الاعتكاف سيد الموقف في العشر الأواخر من رمضان بمساجد القاهرة

آلاف المصريين يحرصون عليه ووزارة الأوقاف وضعت شروطا لحمايته

قيلولة رمضانية لعدد من المعتكفين داخل أحد المساجد بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
قيلولة رمضانية لعدد من المعتكفين داخل أحد المساجد بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

الاعتكاف سيد الموقف في العشر الأواخر من رمضان بمساجد القاهرة

قيلولة رمضانية لعدد من المعتكفين داخل أحد المساجد بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
قيلولة رمضانية لعدد من المعتكفين داخل أحد المساجد بالقاهرة («الشرق الأوسط»)

رغم ظروف اقتصادية صعبة وقلاقل أمنية تطل برأسها بين وقت وآخر، فإن الاعتكاف بالمساجد هو سيد الموقف الرمضاني في الثلث الأخير من الشهر الكريم، حيث تشهد مساجد القاهرة الكبرى إقبالا من المعتكفين، ولسان حالهم يتعجب: كيف انتهى الشهر الذي بدأ لتوه، كيف مر بسرعة الرياح، ولم يبق منه سوى الثلث الأخير.
ويحرص كثير من المصريين على الاعتكاف بالمساجد في العشر الأواخر من رمضان، باعتبارها سنة مؤكدة، لها نفحات إيمانية خاصة. وتكتظ المساجد في الأحياء الراقية والشعبية بالمعتكفين من الرجال والنساء والشيوخ والشباب، خاصة في الليالي المفترجة، مثل ليلة القدر، و«تشغي» المساجد بتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، في جو رمضاني مفعم بحلاوة الإيمان.
ويقول شيخ مصطفى عبد الرءوف إمام مسجد السلام بضاحية حي مدينة نصر: «ما إن ينقضي ثلثا الشهر الكريم حتى تبدأ حالة الطوارئ، كما نسميها، تغلب على أعداد المصلين. وذلك لشعورهم بأن الشهر انقضى بسرعة فهو أيام معدودات، وتبدأ أعداد كبيرة في التوافد على المساجد للاعتكاف فيه طيلة العشر الأواخر حاملين أمتعتهم على ظهورهم تاركين كل همومهم ومشاكلهم، ضارعين إلى الله في هذه الليالي المفترجة».
يضيف الشيخ عبد الرءوف «الاعتكاف له سماته الروحانية المميزة، التي تخيم على أجوائه من خلال صلاة القيام (التهجد) وصلاة التسابيح، والتراويح، وقراءة القرآن، أيضا المجالس الدينية التي يختلف مذاقها عن أي يوم عادي من أيام السنة، فهنا القلوب حاضرة وخاشعة ويملؤها الشعور بالإيمان والرغبة في مزيد من التقرب إلى الله».
وتهتم بعض المساجد التي تستقبل أعدادا كبيرة من المصلين بالعمل على توفير كل سبل الراحة لهم، كذلك التحقق من شخصية بعض المعتكفين الذين يحبذ أن يكونوا من سكان المنطقة، مع وجود بعض اللوائح التي يهتم إمام المسجد بالالتزام بها. وكما يقول مصطفى عبد الرءوف: «أعداد المعتكفين في العشر الأواخر من كل عام تكون كبيرة جدا ونظرا لحرص إدارة المسجد على توفير سبل الراحة والأمان للمصلين فإننا نحرص على التحقق من شخصية بعض المعتكفين الذين يأتون من مناطق أخرى بعيدة، وذلك حرصا منا على سلامة وأمان جميع المعتكفين الذين يصبح المسجد هو بيتهم طيلة فترة الاعتكاف». ويضيف الشيخ مصطفى: «تحرص بعض المساجد على وضع لوائح أو شروط للاعتكاف ليس الهدف منها تعكير الصفو ولكن للحفاظ على الآداب العامة، ومراعاة للظروف الأمنية التي تشهدها البلاد، ومنها أن يكون المعتكف من سكان المنطقة التي يوجد بها المسجد، وأن يكون معروفا بأداء الصلوات الخمس، وأن يحافظ على روحانيات المسجد، وأن يكون الاعتكاف مسؤولية إمام المسجد، وألا تقام ندوات أو مجالس علم إلا تحت إشراف إدارة المسجد، لرعاية المعتكفين، وتوفير الجو الملائم لهم».
ووضعت وزارة الأوقاف المصرية شروطا لأداء الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، ومنها أن يكون الاعتكاف بالمسجد الجامع، وأن يكون الاعتكاف تحت إشراف إمام من أئمة الأوقاف أو واعظ من وعاظ الأزهر الشريف أو خطيب مصرح له من وزارة الأوقاف تصريحا جديدا لم يسبق إلغاؤه، حيث رصدت الوزارة قوائم بأسماء المساجد الجامعة التي يقام بها الاعتكاف وعددها 3300 مسجد وأسماء أئمتها المشرفين على الاعتكاف وأرقام هواتفهم وأرقام بطاقاتهم الشخصية الخاصة بهم بعد ترشيح الإدارات لهم، وسرعة الاتصال بهم، لأنهم مسؤولون وظيفيا عن المعتكفين الذين غالبا ما تكون أعدادهم كبيرة وتقدر بالمئات خاصة في المساجد الشهيرة بالعاصمة التي يحرص عدد كبير من سكان مناطقها على الاعتكاف بها.
ويعلق كريم السباعي أحد المعتكفين بمسجد نور اليقين بضاحية حي مصر الجديدة على شروط وزارة الأوقاف قائلا: «لا شك أن مثل تلك اللوائح تأتي حفاظا على أمن المصلين وعلى روحانيات تلك الأيام المفترجة ولكن بشكل عام هي تستهدف المساجد الكبيرة التي يصل أعداد المعتكفين فيها إلى المئات، ولكن في المساجد الصغيرة تكون الأعداد قليلة بالعشرات.
ويوضح كريم: «أنا من سكان الحي وأحرص على الاعتكاف في المسجد كل عام منذ أربع سنوات، فالبيئة الإيمانية ترفع من روحانيات الشهر الكريم. كما أن فضل تطبيق سنة الاعتكاف وثوابها كبير جدا ونحن هنا ينقضي يومنا بين الصلاة وتلاوة القرآن، وحضور مجالس العلم التي تكون مختلفة تماما عن أي يوم آخر من أيام السنة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».