الأزرق والأبيض يعيدان الروح إلى شارع الرشيد في العاصمة الليبية

بعد تنحية الباعة المتجولين وطلاء واجهاته

إطلالة قديمة لشارع الرشيد في العاصمة الليبية طرابلس (تويتر)
إطلالة قديمة لشارع الرشيد في العاصمة الليبية طرابلس (تويتر)
TT

الأزرق والأبيض يعيدان الروح إلى شارع الرشيد في العاصمة الليبية

إطلالة قديمة لشارع الرشيد في العاصمة الليبية طرابلس (تويتر)
إطلالة قديمة لشارع الرشيد في العاصمة الليبية طرابلس (تويتر)

يكتسب شارع الرشيد في العاصمة الليبية طرابلس أهميته لكونه من أهم المناطق التي يروق لكثيرين التردد عليها وزيارتها من وقت للآخر للتسوق والتنزه أيضاً، فضلاً عن ذلك تتوسطه «سوق الحوت»، التي تعدّ من أبرز المراكز التجارية المحلية في المدينة، وأكثرها زحاماً في أوقات معنية من العام، غير أنّ أيادي التخريب والعشوائية أتت على ملامح الشّارع التاريخية خلال السّنوات الأربع الماضية، ودمرت معالمه.
منذ مطلع الشهر الحالي، أطلق سكان المدينة القديمة في العاصمة وجهاز الحرس البلدي، حملة لإنقاذ الشّارع من التشوهات التي لحقت به، وإعادة الرّوح إليه، من خلال إبعاد الباعة الجائلين عن نهر الطريق، وإزالة العشوائيات والأكشاك المخالفة، وترميم واجهات مبانيه.
من جانبها، قالت إدارة العلاقات العامة والإعلام في جهاز الحرس البلدي فرع طرابلس، إنّها أطلقت منذ بداية الشّهر الحالي، حملة شاملة لإعادة شارع الرّشيد إلى ما كان عليه في السّابق، مشيرة إلى أنّها رفعت جميع الإشغالات والمخالفات منه، كما أبعدت الباعة الجائلين عن المنطقة.
وأضاف جهاز الحرس البلدي، أنّ جميع أفراده شاركوا في حملة التنظيف والطّلاء بالتعاون مع أصحاب المحال والمتاجر، ولفت إلى أنّه أمر بإغلاق جميع المحال لحين استكمال أعمال الصيانة، «لتبدو المدينة بالشّكل الصحيح والأفضل».
وظهر الشّارع في حلّته الجديدة باللون الأبيض والأزرق الزهري، مع تجديد الإنارة وصيانة الصّرف الصّحي، بالشّكل الذي يسمح للمواطنين بزيارته والتسوق من المركز التجاري الذي يتمدّد بجانب «الرشيد» إلى شارع أول سبتمبر (أيلول) وجادة عمر المختار، وصولاً إلى شارع المقريف.
وتتوسط «سوق الحوت» شارع الرشيد، وهو مربع الشكل تظلّله الأقواس من واجهته الأمامية، وله أربعة مداخل أحدها يؤدي إلى شارع الرشيد، وهو من الأماكن التي يفضّلها سكان مدينة طرابلس للتّسوق، ويشتدّ التوافد عليه أكثر في شهر رمضان.
وعبّر سكان شارع الرشيد، عن فرحتهم بعد عملية تجميله، وطلاء بناياته، على الرغم من معارضة البعض «بسبب إبعاد الباعة الجائلين عنه». وقالت فاطمة الرويفد، من سكان طرابلس، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «شكل المنطقة تغيّر، والطلاء الجديد محا آثار العدوان والاشتباكات المسلحة»، مشيرة إلى أنّ واجهات المنازل والمحال المجاورة كان يكسوها السّواد، والآن بدت بيضاء ناصعة «مع اعتراضي على اللون الأزرق».
وعلى الرغم من أنّ الشّارع أصبح يتيح للمارة التحرك بسهولة عمّا قبل، فإنّ عملية إبعاد الباعة الجائلين عنه، لقيت معارضة من البعض، ممن يرون أنّ «طردهم من الشارع أضر بأرزاقهم»، لكنّ مصدراً في جهاز الحرس البلدي يرى «أنّهم مارسوا سلطاتهم بشكل قانوني ومحايد في إبعاد هؤلاء الباعة عن طريق المارة»، وقال: «نحن نستهدف إعادة المنطقة إلى سيرتها الأولى، بعيداً عن العشوائيات التي تخالف القانون».
وأضاف المصدر الذي رفض ذكر اسمه، لأنه غير مخوّل له التحدث إلى الإعلام: «نسعى في الأيام المقبلة إلى تجميل شوارع العاصمة، خاصة التاريخية منها ليتماشى مع الشكل الحضاري لطرابلس القديمة».
وتسهم الاشتباكات بين الميلشيات المسلحة، التي تندلع في العاصمة طرابلس من وقت لآخر في تدمير البنية التحتيّة، وتهديم واجهات المنازل والمنشآت الحكومية، لكنّ بلدية طرابلس التي يترأسها عبد الرؤوف بيت المال، تسارع فور توقفها إلى إزالة آثار تلك الاشتباكات ورفع المخلّفات وسط وجود توجه لإعادة طلاء مباني العاصمة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».