رشيد الضعيف لـ«الشرق الأوسط»: لم تعلمني والدتي كيف أكون مواطناً

بعد فيلم «غود مورنينيغ» تطلّ رواية «خطأ غير مقصود»

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف
TT

رشيد الضعيف لـ«الشرق الأوسط»: لم تعلمني والدتي كيف أكون مواطناً

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف

رواية جديدة للأديب اللبناني رشيد الضعيف، تحمل عنوان «خطأ غير مقصود» تبصر النور قريباً. وهي استكمال لما بدأه في روايته الجريئة «ألواح» التي فيها بوح والتقاط لحظات هاربة من عمر مضى، أو من عمر متخيَّل.
المؤلَّف الجديد أشبه بشذرات من سيرة ذاتية، فيه الكثير من الكشف والمصارحة أيضاً. ويقول رشيد الضعيف في حديث لنا معه إنه هذه المرة، ذهب إلى أبعد مما قرأناه في «ألواح» حيث يتابع: «القصّ حول أمور حدثت بالفعل، لكن أيضاً عن أمور أخرى لم تحدث، لكنها لو حدثت لكان حدوثها كما وصفتُه. وأخبرت فيها عن أمور أخرى كنت أتمنّى أن تحدث كما أخبرتها».
هذه اللقطات من حياته أو ما يُفترض أنها حياته التي وزعها رشيد الضعيف على كتابين، هل ستسد الباب مستقبلاً أمام كتابة سيرة ذاتية مكتملة؟ «لا أعرف إذا كان بمقدور المرء أن يكتب سيرته. فعندما يتحول أي حدث إلى نص يصبح نصاً يخضع لشروط الكتابة».
هو روائي مثير للجدل، لا شك. ثمة من يرى في كتاباته جرأة وجرعة حرية مطلوبة لكسر المحظور، وهناك من يتهمه بالبذاءة والابتذال. وتجد من يعتبر رواياته متعة للقراءة بفضل سلاستها، ومن يرى فيها نصوصاً سهلة لا تستحق الوقت الذي يُهدر في قراءتها. وفي كل الأحوال فإن الأديب لا يزعجه أن تتنوع الآراء حوله، وأن يختلف القراء والنقاد في تقييم نصوصه، ويمضي في إصدار مؤلفاته التي وصلت إلى ما يقارب العشرين، حيث تجد لها طلاّبها في العربية والراغبين في ترجمتها إلى لغات العالم، حتى أصبح له كتب في 14 لغة بينها الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية والبرتغالية وحتى الفيتناميّة.
البدايات كانت مع الشعر، لكنه لم يجد في القصائد غايته وذهب إلى كتابة روايات تنبش في طبقات الذات، وأخذ يتنقل في الموضوعات والأساليب ويخوض غمار الرواية التاريخية، ومن ثم عالم السينما مع المخرج بهيج حجيج، حيث كتب قصة فيلم «غود مورنينغ» ومن ثم تعاون مع مخرج الفيلم على كتابة السيناريو وخرج العمل قبل أيام إلى الصالات. الفيلم يروي حكاية مسنَّين اثنين تخطيا الثمانين من العمر، وهما متقاعدان يذهبان كل يوم إلى نفس المقهى، ويتسليان بحل الكلمات المتقاطعة لتقوية الذاكرة وتنشيطها. وهما إذ يقومان بهذه التمارين اليومية لإبعاد شبح النسيان، يقرآن وهما يجلسان في الشارع، هموم المدينة والناس والمآلات، وكيف انتقل البلد من حال إلى حال. العمر المديد يشغل حيزاً من روايات عديدة كتبها رشيد الضعيف مثل بطليه في «ألواح» أو «أوكيه مع السلامة» ذلك لأن هذه الشريحة التي تقدمت في العمر، كما يقول، «باتت مهمة جداً في المجتمع اللبناني، وهي أيضاً فئة فعالة ونشيطة، تشمل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومديري بنوك وأساتذة جامعات، لذلك على الأدب أن يضيء على هذا الواقع الذي بات يفرض نفسه».
رغم أن الأنا هي الطاغية في كتابات رشيد الضعيف فإنها أحياناً مخادعة، ولا تعدو أن تكون وسيلته للقصّ الأقرب إلى مزاجه. «لا أعرف على وجه التحديد عما أحب أن أكتب. ربما أنني أكتب ما يؤلمني، وأكتب عمّا أعتبره مبادئ أخلاقية أساسيّة تحكم سلوكنا في يومياتنا وفي السياسة ويجب مساءلتها وإلقاء الضوء عليها بقوّة وبلا خجل. الأم، مثلاً، في ثقافتنا هي الحنان والحب والتضحية. أحاول أن أقول: إن هذا لا يوصلنا إلى فهم واقعنا. الأم كائن مركب، وهي لا تُختزل بالحب والحنان فقط لأن كل الميكروبات التي تمنعنا من بناء وطن ومواطن ومؤسسات نقلتْها لنا أمهاتنا وآباؤنا. لم تعلمني والدتي، على سبيل المثال، كيف أكون مواطناً، كيف يمكن أن أتزوج من امرأة من دين أو طائفة أخرى. كل هذه الأمور تمنعنا من بناء دولة. الأم تؤنّب ابنها ربما، حين لا يقوم بواجب ديني، لكنها لا تفعل الشيء نفسه حين يرمي ورقة في الطريق». يطرح رشيد الضعيف أسئلته على الأمومة والأبوة والصداقة، والأخلاق الأساسية التي تحكم سلوكنا خصوصاً تلك التي تُبنى عليها سياساتنا كدول.
يعترض الضعيف بقوة حين نلفته إلى أن ثمة من يعتبر أنه هو آخر من يحق له أن يتكلم عن الأخلاق لأنه جعل المحظورات جزءاً من ثيماته الأثيرة في رواياته، ويجيب: «لا مشكلة عندي في أن أُنتقد بسبب ما أكتب، هذا موضوع آخر. الأخلاق التي تعنيني هنا هي المواطنة الصالحة التي نحتاج إليها كي نبني مجتمعاً يتسع لنا جميعاً. أما عن خياري في الكتابة، فأقول دائماً إن الكتابة نوعان: هناك الرواية (الفصحى) التي يختارها الأب لابنته وينصحها بقراءتها، وأنا لا أكتب هذا النوع. وهناك رواية أسمّيها (الرواية الدنيا)، وتتناول أمور حياتنا المنخفضة، وهذا ما أكتبه أحياناً. بهذا المعنى فإن كثيراً من كتبي لا تُقرأ في الساحات العامة. فما يُقرأ وسط العموم، يبدو لي غالباً، أنه يساير السائد وأقرب إلى البروباغندا».
يرى رشيد الضعيف أن ما كل ما يُكتب وُجد ليقرأه كل الناس، فمجتمعاتنا تمارس الكثير من النفاق، ومن واجب الكاتب أن يضيء على ما يرى ويشاهد، وهو ما قد يزعج البعض. فليس الهدف في النهاية عند كسر المحظورات أو تجاوز الخطوط الحمراء هو الإثارة «أنا لا أكتب مشاهد تستدعي الإثارة. ذلك أن هذه الأمور تأتي في نصوصي لأن لها وظيفتها، ومن دون ذكرها لا يمكن للرواية أن تكتمل. ليس من أدب في العالم ليس فيه مشاهد من هذا النوع».
يذكر أديبنا وهو يتحدث عما تمتلئ به كتب الأدب العربي من كلام عن العشق والغلمان والجواري، يمر على أشعار عمر بن أبي ربيعة، وامرئ القيس. يقول: إنهم «كانوا يكتبون بحرية وبلا خجل. كتاب الأغاني يستخدم مفردات (فجة) ما عدنا نستطيع الإتيان على ذكرها. العرب في عزّ مجدهم، يوم كانوا يحكمون الدنيا، كانوا أحراراً. وأنا حين أكتب بهذه اللغة، إنما أستوحي من الناثرين العرب الكبار ومن الشعراء. فأهم شاعر عربي هو أبو نواس. وأنا أكرر دائماً بأن من يجد في كتابي جرأة لا يحتملها أنصحه بألا يقرأه. فواحد من أكثر الكتب المقروءة بالعربية هو (ألف ليلة وليلة)، ومع ذلك لا يُعلّم في المدارس ولا الجامعات، ويحاولون محاصرته، لكنه موجود».
الأسلوب الحيادي الذي غالباً ما نلحظه في روايات رشيد الضعيف لا يأتيه عفو الخاطر، فكل قصة لها ما يناسبها. «رواية (أهل الظل) هي قصيدة في رواية أو رواية في قصيدة. وروايتي (ألواح) لغتها ليست حيادية على الإطلاق. وحين نقرأ (معبد ينجح في بغداد) ندخل إلى مكان تعبيري آخر. اللغة في نصوصي متوارية خلف الحدث، لغة شفافة نرى عبرها ما نريد قراءته. لكن مرات أخرى لا تكون كذلك. فاللغة أحياناً، تصبح شخصية من شخصيات الرواية، أعمل عليها بعناية. في (تقنيات البؤس) لم أستعمل أي فعل لا يمكن تصويره أو تجسيده. لم أستعمل كلمة تذكّر أو فكّر. لم أستخدم أحبّ أو كره. كنت أسعى إلى تلمس نمط وجود الخوف بدل أن أستعمل الفعل خاف مثلاً. كأن أقول (خرج من بيته، تلمّس حبة الأعصاب في جيبه، تدفقت الدماء إلى صدغيه...)، هنا اشتغلت على اللغة بهذا الشكل. فلكل أسلوب وظيفة ولكل حدث أسلوب ولكل حالة أسلوبها».
منذ البداية كان يشعر بحاجة إلى الخروج من البلاغة الغبية، متيقناً أن اللغة العربية قادرة على استنباط بلاغات حديثة. أما سهولة الأسلوب وسلاسته في الروايات «فهذا ليس لأنني لا مبالٍ أو أميل إلى الخفة، بل بالعكس لأنني أبذل جهداً كبيراً في سبيل هذه الغاية. فالهدف أن يشعر القارئ بقدرة على قراءة الرواية بيسر. وأنا أعمل على التشذيب والحذف، والمراجعة لأصل إلى لغة تبدو للوهلة الأولى شديدة البساطة».
يبدو لك أن رشيد الضعيف الذي ينشر كتبه الأدبية منذ ما يناهز الأربعين سنة، من يوم أصدر مجموعته الشعرية «حين حلّ السيف على الصيف»، هو من المرّاس في الكتابة بحيث يحتفظ بمسافة مشغولة أيضاً كأسلوبه ولغته، بين شخصه وما يكتب، فبقدر ما يبدو جاداً يستطيع أن يصبح ساخراً في نصوصه، ومع أنه يوهمك ببساطة الجملة يشرح لك كم أن الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج إلى تفكير ونحت وتخطيط. وهو جريء حقاً، وغالباً ما يثير تساؤلات حول موضوعات يكتب عنها، إلا أنه يعترف بأنه في الحياة خجول، وأن الأمر في الكتابة يستدعي منه الكثير من الإقدام والثبات، لا بل والثقة بالنفس. وهنا يتسلح بقول عربي قديم يقول: «من ألّف استهدف»، أي وضع نفسه هدفاً (أما المعنى الآخر الشائع فهو وضع لنفسه هدفاً).



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.