشر مشاهد المذابح التي يقوم بها للتدليل على قوته. في هذا الصدد يشير صبرة القاسمي إلى أن «داعش» لديه خبراء في علم النفس والاجتماع والإعلام من أعضائه يتولون صياغة رسائله الإعلامية وإصداراته المختلفة، فهو عندما يستهدف الشباب الفرنسي مثلاً، تكون الرسالة على لسان مواطن فرنسي من أعضائه، فتكون اللغة سليمة والتأثير النفسي للرسالة الإعلامية أكبر، وبشكل عام يستغل أعضائه الأجانب في جذب مزيد من شباب بلادهم.
أما ماهر فرغلي، فقال إن اللجان الإلكترونية تركز على عنصر الإبهار كأحد وسائل التأثير، ففي مرحلة متقدمة من التجنيد يقومون بإرسال صور ومقاطع فيديو للشخص المستهدف، تصور استرخاء أعضاء التنظيم وسعاتهم وهم يجلسون سوياً على جانب نهر الفرات ليلاً، أو يقومون ببعض الأنشطة الرياضية أو الترفيهية، ويعكف على إنتاج الصور ومقاطع الفيديو مخرجون محترفون، بهدف تصوير حياة أعضاء التنظيم باعتبارها الجنة على الأرض... وتستخدم اللجان الإلكترونية صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تتضمن أي محتوى متطرف يوحي بانتماء صاحبها لأي تنظيم أو اعتناقه أي أفكار أصولية، إذ تقوم هذه الصفحات بالبحث في صفحات الشباب بشكل عام لوضع دراسات نفسية من خلال ما يكتبونه لتحديد إمكانية تجنيدهم، إذ يكون الشباب المحبطون أو الناقمون أو الذين يمرون بمشكلات نفسية أكثر الفئات المستهدفة.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.