نظرة على هجوم «داعش» على واحة الفقهاء في ليبيا

تحول مفروض في الاستراتيجية القتالية

قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
TT

نظرة على هجوم «داعش» على واحة الفقهاء في ليبيا

قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)

خلف الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم داعش الإرهابي، نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بواحة الفقهاء، والذي أوقع 5 قتلى و10 مخطوفين، في صفوف القوات الأمنية الليبية. ومثل هذه العمليات مؤشر واضح على احتفاظ فرع ليبيا من «جماعة البغدادي»، على قدرة مهمة في زعزعة الاستقرار؛ ليس فقط بمنطقة الجفرة، وإنما في عموم الجنوب الليبي. كذلك يؤكد الهجوم المباغت، على تمتع «دواعش» ليبيا بصمود تنظيمي، واستغلال ذكي للمجال الجغرافي (الجبال والأودية)، لتأمين العناصر المجندة؛ وخلق مناطق آمنة ينطلق منها التنظيم لفرض سياسته الجديدة المعتمدة على الهجوم والاختفاء.
بالتالي يؤكد أيضا التخلي عمليا عن استراتيجية بناء الإمارة بالسيطرة المستمرة على المناطق والمدن، والتي اعتمدها التنظيم، ما بين سنة 2014 و2017؛ وانتهت بهزيمة قاسية للتنظيم وخروجه من مدينة درنة، ثم سرت الاستراتيجية في ديسمبر (كانون الأول) 2016. بعد معركة دامت ثمانية أشهر مع قوات «البنيان المرصوص»، التابعة لحكومة الوفاق الوطني.

سياق رسالة الهجوم
يأتي هذا الهجوم، في سياق مواجهات عسكرية مفتوحة بالجنوب الليبي. هذه المعركة الدائرة بين قوى المعارضة التشادية المتمركزة داخل التراب الليبي، وبين «الجيش الوطني» الموالي للمشير خليفة حفتر مسنودا بقوى قبائلية بالجنوب. كما يأتي هذا الهجوم في الوقت الذي يزداد فيه نشاط الطائرات الأميركية من دون طيار، انطلاقا من قاعدة أغاديز في النيجر؛ والذي يهم مراقبة تحركات «داعش» و«القاعدة»، وشن الهجمات عليهما، لعرقلة نشاطهما في الجنوب الليبي، والحدود التشادية.
غير أن «داعش» ليبيا، أثبت طيلة أربع سنوات من عمره القتالي، أنه تنظيم مرن ومتكيف ومستوعب لنتائج الحرب الأهلية؛ والتمزق السياسي والجغرافي بالبلد. كما أثبت فرع تنظيم أبو بكر البغدادي بليبيا، أن هزيمته في سرت سنة 2017. وفي درنة في أبريل (نيسان) 2016. لا تعنيان موت التنظيم؛ بل تعني تحولا في الاستراتيجية القتالية، واعتمادا تكتيكيا على الاستنزاف، وإرباك الوضع الأمني، وتركيزا وترتيبا جديدين على أهداف بعينها.
ويتضح فعلا أن فرع تنظيم «داعش ليبيا»، يتبنى أيضا استراتيجية تبقيه حاضرا بقوة على المشهد السياسي والأمني الليبي. ففي تبني التنظيم للهجوم على واحة الفقهاء؛ أكد في بيان أصدره عقب الحادث، أنه سيطر على البلدة لعدة ساعات، ونفذ هجوما انتحاريا بانغماسي، ضد «الجيش الوطني الليبي». كما أشار البيان إلى أن عناصر التنظيم اقتحموا «مركز شرطة البلدة وأحرقوه»، وعددا من المنازل بالمنطقة بحثا عن «مرتدين من الجيش والشرطة والصحوات والجواسيس». ويمكن القول إن هذا التحول العملياتي المركز، دشنه التنظيم بالهجوم الإرهابي على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بتاريخ 3‏ مايو (أيار) ‏2018.
من جانب آخر، يمكن التأكيد على أن هذا التحول في السياسة الإرهابية للتنظيم خاصة بالجنوب؛ هو تكيف مع الوضع الجديد الذي فرضه السياق الدولي لمحاربة الإرهاب؛ خاصة دور القوات الخاصة على الأرض، والمراقبة والهجمات الأميركية بطائرة «درون» من دون طيار، التي تنطلق من قاعدة أغادير بالنيجر. فقد شنت وحدات «أفريكوم» الأميركية، عدة هجمات على مراكز «للقاعدة» و«داعش» بالجنوب الليبي، شملت منذ مارس (آذار) 2018 عدة مناطق، مثل مدينة أوباري. كما شنت في سبتمبر (أيلول) 2017، غارتين جويتين قضتا على 17 عنصرا من التنظيم الإرهابي «داعش» في منطقة إلى جنوب سرت، وغير بعيد عن مدينة الجفرة.
كما أن هناك قوات خاصة أميركية لمكافحة الإرهاب، حلت بالبلد منذ أغسطس (آب) 2016؛ بغية تقديم الدعم اللوجيستي للقوات التي تقاتل تنظيم داعش. وسبق لهذه القوات الخاصة الأميركية أن اعتقلت عناصر من «أنصار الشريعة» داخل الأراضي الليبية. فقد أكد الرئيس دونالد ترمب بتاريخ 31 أكتوبر 2017 أن القوات الخاصة، ألقت القبض على مصطفى الإمام بليبيا، بتهمة لضلوع في الهجوم الذي تعرضت له قنصلية بلاده في بنغازي سنة 2012؛ وأنه سيحاكم أمام القضاء الأميركي. وهكذا يلقى مصطفى، نفس مصير أبو ختالة الذي تم اعتقاله، من طرف قوات أميركية داخل ليبيا منذ نحو ثلاث سنوات.
السياق التنظيمي
نظرا لطبيعة العملية والتي تمت بانتحاري وسيطرة مؤقتة وتمشيط للمكان وخطف 10 أشخاص، يرجح أنهم من القوات الأمنية؛ يمكن القول إن وعي تنظيم داعش بمحيطه المحلي، يلعب دورا مهما في استمراره. ذلك أن اعتقال القيادي جمعة القرقعي في منطقة الفقهاء يوم 16 أكتوبر 2018. من طرف الكتيبة 128 التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي الموالية للمشير حفتر؛ زادت من إحساس التنظيم بضرورة تأمين المحيط القريب، أخذا بعين الاعتبار الولاءات القبلية والعسكرية للمنطقة.
كذلك، يمكن تفسير رد فعل «داعش» وهجومه على واحة الفقهاء؛ بالضربة القاسية التي تلقاها التنظيم بالمنطقة. فقد تمكنت القوات العسكرية الليبية من اعتقال القياديين الفيتوري والقرقعي، في منطقة غير بعيدة عن واحة الفقهاء؛ ما يشكل انتصارا آخر على التنظيم الإرهابي، وقدرة أمنية للجيش على الحد من تحركات التنظيم.
بالنسبة للتنظيم فإن القرقعي المكنى «أبو الليث» (30 سنة)، هو عنصر مهم لاستمرار التنظيم باعتباره المسؤول عن التموين والإمداد؛ وشارك أو قاد عمليات وقعت في النوفلية وكذلك بمنطقة الجفرة والفقهاء وسرت. ثم إنه قاد هجمات أيضا على عدة بوابات أمنية، وعلى الشركة التركية «أوستايل». ويُظهر فيديو نشره التنظيم سنة 2017 مكانة القرقعي البارزة؛ فقد ظهر بالتسجيل المعنون (فما وهنوا لما أصابهم)، والذي أصدرته ما يطلق عليه التنظيم «ولايه برقة» في 24 سبتمبر 2017.
ولقد سطع نجم القرقعي، باعتباره قائدا محليا بارزا منذ 2016؛ وأصبح «أبو الليث» أميرا لتنظيم داعش على بلدة النوفلية بعد مقتل الأمير السابق قعيم. وبحكم تمرسه وخبرته بالمنطقة وتشعباتها التي تعرف تداخلا مهما بين الإرهاب ومنظمات الجريمة والاتجار بالبشر والمخدرات؛ والتي تتخذ من الطرق الصحراوية مسلكا لتجارة مربحة بين أفريقيا وأوروبا، أصبح القرقعي هو الأمير المحلي الجديد.
ويشير عضو مجلس النواب الليبي عن دائرة الجفرة، إسماعيل الشريف لهذا الواقع المر حينما قال، «لقد حذرنا سابقاً من هشاشة الوضع الأمني في مناطق الهاروج التي تعد ملاذا لكل التنظيمات والعصابات التي تمارس الخطف والقتل والحرابة والاتجار بالبشر والمخدرات».
ومن الناحية التنظيمية شارك القرقعي في عمليات خطف، وقد أظهرت بعض من هذه العمليات جدوائيتها؛ إذ استثمرها التنظيم للحصول على موارد مالية وبشرية. ومن هنا يفهم خطف التنظيم لـ10 أفراد من الشرطة الأمنية، لتحويلهم إلى ضغط قوي على السلطة المسيطرة على المنطقة، وعلى القبائل الموالية لها. فالتنظيم يعتبر أن إلقاء القبض على «أبو الليث»، تم بواسطة رجال القبائل المحلية، الذين يشتغلون بالقوة الموالية للمشير حفتر؛ وبالتالي فإن خطف أبناء القبائل من شأنه، المساعدة على استرجاع أمير «داعش» بالنوفلية. كما أن عملية الخطف تدخل التنظيم في عمليات تفاوض مع وجهاء محليين؛ وأي فشل في استرجاعهم المخطوفين، بالتفاوض أو بتحريرهم، قد يبعد شباب المنطقة الجنوبية، من المشاركة في القوات المناهضة للإرهاب.
سياق تاريخي
الجدير بالذكر أن «داعش ليبيا» ظهر مباشرة بعد سقوط نظام معمر القذافي. ورغم انتشاره المحدود في الوسط الاجتماعي الليبي، فإنه أعلن بشكل علني عن نفسه في ربيع 2014. وبدأ في تنظيم صفوفه، عبر تجنيد محلي ومغاربي ومصري، ليلتحق إلى صفوفه فيما بعد شباب من جنسيات أفريقية؛ خاصة السينغالية والتشادية والسودانية، كما استقبل التنظيم أفرادا من جنسيات أخرى بالشرق.
بعد تأسيسه في درنة، انتقل التنظيم لهيكلة صفوفه ببعض المدن وخاصة بنغازي، قبل أن ينتقل لسرت، التي أعلنت إمارة إسلامية تابعة لتنظيم البغدادي؛ ورغم أن التنظيم الليبي لم يعلن ذلك إلا بعد حسم خلاف داخل التنظيم يتعلق ببيعة البغدادي، فإنه لقي حاضنة اجتماعية مهمة من هذه المدينة التي كانت معقلا لأنصار القذافي. مما حول المنطقة لبؤرة جذب للمقاتلين، وممرا نحو أوروبا استثمرته «داعش» في شن هجماتها هناك.
وكما أن تطور التنظيم الإرهابي كان سريعا ومؤثرا؛ وبلغ أوجه في سرت 2015؛ واستطاع الوصول إلى منطقة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا. إلا وبسرعة أكبر، عرفت مسيرة التنظيم انهيارا وتشتتا لعناصره، ولجوءا جماعيا إلى الجبال والأودية بالجنوب الصحراوي. ولم يسترد التنظيم بعض أنفاسه إلا بعد انسحاب القوة الثالثة التابعة لمنطقة مصراتة من مدينة الجفرة. ويبدو أن هذا الانسحاب الذي تم في مايو 2017؛ يلقي بظلاله اليوم على واحة الفقهاء التي عرفت تنفيذ التنظيم هجمته الأخيرة، وسيطرة دامت لساعات.
ويذكرنا هذا بهجوم «داعش» في أغسطس (آب) 2017، على حاجز أمني على مدخل الفقهاء وقتل 11 شخصا، بينهم 9 من القوات الموالية لحفتر. كما يذكر لهجوم على واحة الفقهاء الأخير، بذلك الذي تم بحقل الظهر النفطي بمنطقة زلة شمال شرقي الجفرة، فبراير (شباط) 2018، وقتل منها 3 عسكريين من «الجيش الوطني» الليبي.
بكلمة، يمكن القول إن تغيير «داعش» لاستراتيجيته القتالية، يأتي في سياق محلي، مرتبط بانكشاف التنظيم ودعوته المرتبطة بمنظومة «الخلافة المزعومة»؛ فقد عرف التنظيم انحسارا حقيقيا في التجنيد، كما عانى من فقدانه لقياداته ذات التأثير المحلي. وهو ما ساعد على مواجهته من طرف قبائل ومجموعات مسلحة موالية للحكومة بطرابلس، وكذلك قوات مسلحة موالية للمشير حفتر.
ورغم أن التنظيم واع تماما بهذا التحول في محيطه، ولجأ لسياسة تركيز الهجمات على مؤسسات وأفراد الأمن والجيش؛ فإن تكاثف الجهود الوطنية للقبائل والمجموعات المسلحة من جهة، وازدياد وتيرة عمل القوات الخاصة والطائرات الدولية العاملة بالجنوب الليبي على محاصرة نشاط الإرهاب، كلها عوامل تلعب ضد «داعش» وفرضت عليه تغيير استراتيجيته القتالية.
*أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس - المغرب



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.