إيلهان عمر... من معسكرات اللجوء إلى الكونغرس الأميركي

ناشطة «ديمقراطية اشتراكية» صومالية الأصل باتت أول نائبة مسلمة محجبة

إيلهان عمر... من معسكرات اللجوء إلى الكونغرس الأميركي
TT

إيلهان عمر... من معسكرات اللجوء إلى الكونغرس الأميركي

إيلهان عمر... من معسكرات اللجوء إلى الكونغرس الأميركي

استفاقت الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام على كونغرس جديد، بمجلسيه، سيعايش النصف الثاني من الفترة الرئاسية الأولى – على الأقل – من حكم الرئيس دونالد ترمب. وفي حين نجح الحزب الجمهوري، حزب الرئيس ترمب، بالاحتفاظ بغالبيته في مجلس الشيوخ، بل وعزز هذه الغالبية بمقاعد إضافية، فإنه خسر غالبيته في مجلس النواب أمام خصومه الديمقراطيين.
والواقع، أنه بينما خاب أمل الديمقراطيين بتحقيق فوز «اعتراضي» على سياسات ترمب يسيطرون معه على مجلسي الكونغرس، مقر السلطة التشريعية، بمقدور غالبيتهم النيابية مضايقة الرئيس وتعطيل الكثير من سياساته.
وكان لافتا من النتائج، دخول مجلس النواب جيل جديد من الساسة نسبة عالية بينهم من النساء والأقليات العرقية والدينية، وكان بين الأسماء الأبرز أول نائبة مسلمة محجبة هي إيلهان عمر، المتحدرة من أصول صومالية، ولقد فازت بأحد مقاعد المجلس عن ولاية مينيسوتا، بأقصى شمال الولايات المتحدة.

توقع كثيرون من المتابعين والمحللين السياسيين أن تكون الانتخابات النصفية التي أجريت أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية استفتاء على سياسات الرئيس دونالد ترمب، وأسلوبه في العمل السياسي. والحقيقة، أن هذا الأمر ليس مفاجئاً في مسيرة أي رئيس لأن مثل هذه الانتخابات التي تأتي بعد سنتين من انتخابه لفترة أولى مدتها الدستورية 4 سنوات. غير أن الرئيس ترمب برز على المسرح السياسي في ظروف استثنائية، وشكّل فوزه في انتخابات الرئاسة قبل سنتين «هزة» بل انقلاباً في الفكر والممارسة على «المؤسستين» الحزبيتين الجمهورية والديمقراطية على حد سواء. والقصد هنا، أنه ليس سياسيا محترفاً، ولم يسبق له أن انتخاب قبل نجاحه ببلوغ البيت الأبيض لأي منصب سياسي.
كذلك، حقق ترمب مفاجأته على ظهر موجة شعبوية أثار فيها قضايا غير مألوفة، في مجالات منها الهجرة، وانتقال الوظائف إلى الخارج، والتعامل مع القطاعات الاقتصادية التقليدية كالمناجم والصناعات اليدوية، ناهيك من تبنيه مواقف متشددة إزاء قضايا اجتماعية كحقوق المثليين والأقليات ودور المرأة. ومن ثم، رصد قطاع لا بأس به من المحللين رد فعل الشارع إزاء هذه القضايا. ومما كان لافتا، قبل أيام، أنه في حين استطاع الرئيس الجمهوري أن يحتفظ لحزبه بالسيطرة على مجلس الشيوخ – بل ويعززها – فإن خصومه الديمقراطيين استعادوا السيطرة على مجلس النواب... وكانت النساء والأقليات في طليعة القوى التي قادت هذه السيطرة واستفادت منها. وكان بين ألمع «نجوم» هذه المحطة الاختبارية الناشطة الديمقراطية إيلهان عمر المتحدرة من عائلة صومالية مهاجرة إلى ولاية مينيسوتا، إذ باتت واحدة من نائبتين جديدتين مسلمتين تدخلان مجلس النواب الأميركي، مع الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، التي فازت في ولاية ميتشغان القريبة.

- مفارقات طريفة
في مسيرة إيلهان عمر، الكثير من المفارقات اللافتة، ليس أقلها أن ولاية مينيسوتا، التي تعيش فيها وباتت تمثل إحدى دوائرها في الكونغرس، ولاية باردة مناخياً كانت تقليدياً من الولايات التي استقر فيها باكراً المهاجرون الاسكندينافيون، الذين جاءوا من السويد والنرويج والدنمارك. وللعلم، من أحفاد هؤلاء كان نائب الرئيس الأميركي السابق والتر مونديل، المتحدّر من أصول نرويجية. وفي المقابل، تعيش النسبة الأعلى من الأميركيين الأفارقة في ولايات الجنوب الدافئة، إلى جانب استقرارهم في الضواحي الشعبية الفقيرة بالمدن الكبرى، سعياً وراء العمل.
ثم هناك مفارقة ثانية، هي أن مينيسوتا ولاية ليبرالية اجتماعياً. ذلك أن حتى «جمهورييها» محافظون اقتصاديا لكنهم ليبراليون اجتماعياً، بينما إيلهان عمر ليست فقط مسلمة، بل ومحجبة أيضاً.
أما المفارقة الثالثة، فهي أنها ورثت مقعدها في الكونغرس عن نائب مسلم هو كيث إيليسون، الذي بات أول مسلم يدخل مجلس النواب، والذي عزف عن الترشح من أجل خوض الانتخابات لمنصب النائب العام لولاية مينيسوتا، ثاني أهم منصب على مستوى الولاية (بعد منصب حاكم الولاية)، ولقد فاز بالمنصب فعلاً.

- بطاقة هوية
ولدت إيلهان عمر يوم 4 أكتوبر (تشرين الأول) 1981 في العاصمة الصومالية مقديشو، ونشأت في مدينة بيداوا (غرب الصومال). وهي الأصغر بين 7 أولاد لمعلم ومدرب اسمه نور عمر محمد الذي ينتمي لقبيلة الماجرتين، أما أمها فمن شعب الحَمَر (البناديريين) بوسط البلاد، ولقد توفيت عندما كانت إيلهان طفلة صغيرة. وبالتالي، تربت إيلهان في كنف أبيها وجدها - الذي كان مدير النقل البحري في الصومال - وأعمامها وعماتها، ومعظمهم كانوا يعملون في التدريس أو الإدارات الحكومية.
عام 1991، عندما اندلعت الحرب الأهلية في الصومال، اضطرت عائلة إيلهان إلى الفرار، ومن ثم العيش لمدة أربع سنوات في أحد معسكرات اللاجئين في جمهورية كينيا المجاورة. وفي العام 1995، هاجرت العائلة إلى الولايات المتحدة، وعاشت بداية في ولاية فيرجينيا، وتحديداً في أرلينغتون، إحدى ضواحي العاصمة الأميركية واشنطن.
غير أن العائلة سرعان ما انتقلت، في العام نفسه، إلى مدينة مينابولس، كبرى مدن ولاية مينيسوتا المتاخمة لكندا. وهناك انكبت على تعلم اللغة الإنجليزية التي أجادتها خلال ثلاثة أشهر. ومنذ نعومة أظفارها، أتيح لإيلهان بفضل تشجيع أبيها وجدها الاهتمام بالسياسة والمناقشات، وكانت تصحبها بغرض الترجمة خلال اللقاءات السياسية التي كانا يشاركان فيها منذ كانت في سن الرابعة عشرة.
أنهت إيلهان تعليمها الثانوي في مدرسة إيديسون هاي سكول المحلية في مينابولس، حيث نشطت في العمل التطوعي وصقلت مواهبها القيادية والاجتماعية. وبعد إنهائها المرحلة الثانوية التحقت بجامعة نورث داكوتا الحكومية، بولاية نورث داكوتا الصغيرة. ومن هذه الجامعة حازت عام 2011 درجة بكالوريوس الآداب في العلوم السياسية.
أما بالنسبة للمحطة المهنية الأولى لإيلهان عمر فكان كمرشدة اجتماعية لشؤون التغذية في جامعة مينيسوتا، بين العامين 2006 و2009. ولكنها بعد التخرج من الجامعة، تفرغت أكثر للنشاط السياسي، وتولت عام 2012 إدارة الحملة الانتخابية لإعادة انتخاب أحد الأعضاء الديمقراطيين في مجلس شيوخ الولاية، بجانب عملها بين 2012 و2013 منسقة لشؤون تغذية الأطفال في دائرة التربية والتعليم في مينيسوتا.
بعد ذلك، أدارت إيلهان الحملة الانتخابية لأحد المرشحين الديمقراطيين للمجلس البلدي لمينابولس عام 2013. وفي أعقاب فوز مرشحها، عملت كمساعدة استشارية له بين 2013 و2015. وخلال هذه الفترة ازدادت خبرة في العمل السياسي، وخبرت الجانب الآخر الأقل جاذبية والأكثر عنفاً، عندما هاجمها خمسة معتدين وألحقوا بها جروحاً في أحد الملتقيات السياسية الساخنة.
وبحلول سبتمبر (أيلول) 2015 صارت إيلهان مديرة شؤون السياسة والمبادرات في إحدى شبكات التنظيمات النسوية المهتمة بتشجيع النساء المهاجرات من شرق أفريقيا على الانخراط بالعملين السياسي والاجتماعي. وللعلم، فإن إيلهان أم لثلاثة أطفال من زواج سابق.

- البداية السياسية الحقيقية
غير أن البداية السياسية الحقيقية لإيلهان عمر جاءت عام 2016. عندما اختارها حزب العمال والمزارعين الديمقراطي – وهذا هو الاسم الرسمي لتنظيم الحزب الديمقراطي الأميركي في ولاية مينيسوتا – لتكون بين مرشحيه لانتخابات مجلس نواب الولاية. ويوم 9 أغسطس (آب) من ذلك العام تغلبت على منافسيها فيليز كان ومحمود نور. ومن ثم، واجهت في دائرتها المرشح الجمهوري عبد الملك عسكر، وهو مثلها متحدر من أصول صومالية، وكان أيضاً ناشطاً في أوساط الجالية الصومالية. غير أن عسكر انسحب من المعركة، وبالتالي، فازت إيلهان بالمقعد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، وعندما شغلته رسمياً يوم 3 يناير (كانون الثاني) 2017 باتت رسمياً أول صومالي ينتخب لعضو هيئة تشريعية في تاريخ الولايات المتحدة.

- ظاهرة الديمقراطيين الاشتراكيين
بروز السيناتور بيرني ساندرز، الذي هو السياسي الاشتراكي الوحيد في مجلس الشيوخ الأميركي، منافساً حقيقياً لوزيرة الخارجية السابقة على ترشيح الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة حمل مؤشراً سياسيا مهماً.
هذا المؤشر هو أن اليسار الأميركي أخذ يجد له أرضية واعدة في صفوف الناخبين الديمقراطيين، مثلما أخذ اليمين الشعبوي المتشدد أو اليمين الإنجيلي يلقى ترحيباً متزايدا في أوساط الناخبين الحزبيين الجمهوريين. والحقيقة أن ساندرز لم يكن عضوا في الحزب الديمقراطي، لكنه مع ذلك، ترشح للرئاسة آملاً أن يكون مرشحه... وحقاً نجح في الحصول على نسبة تأييد زادت على 40 في المائة في عدد من الولايات.
وفعلا، ازدادت هذه الظاهرة عمقاً وانتشاراً بعد فوز الرئيس دونالد ترمب بترشيح الجمهوريين للرئاسة، ثم فوز بمعركة الرئاسة نفسها، وإطلاقه برنامجه الرئاسي الراديكالي المناقض تماماً لسياسات سلفه باراك أوباما.
لقد أقنع فوز ترمب قطاعاً واسعاً من الديمقراطيين، ولا سيما من جيل الشباب، بأن «المواقف الرمادية» المعتدلة أو الملتبسة ما عادت تقنع ناشطي الحزبين الكبيرين، وأن التحديات السياسية والاقتصادية تحتاج لسياسات راديكالية قاطعة. وهكذا، خرج من الظل جيل من الشباب الحركيين في الحزب الديمقراطيين رافعين شعارات جديدة على المشهد السياسي خلال العقود لا تتردد في استخدام مصطلح الديمقراطية الاشتراكية.
إيلهان عمر، في مينيسوتا، من هذا الجيل «الاشتراكي» وكذلك زميلتها ألكسندريا أوكاسيو - كورتيز (29 سنة) التي باتت أصغر نواب الكونغرس الأميركي بعد فوزها، بالأمس، بأحد مقاعد ولاية نيويورك.

- سياسات راديكالية
إيلهان عمر، تعتز صراحة بأنها «ديمقراطية اشتراكية». بينما يصفها متابعو المشهد السياسي الأميركي المتسارع الإيقاع بأنها «نجم تقدمي صاعد»، وهي تتبنى السواد الأعظم للقوى اليسارية في الديمقراطيات الغربية، من تأييد حد أدنى للأجور، إلى حقوق الأقليات المثليين.
وبما يخص السياسة الدولية، يعرف عن إيلهان انتقاداتها لسياسات إسرائيل واعتبارها الحكومة الإسرائيلية «حكومة فصل عنصري»، وهاجمت غير مرة الصمت العالمي على القصف الجوي الإسرائيلي للأهداف المدنية. ومع هذا، خاضت إيهان الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي لتمثيل الدائرة الخامسة في ولاية مينيسوتا.
ويوم الانتخابات، التي أجريت في 6 نوفمبر الجاري، تغلبت إيلهان عمر بفارق كبير على منافستها الناشطة الجمهورية اليمينية جنيفر زيلينسكي، وفتحت لنفسها وللنساء وللمسلمين وللجاليات المهاجرة صفحة جديدة في بلد يفاخر بأنه بلد الفرص والنجاح لكل من يعمل ويجد.

- نتائج لافتة في الانتخابات النصفية
من أبرز النتائج التي سجلت في الانتخابات النصفية الأميركية يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري:
- رشيدة طليب (ولاية ميشيغان)... أول مسلمة تدخل الكونغرس الأميركي (ضمنت فوزها عملياً في وقت سابق، من دون منافسة)
- إيلهان عمر (ولاية مينيسوتا)... أول مسلمة صومالية وأول مسلمة أفريقية تدخل الكونغرس
- جاريد بوليس (ولاية كولورادو)... أول مثلي ميوله الجنسية معروفة ينتخب حاكماً لولاية
- إلكسدريا أوكاسيو - كورتيز (ولاية نيويورك)... أصغر نائب في الكونغرس (29 سنة)
- آيانا بريسلي (ولاية ماساتشوستس)... أول نائبة أفرو - أميركية في تاريخ الولاية
- ديب هالاند (ولاية نيومكسيكو) وشاريس دايفيدز (ولاية كنزاس)... أول نائبتين من أصول أميركية أصلية (من الهنود الحمر) في الكونغرس... والثانية أول مثلية من أصول أميركية أصلية
- كريس باباس (ولاية نيو هامبشير)... أول نائب مثلي ميوله الجنسية معروفة في تاريخ الولاية


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».