تونس تحت هاجس «الخلايا الإرهابية النائمة» مجدداً

إثر الهجوم الانتحاري الأخير في العاصمة

وجود أمني بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية عقب الهجوم الانتحاري الأسبوع الماضي (رويترز)
وجود أمني بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية عقب الهجوم الانتحاري الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

تونس تحت هاجس «الخلايا الإرهابية النائمة» مجدداً

وجود أمني بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية عقب الهجوم الانتحاري الأسبوع الماضي (رويترز)
وجود أمني بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية عقب الهجوم الانتحاري الأسبوع الماضي (رويترز)

خلافاً للهجة التطمين التي اعتمدتها الأجهزة التونسية الرسمية حول سيطرتها على الوضع الأمني واستباق العمليات الإرهابية والقبض على المنتسبين للتنظيمات الإرهابية قبل الشروع في مخططات إرهابية وتراجع المخاطر الإرهابية، فإن تنفيذ عملية إرهابية بالشارع الرئيسي للعاصمة التونسية أعاد التساؤل إلى البداية وبلغة أكثر حدة حول حقيقة التنظيمات الإرهابية، وهل أن ما يتم القبض عليهم من عناصر، وتفكيك لخلايا وشبكات إرهابية بين الحين والآخر يمثل حقيقة ظاهرة الإرهاب والحاضنة الاجتماعية للإرهابيين في المجتمع التونسي.

في حين يعتبر الكثير من المتابعين للوضع الأمني في تونس أن ما يظهر على سطح الأحداث لا يعكس ما يدور داخل المجتمع التونسي من تفاعلات واجتذاب التنظيمات الإرهابية فئات شابة من التونسيين، كثيراً ما تظهر خلال التحقيقات الأمنية من خلال الإسناد وتقديم المعلومات حول تحركات أجهزة الأمن والجيش وإيصال الغذاء والأغطية بمقابل مالي إلى الإرهابيين المتحصنين في الجبال الغربية لتونس. وكل هذه المعطيات تؤكد أن الخلايا الإرهابية النائمة في تونس مستيقظة في حقيقة الأمر، وغالباً ما تظهر نتائج عملها من خلال عمليات إرهابية خفت قليلاً خلال السنتين الماضيتين، لكنها ما زالت تمثل تهديداً كبيراً على استقرار تونس وأمنها.

انتحارية شارع بورقيبة

وبعد تجنيد التنظيمات الإرهابية التي أوجدت لها مكاناً واستقراراً في تونس، الشباب من الرجال جاء الدور على الفئات النسائية وهو ما ترجمته الإرهابية منى قبلة يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من خلال هجوم إرهابي بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية على بعد أمتار من مقر وزارة الداخلية التونسي، وقد أسفر الهجوم عن إصابة 15عنصراً أمنياً وخمسة مدنيين، من بينهم طفلان، بجراح متفاوتة الخطورة.
ولعل إشارة مصادر الأمن في تونس إلى أن منفذة الهجوم الانتحاري ليست مسجلة في قوائم الأشخاص المتهمين بالإرهاب، يرجح فرضية انتمائها إلى «الخلايا الإرهابية النائمة». وما زالت التساؤلات تحوم حول هذه الانتحارية؛ إذ إن عائلتها والجيران والأصدقاء المقربين منها استغربوا تنفيذها عملاً إرهابياً، وبدت عبارات الاستغراب مكررة على أفواههم.
وما جعل الغموض يلف هذه العملية الانتحارية أكثر، أن سفيان السليطي، المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، قد أكد في تصريح إعلامي على أن أجهزة الأمن التونسية المختصة في مكافحة الإرهاب، لم تلقِ القبض على أي عنصر إرهابي على صلة بالعملية الإرهابية التي نفذتها الإرهابية التونسية منى قبلة.
في هذا الشأن، تقول المحللة السياسية التونسية آسيا العتروس: إن أغلب ما دوّن عن الإرهابيات والانتحاريات طوال عقد ونصف العقد من الزمن كان باللغة الإنجليزية التي تتقنها الإرهابية منى قبلة. وقد تكون اهتمامات الانتحارية التونسية قد بدأت من خلال متابعتها عناصر إرهابية نسائية انتمين في الغرب إلى التنظيمات الإرهابية، وضمنت شهادات حول مشاركتهن ضمن تلك التنظيمات من خلال اللغة الإنجليزية. وأشارت العتروس إلى شهادة والدة الانتحارية التونسية واتخاذها قراراً ببيع بعض أشجار الزيتون لاقتناء حاسوب، حتى تواصل ابنتها بحوثها العلمية وإعداد رسالة ماجستير في اختصاصها.
ومع ما تقدمه العائلات من تحاليل ومعلومات حول نمط عيش من نفذوا عمليات إرهابية، فإن الواقع يؤكد على وجود حاضنة اجتماعية وبيئة مناسبة لدخول الأفكار المتطرفة إلى أذهان الشباب التونسي، وتؤكد على أن العائلة والأبناء غالباً ما يكون كل طرف منهما يعيش في عالم منعزل عن الآخر؛ فانغماس الأبناء وهجرتهم لأفراد العائلة لأشهر متتالية، من بين المؤشرات على حصول تغييرات على شخصية المرشح للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
ورجّح مختصون في الجماعات الإرهابية في تونس، على غرار علية العلاني وفيصل الشريف، أن تكون الانتحارية من الخلايا الإرهابية النائمة المتعاطفة مع التيارات المتطرفة الداعمة لتنظيم داعش الإرهابي أو تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب العربي».
وأشاروا إلى أن تونس تنتشر بها ما بين 300 و400 خلية «إرهابية نائمة»، وقد تم إلقاء القبض على كثير منها خلال السنوات الماضية، وللتأكيد على رجاحة هذه المقاربة أكدوا أن تنظيم «أنصار الشريعة» الذي يتزعمه التونسي «أبو عياض» سيف الله بن حسين، جمع ما لا يقل عن 40 ألف مناصر خلال تنظيم ملتقى له في مدينة القيروان سنة 2012، وأن المتعاطفين مع هذا التنظيم قد اندثروا إثر حظر أنشطته بالكامل في تونس وتصنيفه ضمن التنظيمات الإرهابية، لكن أين ذهبوا وهل تراجعوا فعلياً عن أفكارهم المتطرفة، أم أنهم خيروا الصمت والسبات ضمن الخلايا الإرهابية النائمة أو المستيقظة على وجه الدقة؟
في هذا السياق، قال علية العلاني، الخبير التونسي في الجماعات الإرهابية: إن العملية التي عرفتها العاصمة التونسية تحمل بصمات تنظيم داعش الإرهابي، لكن قد تحصل المفاجأة ونجد من نفذتها غير مدرجة في ضمن أي تنظيم إرهابي وعملت بمفردها ضمن ما يعرف بالذئاب المنفردة بعد أن قضت فترة طويلة تتشبع بالأفكار المتطرفة لتلك التنظيمات.
وأكد على أن الهجوم الانتحاري الذي جد قبل أيام في الشارع الرئيسي للعاصمة سيدفع السلطات الأمنية إلى إدخال تعديل جذري على أساليب عمل المخابرات التونسية، فقد استطاعت الإرهابية التنقل من مدينة إلى أخرى (نحو 280 كلم من المهدية إلى العاصمة التونسية)، وحملت معها مواد متفجرة على مسافة كبيرة من مكان إقامتها على مقربة من مكان الهجوم (باب سويقة، وفق التحريات الأولية) وصولاً إلى شارع بورقيبة دون أن تنتبه إليها السلطات الأمنية.
وأشار إلى ضرورة تحديث سجلات الأشخاص المتهمين بالإرهاب؛ فقد اتضح أن التنظيمات الإرهابية باتت تعتمد على أشخاص غير مسجلين؛ وهو ما يستدعي بذل جهود إضافية لإدراج المشتبه بهم الجدد ضمن سجلات المتهمين بالإرهاب، وسد النقص الذي قد يكون حصل خلال السنوات الأخيرة، على حد قوله.

محاصرة الأفكار المتطرفة

ووجدت هذه الأفكار المتطرفة طريقها إلى الشباب التونسي بصفة واضحة منذ بداية هذا القرن، وهو ما كان مطية لسنّ قانون مكافحة الإرهاب من قبل النظام السياسي السابق وبالتحديد سنة 2003، لكن طريقة تعامل نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي مع التيارات المتطرفة، على وجه العموم كانت معتمدة على المحاصرة والتضييق وتجفيف المنابع، وقد اتضح أن تلك الطريقة لم تعطِ نتائج إيجابية؛ إذ عرفت تونس هجوماً إرهابياً كان فارقاً في التعامل مع المجموعات الإرهابية ونعني به «أحداث سليمان» الإرهابية التي جدت نهاية سنة 2006، وأشارت إلى وجود تطورات كبرى على مستوى مواجهة السلطة القائمة؛ وذلك بالاعتماد على حمل السلاح في وجه الدولة.
في هذا الشأن، أكد سمير بن عمر، المحامي التونسي المختص في الجماعات الأصولية، على أن النظام السابق زج بنحو ثلاثة آلاف شاب تونسي في السجون، وفي بعض الحالات لمجرد الشبهة، وقلصت هذه السياسة من قوة تلك التنظيمات المتطرفة، لكنها لم تقض عليها وتحولت طوال حكم بن علي إلى «خلايا نائمة» تنتظر الوقت المناسب للاستيقاظ، وكانت ثورة 2011، وظهور مفهوم الفوضى الخلاقة مناسبة لإطلاق عنان تلك المجموعات التي تحولت إلى تنظيمات دموية.
وراجعت السلطة التونسية قانون 2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب، وأصدرت سنة 2015 قانوناً جديداً لمكافحة لإرهاب، وضمنته عقوبة الإعدام ضد المتهمين بالإرهاب ممن أدت أعمالهم إلى مقتل أشخاص، لكن ذلك لم يغير الكثير من خريطة الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية؛ فنحو ثلاثة آلاف تونسي التحقوا بها وفق إحصائيات حكومية رسمية.

الحاضنة الاجتماعية

واعتبر أكثر من عالم اجتماع، على غرار منيرة الرزقي وفاتن مبارك، أن السلطات التونسية مطالبة بصفة عاجلة بالبحث عن الأسباب المؤدية لدخول الشباب التونسي إلى عالم الإرهاب وأن تبحث في الوقت ذاته عن الحاضنة الاجتماعية للإرهاب فبعض العائلات التونسية - وهذا من باب المفارقة - لا تنظر إلى العملية الإرهابية على أنها إرهاب يجب مقاومته وعدم السكوت عنه، بل بكونها عملية «استشهاد»؛ وهو ما يجعل ميزان النظر إلى ظاهرة الإرهاب مختلفاً بين أفراد يعيشون على الأرض نفسها ويحملون التاريخ نفسه.
وخلال السنوات الماضية، لم تتوانَ التنظيمات الإرهابية المختلفة عن استقطاب الشباب التونسي؛ مما جعله في مراتب أولى في الالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي واحتلاله مناصب قيادية في هذا التنظيم. وعلى المستوى المحلي، وبشأن عدد المتهمين في قضايا إرهابية ويقبعون في السجون التونسية، فقد أكد سفيان السليطي، المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، على أن العدد الإجمالي في حدود 1500 متهم بالإرهاب. وتشير جمعية آفاق للأمن والديوانة (جمعية مستقلة) إلى أن نحو ألف شاب تونسي على الأقل يتم استقطابهم من قبل المجموعات الإرهابية.
وتشير إحصائيات بعض مراكز الدراسات المهتمة بقضايا الإرهاب إلى أن نحو 32 في المائة من المتهمين بالإرهاب هم من بين طلبة الجامعات وتلاميذ المدارس، وتتوزع نسبة الإرهابيين التونسيين الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية على العاصمة التونسية (32 في المائة)، ومن مناطق الساحل التونسي (28 في المائة)، ومن الجنوب (23 في المائة)، ونحو 9 في المائة من الوسط، وينحدر نسبة 8 في المائة من الشمال التونسي؛ وهو ما يجعل مختلف مناطق تونس عرضة لتأثيرات التنظيمات الإرهابية، ولا توجد منطقة بعينها في منأى عن سهام ظاهرة الإرهاب.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».