«مجازر» ما بعد القذافي «مناسبات اجتماعية» جديدة في ليبيا

TT

«مجازر» ما بعد القذافي «مناسبات اجتماعية» جديدة في ليبيا

خلَّف الانفلات الأمني الذي ضرب ليبيا منذ نحو ثماني سنوات جرائم كثيرة، بعضها يرتقي إلى وصفها بـ«مجازر وجرائم حرب»، ارتكبتها ميليشيات مسلحة في عموم البلاد، وتركت جرحاً عميقاً في نفوس ذوي «المغدور بهم»، جعلهم يحيون ذكراها السنوية كل عام، في طقس بات ينافس الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية في بعض الأحيان. وتأتي جريمة «غرغور» التي مرت ذكراها الخامسة، أول من أمس، في مقدمة هذه «المجازر»، لما شهدته من أحداث دموية، سقط فيها 55 قتيلاً و519 جريحاً في المنطقة القريبة من العاصمة طرابلس، عقب خروج عشرات المواطنين من صلاة الجمعة، وسط مطالبات متواصلة بـ«التحقيق في هذه الجريمة، وما تلاها». وقال سعيد إمغيب، عضو مجلس النواب، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، «سيأتي يوم ويجري فيه التحقيق في مجازر (غرغور) و(براك الشاطئ)، وغيرها من العمليات التي سقط فيها مئات الليبيين». ولم تمنع مرور السنوات أهالي طرابلس العاصمة من إحياء ذكرى مقتل العشرات في غرغور، على أيدي الميلشيات المسلحة، ومطالبتهم «بتعقب الجناة وتقديمهم لمحاكمة عادلة، والقصاص منهم». وقد تشكّل «تجمع أسر وشهداء ضحايا غرغور» للمطالبة بـ«حقوق المغدورين»، وملاحقة المتهمين قضائياً. وبهذا الخصوص شدد محيي السعداوي، أحد سكان طرابلس، على أنهم لن يكفوا عن ضرورة إخضاع المجرمين للعقاب الشديد، مشيراً إلى أنهم «يطالبون المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بفتح التحقيق مجدداً في المجزرة». واستنكرت «الحركة الوطنية الشعبية الليبية» ما سمته «صمت السلطات المختصة على هذه الجريمة، وغيرها من جرائم القتل والخطف والتعذيب، التي ارتكبتها الميليشيات المسلحة على مرأى ومسمع من جميع المسؤولين».
وقال ناصر سعيد، المتحدث الرسمي باسم الحركة، في بيان أول من أمس: «رغم مرور خمس سنوات على هذه الجريمة النكراء، ما زال المجرمون طلقاء، ويتصدرون المشهد»، مشيراً إلى أن «الجريمة مسجلة وموثقة، ومعظم مطلقي النار معروفون بالأسماء، الأمر الذي شجع الميليشيات نفسها، وغيرها، على ارتكاب مجازر أخرى بحق المدنيين العزّل في القرة بوللي، وبراك الشاطئ، والرويمي التي راح ضحيتها هي الأخرى عشرات القتلى ومئات الجرحى». ووقعت أحداث «غرغور» عقب خروج المصلين من مسجد بوسط طرابلس، والتوجه إلى غرغور عام 2013 للمطالبة بإخلاء العاصمة من جميع التشكيلات المسلحة، لكنهم تعرضوا لسيل من الرصاص، سقط على أثره عشرات القتلى والجرحى غرقى في دمائهم.
وتتكرر أجواء الحزن خلال حلول ذكرى «غرغور» عندما يأتي موعد الهجوم الذي شنته «القوة الثالثة» وكتائب مساندة لها، على قاعدة براك الشاطئ الجوية، التابعة للجيش الوطني (جنوب غرب)، وهي الجريمة التي أوقعت أكثر من 74 جندياً من «اللواء 12»، وجرح 18 آخرون، ووصفها مارتن كوبلر المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا، بأنها «جريمة حرب ضد المدنيين يمكن ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية». لكن رغم كثرة الجرائم التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية، فإن إمغيب، النائب عن مدينة الكفرة (جنوب شرق)، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه الجرائم «لا تسقط بالتقادم، وبمجرد قيام الدولة سيعاقب كل الجناة على أفعالهم الإجرامية بحق الوطن والمواطن»، مشيراً إلى أنه يفترض على الدولة أن تعوض ولاة الدم. ووقعت «أحداث الرويمي» منتصف شهر يونيو (حزيران) 2016، عقب الإفراج عن 19 شخصاً من سجن الرويمي في عين زارة، إحدى ضواحي طرابلس. وبعد ساعات من مغادرتهم السجن برفقة ذويهم عثر على 12 منهم قتلى، وطالب المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا مارتن كوبلر بالتحقيق الفوري والشفاف من قبل السلطات في ظروف مقتل المحتجزين، الذين أطلق سراحهم، وقال حينها «إنه مصدوم ومستاء جداً».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.