حتى الذين لا يحبون رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهم كثر، يعترفون بأنه «فنان» في الحفاظ على كرسي رئاسة الحكومة. فقد أصبح اليوم، ثاني رئيس حكومة من حيث مدة حكمه بعد مؤسس إسرائيل، ديفيد بن غوريون. وفي يوليو (تموز) المقبل، سيتجاوز بن غوريون ليصبح رئيس الحكومة صاحب أطول فترة في منصبه. فإذا كان الرئيس المؤسس قد أمضى 13 سنة و127 يوما، فقد أمضى نتنياهو حتى الآن، 12 سنة و239 يوما في رئاسة الحكومة. وسوف يطرح ديفيد عمسالم، رئيس كتل الائتلاف الحكومي وأحد رجالات نتنياهو المخلصين، مشروع قانون جديدا على الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) الأسبوع المقبل، هدفه ضمان أن يبقى نتنياهو رئيسا للحكومة لدورة إضافية. والمشروع عبارة عن تعديل لقانون رئاسة الحكومة الحالي، الذي يمنح رئيس الدولة صلاحية تكليف عضو في الكنيست بتشكيل الحكومة. حسب هذا القانون، يكلف رئيس الدولة بالمهمة، عضو الكنيست الذي يترأس الكتلة البرلمانية التي تفوز بأكبر عدد من المقاعد. ولكن هناك حيزا من حرية الاختيار عند رئيس الدولة. فهو يستطيع أن يكلف عضو الكنيست الذي يوصي به عدد أكبر من النواب. وهو يستطيع أن يلقي بالمهمة على نائب آخر من نفس الحزب، إذ كان هناك من سبب يجعله يفعل ذلك.
وقد أعلن نتنياهو في مطلع الأسبوع، أن هناك مؤامرة يتم نسجها بين وزير سابق في حزب الليكود، وهو حزب نتنياهو نفسه، لكي تتم الإطاحة بنتنياهو، حتى لو فاز بأكثرية.
وقصد نتنياهو بذلك وزير التعليم الأسبق، غدعون ساعر. وقصد أيضا رئيس الدولة الحالي، رؤوبين رفلين. وبدا أنه يخشى من السيناريو التالي: الليكود بقيادة نتنياهو يفوز بأكبر عدد من النواب. لكن رئيس الدولة لا يكلفه بتشكيل الحكومة، بحجة أن هناك لوائح اتهام موجهة ضده في قضايا فساد. ويلقي بالمهمة على غدعون ساعر.
ساعر نفسه صدم من الاتهام المباشر له. إنه لا يخفي بالطبع، نواياه ليصبح رئيس حكومة، ولكنه أعلن غير مرة، أنه سيسعى إلى هذا المنصب فقط بعد عهد نتنياهو. بل اعتزل الحياة السياسية قبل خمس سنوات، لكي يبعد أي شكوك حوله. وتزوج صبية وأنجب طفلين، وانتسب إلى معهد أبحاث الأمن القومي، أي إنه قصد أن يريح نتنياهو تماما. بيد أن هذا كله لم يطمئن نتنياهو، فأصر على التعامل معه كخصم من طرف واحد. وعندما بدأ ساعر يخطط للعودة إلى الحياة الحزبية تمهيدا للترشح لعضوية الكنيست في الانتخابات المقبلة، وبدأ يتحرك بين الجمهور ويستعيد التأييد، قرر نتنياهو أن يحطمه. فـ«كشف المؤامرة» علنا على الملأ. وأرسل رجاله في الكنيست لتعديل القانون. وبدلا من الانشغال في العودة إلى الكنيست، صار ساعر في خندق الدفاع عن النفس، يحاول أمام جمهور الليكود الدفاع عن نفسه والبرهنة على أنه غير متآمر.
هذه الطريقة ليست جديدة على نتنياهو. بل هي قديمة جدا. في سنة 1993، وهي المرة الأولى التي دخل فيها المعركة على رئاسة الحكومة، ظهر نتنياهو بشكل درامي على التلفزيون وهو يمسك بيد زوجته سارة، وطلب أن يكشف عن مؤامرة خطيرة تحاك ضده. وعندما تم تفعيل الكاميرات، توجه إلى زوجته وقال لها: «سارة أريد أن أعتذر لك أمام الجمهور. لقد خنتك ذات مرة». وقد بدا عليها أنها مصدومة. وظلت فاغرة فاها. وأما هو فقد تابع: «منافسي على رئاسة الليكود ينشرون بين الناس، إشاعات تقول إن لديهم شريط فيديو يوثق خيانتي لزوجتي، ويهددون بنشره حتى لا أنتخب رئيسا لليكود. وها أنا أظهر وزوجتي أمامكم وأعتذر لها بشدة، وأقول لهم إنهم فاشلون».
كان منافسه يومها ديفيد ليفي، والتصقت التهمة به. وسقط في الانتخابات الداخلية. وخرج من الليكود وأنهى حياته السياسية. وبقي نتنياهو على رأس الليكود. وأدار حملة تحريض دموي على رئيس الحكومة اسحق رابين، انتهت باغتياله. وفاز نتنياهو برئاسة الحكومة لأول مرة. وقد خسر الحكم بعد ثلاث سنوات لصالح إيهود باراك، لأنه عرقل مفاوضات السلام. إلا أنه عاد في سنة 2009 إلى رئاسة الحكومة، بعدما تم توجيه لائحة اتهام لرئيس الحكومة إيهود أولمرت بتهمة الفساد، أدت إلى حبسه في السجن 18 شهرا.
اليوم نتنياهو يقترب من إتمام عشر سنوات في الحكم، وتوجد ضده تحقيقات بالفساد أخطر بكثير من الاتهامات لأولمرت، وما زال رئيسا للحكومة، بل ويخطط لأن يمضي أطول وقت فيها ويسجل سابقة، أنه يحمل الرقم القياسي بين رؤساء حكومة إسرائيل. ليس هذا فحسب، إنما تشير كل استطلاعات الرأي إلى أن الجمهور في إسرائيل بغالبيته، يعطي نتنياهو علامات فشل وسقوط في مختلف المجالات من حيث إدارة الحكم، ومع ذلك، فعندما يسألونهم أي رئيس حكومة تختارون، لا يجدون سوى نتنياهو. صحيح أن غالبية هؤلاء الذين يرونه سيئا يجدون أن منافسيه أسوأ منه، إلا أن هناك أيضا شيئا ما يجذبهم فيه. فهو يبث روح القوة و«الفرتكة». الألاعيب التي يديرها ويوقع فيها خصومه الواحد تلو الآخر، تجعله في نظر كثيرين، «سوبر ستار» وليس مجرد رئيس حكومة. وهو بالمناسبة، لا يحتاج للحصول على أكثرية الأصوات. يكفيه الحصول على ربعها (25 في المائة) فقط، كما حصل في الانتخابات السابقة. يومها كانت الاستطلاعات تعطيه 24 مقعدا، فاخترع قصة ألهبت جمهور اليمين المتطرف تماما. كتب في حسابه على الشبكات الاجتماعية أن «العرب (يقصد فلسطينيي 48 الذين يمتلكون حق الاقتراع)، يتدفقون على صناديق الاقتراع بعدد كبير من الحافلات التي جرى تمويلها من الخارج، من قوى غربية معنية بإسقاط حكم اليمين». وقد هرع نشطاء اليمين إلى الصناديق يصوتون لليكود ولنتنياهو. وكسب بهذه الطريقة 6 مقاعد من حصص حلفائه في الائتلاف الحكومي، وخسر حزب المستوطنين يومها 4 مقاعد، وحزب ليبرمان مقعدا وحزب شاس الديني مقعدا آخر.
فهذه النسبة توفر له 30 مقعدا. وعنده 35 - 37 مقعدا آخر من أحزاب اليمين والمتدينين، ويكفيه هذا لتشكيل حكومة أكثرية قوية (مجموع النواب في الكنيست 120).
هذه هي مواهبه القيادية الأهم. وإذا لم يبكر موعد الانتخابات المقبلة، المقرر في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2019، فإنه سيتمم في يوليو المقبل، فترة من 13 سنة و127 يوما، مثل بن غوريون وأكثر، ويصبح رئيس الحكومة صاحب أطول مدة في الحكم في إسرائيل.
- رؤساء حكومات إسرائيل
> بنيامين نتنياهو هو رئيس الحكومة الإسرائيلية الثالث عشر، من حيث الترتيب الزمني، والثاني من حيث طول المدة في الحكم. رئيس الوزراء الأول، ديفيد بن غوريون، الذي يعتبر القائد المؤسس للدولة العبرية، خدم أطول مدة، على مرحلتين: الأولى منذ تأسيس إسرائيل في 14 مايو (أيار) 1948 وحتى 26 يناير (كانون الثاني) 1954، والثانية من 7 يناير (كانون الثاني) 1958 وحتى 26 يونيو (حزيران) 1963، ومجموع المرحلتين هو 13 سنة و127 يوما.
أما رئيس الوزراء الذي حكم أصغر مدة في إسرائيل فهو يغئال ألون، الذي كان نائبا لرئيس الحكومة عندما توفي ليفي اشكول، في 26 فبراير (شباط) 1969، وبقي ألون رئيسا للحكومة 19 يوما فقط. لتنتخب بعده غولدا مئير.
ويعتبر نتنياهو صاحب ثاني أطول مدة في الحكم، إذ يصل اليوم إلى 12 سنة و239 يوما. يليه إسحق شمير الذي حكم ست سنوات و241 يوما على فترتين (من 1983 - 1984) و(1986 - 1992). ويليه إسحق رابين 6 سنوات و130 يوما، وهو أيضا حكم على مرحلتين من 1974 إلى 1977 ومن 1992 حتى اغتياله في 1995، ثم مناحم بيغن 6 سنوات و112 يوما، من سنة 1977 وحتى سنة 1983 عندما دخل حالة اكتئاب وترك المنصب.
ليفي اشكول، الذي قاد حرب 1967 بقي في الحكم سادس أطول مدة: 5 سنوات و245 يوما، من 1964 وحتى 1969، تليه غولدا مئير: 5 سنوات و78 يوما (من 1969 - 1974). ثم اريئيل شارون: 5 سنوات و38 يوما (من 2003 وحتى 2006). إذ دخل في غيبوبة حتى الموت، ثم إيهود أولمرت: سنتين و351 يوما (2006 - 2009)، يليه شمعون بيرس سنتين و262 يوما (فيما بعد انتخب رئيسا للدولة لسبع سنوات).
وهناك رئيس حكومة خدم سنة و281 يوما هو موشيه شريت، وذلك في 1954 وحتى 1955، وكذلك إيهود باراك، سنة و244 يوما (1999 – 2001).