أطفال «الدواعش»... معضلة إنسانية تنتظر مقاربة دولية موحدة

أعدادهم تقارب الألفين... ويتحدرون من 46 جنسية

أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
TT

أطفال «الدواعش»... معضلة إنسانية تنتظر مقاربة دولية موحدة

أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)

لا يمثل إعلان فرنسا عن نيتها إعادة 150 طفلاً من أطفال مقاتلي تنظيم داعش، إلا جزءاً من معضلة إنسانية تتنامى في سوريا والعراق، ولا توجد مقاربة دولية واحدة للتعاطي معهم وسط المخاوف من ظهور جيل مكتوم القيد وجيل متطرف آخر في حال بقي هؤلاء في مناطق نفوذ سابقة للمتطرفين
وتتحدث تقديرات سورية عن وجود ما يقارب الألفي طفل بلا هوية، هم أبناء مقاتلي تنظيم داعش، يعيش معظمهم في مخيمات النازحين في الرقة، الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، وبعضهم مجهول الأب، ولا يحملون إلا وثائق غير معترف بها من تنظيم داعش، ويفتقدون إلى أسماء آبائهم الحقيقية؛ ما يعد معضلة أخرى تحول دون تسوية أوضاعهم أو استعادتهم. وفي حين تتجه فرنسا وألمانيا إلى استعادة نحو 250 طفلاً من هؤلاء، بحسب ما أعلنت الدولتان خلال الأشهر والأسابيع الماضية، فإن أطفال المقاتلين السوريين أو العراقيين في «داعش»، لا توجد آفاق لحل مشكلاتهم؛ وهو ما يهدد بظهور جيل من الأطفال مكتوم القيد.
وقالت مصادر في الرقة السورية لـ«الشرق الأوسط»: إن المهاجرين من أعضاء التنظيم كانوا يتزوجون من سوريات في تلك المناطق الخاضعة لتنظيم داعش، بعقود زواج ينظمها القاضي الشرعي للتنظيم، وتغفل تلك العقود الاسم الحقيقي للزوج؛ إذ تكتفي باسم الشهرة المستعار، فلا يُعلم له نسب ولا اسم، لافتة إلى أن المعضلة «تمثلت في أن هؤلاء المقاتلين الذين قُتلوا أو هاجروا، تركوا خلفهم أولاداً مجهولي الهوية ومكتومي القيد، ويواجهون مع أمهاتهم مصيراً مجهولاً».
ولا تقتصر المعاناة على الأطفال من أم سورية، بل تشمل أولاد النساء العراقيات اللواتي أجبرن على الزواج من مقاتلي التنظيم، وأولاد النساء «المهاجرات» إلى مناطق سيطرة التنظيم من مناطق أخرى. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: إن هذه المعضلة «بدأ التحذير منها منذ عام 2015، وتضاعفت التحذيرات من جيل من الأطفال (مكتومي القيد) والنساء اللواتي كنّ قد أجبرن على الزواج من مقاتلي (داعش) ومعظمهم من الأجانب ممن تزوجوا ثلاث وأربع نساء». وقال المصدر: إن مقاتلي «داعش» وإثر فقدان ملاذاتهم الآمنة في سوريا «تركوا الأطفال والنساء لمصيرهم»، لافتاً إلى أن الأطفال «سجّلوا في إدارات (داعش) بأسماء وهمية كانت تطلق على مقاتلي التنظيم وقياداته؛ وهو الأمر الذي يشكّل مشكلة للأمهات والأطفال الذين باتوا من دون نسب أو عائلة».
ولا يخفي مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، أن هناك «أعداداً ضخمة» من أطفال مقاتلي «داعش» في سوريا، «يهدد بوجود جيل من مكتومي القيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن الأرقام «قد تصل إلى 2500 طفل وأم»، لافتاً إلى أن الأطفال «يحملون وثائق تسجيل ولادة من (داعش)، وهي وثائق غير معترف بها؛ وهو ما يعقد الأمور على هؤلاء». وقال: «المخاطر لا تنحصر فقط في كون هؤلاء سيكونون جيلاً من مكتومي القيد، بل يهدد بأن ينموا في بيئة متشددة، نتيجة فقدانهم للأهلية القانونية والوثائق الرسمية؛ وهو ما يضاعف المخاطر منهم بعد سنوات عندما يكبرون».
وتشير تقديرات «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أن الأطفال من أبناء المقاتلين الأجانب في سوريا موزعون على مناطق سيطرة الأكراد في الشمال، أو في مناطق تواجد قوات النظام، أو لا يزالون مع عائلاتهم في البادية بجيوب مسلحي «داعش» في وسط وشرق وجنوب شرقي سوريا. وأوضح عبد الرحمن، أن معظم أمهات هؤلاء «هن من العراقيات والسوريات»، فضلاً عن أن معظم آبائهم، وخصوصاً أولئك غير السوريين «لم يحملوا أسماء واضحة، فكانت أسماؤهم مستعارة، أو يحملون كنية البلدان التي يتحدرون منها»، علماً بأن الآباء السوريين في تنظيم داعش هم بالأغلب معروفون. وأشار عبد الرحمن إلى أن بعض الزوجات «لم يستطعن في وقت سابق معرفة أسماء أزواجهن الحقيقية؛ وهو ما يحول دون تسجيل الأطفال». وقال: «الآن، ترك هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم بلا أوراق ثبوتية، وثمة معضلة في بعض الدول التي لا تريد أن تعيدهم، وهنا نتحدث عن أولئك المقاتلين المعروفين بأسمائهم وليس غير المعروفين».
وحاولت بعض الدول الأوروبية حل جزء من المعضلة، رغم المعلومات عن أن الدول الأوروبية تقترح إعادة الأطفال من دون ذويهم، وهي معضلة إنسانية بالنسبة للأمهات لجهة فصل العائلات عن الأطفال، وبالنسبة للأكراد الذين يسألون عما يفعلونه بعشرات المقاتلين الأجانب الموجودين في السجون. وأعلنت فرنسا أخيراً أنها تعمل من أجل إعادة أطفال تحتجزهم قوات كردية سورية، هم أبناء أشخاص يشتبه بكونهم متشددين فرنسيين، لكنها ستترك أمهاتهم لتحاكمهن السلطات المحلية.
ومثل دول أوروبية أخرى، تواجه فرنسا مشكلة كيفية التعامل مع المتشددين المشتبه بهم وأسرهم الذين يسعون للعودة من مناطق القتال في العراق وسوريا، ورغم انتهاجها سياسة تقضي برفض قبول المقاتلين وأزواجهم، فقد قالت فرنسا، إنه ينبغي لها حسم وضع القُصّر، علماً بأن باريس تخشى إن تُرِكَ هؤلاء الأطفال في سوريا أن يصبحوا متشددين أيضاً في نهاية المطاف. وقال مسؤول فرنسي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «تدخل السلطات الفرنسية الآن مرحلة نشطة في تقييم احتمال إعادة القصر إلى الوطن».
وكانت أسرٌ فرنسية كشفت عن وجود نحو 60 امرأة في سوريا بينهن 40 أُماً معهن نحو 150 قاصراً. والغالبية العظمى من الأطفال دون السادسة من العمر. وبعد تبادل المعلومات مع السلطات الكردية والصليب الأحمر الدولي، حددت باريس مواقع بعضهم في شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد. وقال المسؤولون: إن التحضيرات جارية لإعادة الأطفال على أساس كل حالة على حدة، بمن فيهم من ولدوا في سوريا. وسوف تتوقف عودتهم على موافقة أمهاتهم على فصلهن عن الأطفال.
وقبل فرنسا، أعرب مسؤولون أمنيون في ألمانيا في الصيف الماضي عن استعدادهم لوصول أكثر من مائة رضيع وطفل هم أبناء مواطنين غادروا البلاد للقتال في صفوف «داعش» في العراق وسوريا، وذلك وسط مخاوف من غرس بذور التطرف في عقول الأطفال. ويعتقد أن ما يقرب من ألف شخص تركوا ألمانيا للانضمام إلى تنظيم داعش. ومع تقهقر التنظيم في الشرق الأوسط يعود بعضهم مع أفراد أسرهم في حين تحاول السلطات الألمانية تأمين إطلاق سراح أطفال جرى اعتقال آبائهم وأمهاتهم.
وتقول الحكومة الألمانية، إن لديها أدلة على أن أكثر من 960 شخصاً غادروا ألمانيا إلى سوريا والعراق حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 للقتال في صفوف تنظيم داعش، ويعتقد أن ثلثهم عادوا إلى ألمانيا في حين قتل على الأرجح 150 منهم في المعارك هناك.
وكان وزير العدل البلجيكي، كون جينز، أعلن في العام الماضي أنه يوجد في سوريا والعراق حالياً نحو مائة طفل من الجنسية البلجيكية، أو يقيم أولياؤهم في بلجيكا.
ويتواجد الأطفال في 3 مخيمات للاجئين في مناطق سيطرة الأكراد في الرقة. ويقول مدير مركز الدراسات الكردية، نواف خليل: إن هؤلاء موجودون في مخيمات، بينها مخيما الهول وروج، ويقدم لهم الأكراد المساعدات والدعم النفسي. وقال: إن الأطفال وعائلاتهم يتحدرون من 46 جنسية حول العالم، مشيراً إلى أن هناك 3 أطفال يعيشون من دون أمهاتهم وذويهم؛ وهو ما دفع الإدارة الذاتية الكردية لانتداب 3 نساء يتكفلن برعاية أولئك الأطفال. وأشار إلى أن هناك بعض الأطفال عادوا إلى بلادهم، بينهم عائلة من كازخستان، وآخرون من الشيشان وإندونيسيا، وغيرها من البلدان.
وقال خليل: «المعسكر مفتوح، ويتنقل فيه الأطفال بشكل طبيعي، لكن لا يخرجون منه، ويتم تقديم مساعدات لهم». وتنسحب مشكلة أطفال مقاتلي «داعش» على العراق، حيث تحتجز السلطات العراقية 833 طفلاً من 14 جنسية مختلفة؛ إذ حضت وزارة الخارجية العراقية في الصيف الماضي دول العالم على تسلم أطفال إرهابيين من «داعش» أجانب لديها من غير المدانين أو من الأحداث الذين أتموا محكوميتهم. وقال الناطق باسم الخارجية العراقية، أحمد محجوب: إن بغداد فاتحت سفارات كالآذرية والروسية والألمانية وغيرها، بشأن تسلم أطفال وأحداث انتهت مدة محكومياتهم»، موضحاً أن «طبيعة عملنا كخارجية تتسم بالتدقيق والتمحيص، لعوائل (داعش)... والدائرة القانونية تدير ملف القاصرين». وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش»: إن أكثر من 800 طفل مع ما يزيد على 500 امرأة، جميعهم من الأجانب، محتجزون في السجون العراقية بانتظار المحاكمة بتهمة الانتماء إلى «داعش».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».