دار ابن لقمان... متحف شاهد على هزيمة لويس التاسع في مصر

أُسر فيه ملك فرنسا عام 1250

لوحة لمعركة المنصورة بين جنود الحملة الصليبية والأهالي («الشرق الأوسط»)
لوحة لمعركة المنصورة بين جنود الحملة الصليبية والأهالي («الشرق الأوسط»)
TT

دار ابن لقمان... متحف شاهد على هزيمة لويس التاسع في مصر

لوحة لمعركة المنصورة بين جنود الحملة الصليبية والأهالي («الشرق الأوسط»)
لوحة لمعركة المنصورة بين جنود الحملة الصليبية والأهالي («الشرق الأوسط»)

على مقربة من جسر معدني قديم فوق نهر النيل (فرع رشيد)، يقع متحف المنصورة القومي، أو «دار ابن لقمان»، في زاوية متسعة من شارع بورسعيد، الذي يتوسط مدينة المنصورة (شمال القاهرة)، والتي يلقبها البعض بـ«عروس الدلتا المصرية» نظراً إلى موقعها المميز، وتاريخها العريق وتفوقها في مجال الطب. دار ابن لقمان تبدو من الخارج بيتا عادياً لولا جلوس أفراد عناصر الشرطة المصرية خارج بوابتها المعدنية، بالإضافة إلى إشارة إحدى اللوحات إلى اسم الدار وأهميتها.
بُنيت دار ابن لقمان على الطراز العربي القديم، المكون من السلاملك وهو سكن الرجال، والحرملك وهو سكن النساء. وتنقسم الدار حالياً إلى جزأين: الأول عرض متحفي، يعرض لوحات زيتية تاريخية وقطعاً أثرية نادرة، والثاني جزء من دار ابن لقمان الأثرية، التي أُسر فيها لويس التاسع، حاكم فرنسا، وقائد جيوش الحملة الصليبية على مصر عام 1250م بعد هزيمته في «معركة فارسكور». يعاني المتحف حالياً من تجاهل الكثير من الزوار، ومواطني محافظة الدقهلية، فبينما كانت قاعاته خالية من الزوار، فإن عدد الموظفين كان كبيراً جداً. ويرجع سبب عزوف الزائرين إلى قلة معروضات المتحف وعدم تطويره منذ سنوات طويلة، أو ضم قطع أثرية جديدة إليه، حسب وصف صالح محمد، أحد مواطني محافظة الدقهلية.
وتضم قاعة العرض الرئيسية بالمتحف، الذي افتتحه الرئيس جمال عبد الناصر إبان فترة الستينات، لوحات زيتية لخريطة الدلتا المصرية، لشرح خط سير الحملة الصليبية داخل مصر عبر نهر النيل (فرع رشيد)، حتى وصولها إلى مدينة المنصورة واشتباكها مع الأهالي الذين أعدوا لهم كميناً داخل شوارع وأزقة المدينة. وواجه الأهالي جنود الحملة الصليبية بأدوات حديدية زراعية بسيطة من بينها الفأس، وهو ما تبرزه إحدى اللوحات بوضوح، حيث تبيِّن فلاحاً مصرياً يخنق جندي فرنسي، بالإضافة إلى مشاهد من معركة شعبية محتدمة انتهت بفوز المقاومة الشعبية على جنود الحملة، وطردهم من المدينة.
وتبين لوحة أخرى خريطة هروب جنود الحملة الفرنسية بعد أسر عدد كبير من أفرادها داخل المنصورة، وتوضح النقطة التي تم فيها حصار الجنود الفرنسيين شمالي مدينة المنصورة، حيث تم اقتياد لويس التاسع إلى المدينة واحتجازه بهذه الدار.
أحمد السعدني، مشرف آثار بالمتحف قال لـ«الشرق الأوسط»: «قاعة العرض المتحفي الرئيسية تضم قطعاً أثرية عسكرية استُخدمت خلال المعارك، مثل السيوف المتنوعة، والزي العسكري الواقي، بجانب خوذة معدنية لحماية الرأس من الضربات». وأضاف: «المتحف الذي افتتحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يضم تمثالاً نصفياً له، بجانب تماثيل أخرى لبعض أعلام مصر، والتي صنعها عدد متنوع من الفنانين المصريين».
في الجزء الثاني من دار ابن لقمان الأثرية، والتي تُنسب إلى قاضي المدينة في ذلك الوقت القاضي المصري إبراهيم بن لقمان، يوجد الجزء الذي احتُجز فيه لويس التاسع، قائد الحملة الصليبية على مصر، وهو على حالته حتى الآن، بنوافذه وسقفه الخشبي.
ووضع المسؤولون عن المتحف تمثالين في هذا الجزء لمحاكاة ما كان يحدث بعد أسر لويس التاسع داخل دار ابن لقمان، حيث قاموا بوضع تمثال للويس وهو يجلس على كرسي، ويطيل النظر في الفراغ للبحث عن مَخرج من الورطة التي وضع نفسه فيها، وخلفه كان يقف خادم مصري لتلبية احتياجاته داخل الأسر، في إشارة إلى معاملته بشكل جيد وكرم من المصريين. ويحظى هذا الجزء باهتمام كل الزوار، لا سيما أنه يحتفظ بشكله الأثري رغم مرور كل تلك القرون على إنشائه، وفق تعبير أحمد السعدني، مشرف المتحف.
وأوضح السعدني أن «لويس التاسع ظل في محبسه هنا حتى جاءت زوجته من فرنسا ودفعت فدية كبيرة للإفراج عنه، وهو ما تم توثيقه بلوحة زيتية كبيرة داخل قاعة العرض المتحفي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».