«الشرق الأوسط» في مهرجان قرطاج السينمائي (2): «قرطاج» ينطلق بنجاح رغم ضعف فيلم الافتتاح

المهرجان يعيد تأكيد دوره في ثقافة السينما العربية

من فيلم نرجس النجار «بلا وطن»  -  المدير العام لمهرجان قرطاج نجيب عياد
من فيلم نرجس النجار «بلا وطن» - المدير العام لمهرجان قرطاج نجيب عياد
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان قرطاج السينمائي (2): «قرطاج» ينطلق بنجاح رغم ضعف فيلم الافتتاح

من فيلم نرجس النجار «بلا وطن»  -  المدير العام لمهرجان قرطاج نجيب عياد
من فيلم نرجس النجار «بلا وطن» - المدير العام لمهرجان قرطاج نجيب عياد

«بالأرقام: تعرض الدورة هذا العام ما مجموعه 206 أفلام تم اختيارها من بين 800 فيلم». هذا ما قاله مدير عام «أيام قرطاج السينمائية» نجيب عياد، في حفل افتتاح الدورة الثانية والستين من المهرجان. وأضاف في ما بعد شكره أولاً للجمهور الذي «يواكب المهرجان عاماً بعد عام». كما شكر وزارة الداخلية التي أمّـنت سلامة الحاضرين بعد أيام قليلة من حادثة التفجير الإرهابي الذي وقع في شارع بورقيبة، على بعد خطوات من مركز المهرجان وبعض الصالات، ملاحظاً أنه لم يقم أي ضيف بإلغاء دعوته بناءً على ذلك الحادث.
بطبيعة الحال صفق الحضور لهذه الكلمات، معبّـرين، بحضور رئيس الجمهورية وعدد كبير من الوزراء والرسميين، عن تأييدهم لما يمثله هذا المهرجان العتيد من قيمة وطنية وثقافية وإعلامية.
- استعادة
يأتي كل ذلك في وقت بات توقف بعض المهرجانات العربية الكبرى وهدوء، إن لم يكن فتور بعضها الآخر، يثير علامات تعجب بين الحضور. هل كان من الضروري جداً إلغاء تلك المهرجانات أو إيقافها؟ وما المهرجان المقبل الذي سيتم فصله عن المسار الثقافي في حياتنا العامة؟ وكيف يمكن لما تبقى من مهرجانات عربية داخل العالم العربي أن يستمر من دون اضطراره إلى التوقف فجأة؟
الملاحَظ في مقابل هذا الغياب لبعض أهم مهرجاناتنا العربية أن مهرجانات أخرى تقدمت لتحتل الصدارة وبجدارة. مهرجان الجونة على سبيل المثال، الذي كان قد انطلق العام الماضي لأول مرّة، أكّـد حضوره كأحد أهم المهرجانات العربية اليوم عندما أُقيمت دورته الثانية في سبتمبر (أيلول) الماضي. مهرجان القاهرة يستعيد هذا العام زخمه الذي فقده ويتولى معالجة مصاعبه المتوالية عاماً بعد عام، واعداً بأن الدورة الجديدة ستكون إحدى أفضل دوراته قاطبة.
أما مهرجان قرطاج السينمائي فهو نموذج للمهرجانات العربية الناجحة. هو الأقدم بينها والأكثر استمراراً. انطلق واعداً في ستينات القرن الماضي. استمر قوياً في السبعينات والثمانينات أيضاً. خفّ ثقله في التسعينات وجزء من مطلع هذا القرن ثم استعاد حالياً قيادته كمهرجان وحيد من نوعه في العالم. مهرجان يجمع بين سينماتين جديرتين؛ واحدة عربية والأخرى أفريقية.
وهذا، لا بد من القول، يعود إلى تشجيع حكومي وشعبي كبير. بتنا، نحن النقاد ومحترفي السينما، لا يمكن لنا أن نتصوّر أن هناك حياة سينمائية في العالم العربي من دون مهرجان قرطاج الذي كان قد نفض عنه منظومة الوجود مرّة كل سنتين وتحوّل إلى فعل سنوي في الوقت المناسب ليواكب مهرجانات عربية قوية أخرى مثل دبي وأبوظبي والقاهرة. وفي الوقت المناسب أيضاً، ومع غياب هذين المهرجانين وتراجع الهالة الكبيرة لمهرجان مراكش عما كانت عليه حين انطلق لأول مرّة قبل أكثر من عشر سنوات، قاد نجيب عياد المهمّـة الصعبة بنجاح وهو الذي كان سابقاً ما تولى مهرجاناً ناجحاً (وإن لم يكن بحجم قرطاجة أقيم في مدينة سوسة التونسية واختص بالأطفال والناشئة).
- محن متوالية
فيلم الافتتاح كان «بلا وطن» لنرجس النجار (شوهد في مهرجان برلين). حكاية تلك المرأة المغربية التي تعيش على الحدود مع الجزائر منذ أن تم طرد عائلتها (من بين نحو 40 ألف عائلة مغربية) من الجزائر قبل سنوات مديدة. تم ترحيلهم فسكن كثير منهم في تلك البقاع، وبعضهم، كما بطلة الفيلم «هانية»، تعاني من فقدانها الصلة مع والدتها المغربية ومن تبعية الحياة في الفقر والعوز كما من فقدانها هوية الانتماء. فوق ذلك هي لا تملك لا وثيقة هوية مغربية ولا وثيقة هوية جزائرية.
بعد ذلك هي امرأة شابة، ورغبت المخرجة المغربية وكاتبة سيناريو الفيلم الحديث عن أوجه أخرى لتلك المعاناة. والدها كان قد اختفى وهناك امرأة ربّتها فعاشت صباها وهي تحلم بالتسلل إلى الجزائر لولا أن الحدود مراقبة بشدّة.
إلى هذا الوضع يتم إدخال محنة أخرى: تضطر إلى الزواج من رجل عجوز أعمى (شقيق المرأة التي اعتنت بها) ثم تضطر إلى الخضوع لتعذيب ابنه الذي يتركها بعد حين ويعود إلى زوجته الفرنسية.
قبل ولوج كل هذا المنحى من الأحداث كان الفيلم قد بدأ يتحوّل من حكاية ذات أهمية فعلية عن وضع المرأة ومأزق الحياة بلا وطن (وهو وضع تناوله فيلم مغربي آخر قبل سنتين أو ثلاث) إلى دراما من تلك التي تعمد إلى تراكمات العاطفة الموجهة مباشرةً إلى مغازلة المشاهدين.
المخرجة النجار تخفق في توحيد قضيتها والتركيز عليها جيداً. تراها تريد الحديث عن اغتصاب الهوية والشخصية، ثم الأنوثة والمستقبل على نحو يخلو من فن توفير الشكل المناسب بخلو الفيلم من قدرة الشخصية على المواجهة معظم الوقت. بالتالي، التعاطف الحاصل من بعضنا شعوري، لكنّ ذاك الذهني والفكري غائب.
تقوم المخرجة بتصوير شخصياتها (خصوصاً «هانية» كما تؤديه الغالية بن زاوية) بسلسلة متعاقبة من اللقطات القريبة. تأثير ذلك يضمحل سريعاً. ما يبقى ماثلاً (خصوصاً في النصف الأول) تلك المشاهد المصوّرة جمالياً. مشاهد طبيعية تدمجها المخرجة مع الوضع الذي تقدّمه جيداً. بعد ذلك هي حكاية تصلح لعمل تلفزيوني مبرمج الأحداث التي تتوقعها في الكثير من الأحيان.
«صوفيا»، ومن المغرب أيضاً، هو فيلم آخر حول وضع نسائي. أخرجته مريم بنمبارك بإيمان مطلق، وابتعد عن العاطفة المباشرة التي أساءت للفيلم السابق. لدى بنمبارك وضوح لما تريد تنفيذه وكيف. فيلمها جيد الصنعة، أسلوباً وسرداً وتصويراً. لديها ثقة كبيرة بما تود القيام به حتى وإن لم تنجز المفاد المرغوب جيداً.
بطلتها (مها علمي) حامل من دون زواج من رجل أعمال تعرّف على العائلة من خلال والدها (فوزي بن سعيد) الذي يود إبرام اتفاق عمل مغرٍ مع ذلك الرجل. وابنة خالتها لينا (سارة برليس) هي من ستقوم بمساعدتها في هذه المحنة لكي تلد من دون أوراق رسمية و-في البداية- من دون علم العائلة.
تدّعي صوفيا أن الشاب الفقير عمر (حمزة خفيف) هو الذي أغواها فتتجه العائلة الأولى إلى أهل الشاب لرتق الوضع. مسألة أن يوافق عمر على الزواج من صوفيا علماً بأنها كذبت على أهلها حين ادّعت أنه هو الأب مسألة تبدو بعيدة عن المنطق لكنّ المخرجة تمضي قدماً في هذا الاحتمال قبل أن تكشف صوفيا للجميع أن عمر لا علاقة له وأن أحمد هو الذي اغتصبها ذات يوم جاء في زيارة في غياب أهلها.
هناك قدر من نقد ازدواجية المعايير والنفاق الاجتماعي لدى العائلة البرجوازية التي تكتشف كامل الحقيقة لكنّ ذلك لن يغيّر موقفها، خوفاً من أن تخسر رجل الأعمال وعقده. هذا الصيد السهل غير مقنع بالطريقة التي تم تنفيذ الفيلم بها. في الوقت ذاته، نجد المخرجة لا توفر العائلة الفقيرة من النقد أيضاً، فعمر تزوّج ليحسّن وضعه الاجتماعي عالماً بأنه ليس أبا الطفلة المولودة، وأمه تطمح في الثراء وشقيقته تمعن في الغيرة. لا يبقى شيء من نقد الفوارق الطبقية إذا كان الجميع بلون سلبي واحد.
إنه توليفة جامعة من النقد الموجّه إلى الجميع مع العلم بأن المخرجة لا توفر لبطلتها المبررات اللازمة لوقوفنا معها؛ فهي تكذب وتدّعي وفي النهاية تكشف عن أنها خير من ينتقم بالحيلة والدهاء كما لو أن هذا هو المطلوب أو الطريق الوحيد لمعالجة وضعها. حين تكذب تؤذي صوفيا كل من حولها، ثم علينا أن نقبل نقدها لوالديها وخالتها عندما يواجهونها. إلى ذلك، لا يؤدي الحوار ضرورته في وسط تجاذب المواقف وتبدو كما لو كانت نصاً مع وقف التنفيذ وإلا لكانت النساء اللواتي في السجون أكثر ممن خارجه.
كلا الفيلمين («بلا وطن» و«صوفيا») لديه مشكلة مع الرجل. هو شيء عندما يُراد نقد مجتمع ذكوري يحكم بأخلاقياته ومواقفه، لكنه شيء آخر عندما يبدو كل الرجال أشراراً وعاجزين عن الفعل الصحيح. في «بلا وطن» الأب يهرب من مسؤوليته، والأعمى تائه، وابنه كاذب ومستغل. في «صوفيا» عمر يقبل ما لا يجب القبول به، والنقد يطال الأب ورجل الأعمال.
بعض المواقف في هذا المنحى ضروري، وإلا لما كان هناك داعٍ للحكاية، لكنه وضع الاختيار السهل. الجيدون من الرجال قد يخطئون أيضاً والنساء بدورهن، ما يجعل المسألة في نهاية المطاف مزاجية وساذجة.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».