عراقيون يتحوّلون إلى «فنانين» خلف قضبان السجن

رسّامة معروفة تطوّعت لتعليمهم الرسم والنحت والزخرفة في السجن المركزي بالسليمانية

من أعمال السجناء «الفنانين» في السليمانية («الشرق الأوسط»)
من أعمال السجناء «الفنانين» في السليمانية («الشرق الأوسط»)
TT

عراقيون يتحوّلون إلى «فنانين» خلف قضبان السجن

من أعمال السجناء «الفنانين» في السليمانية («الشرق الأوسط»)
من أعمال السجناء «الفنانين» في السليمانية («الشرق الأوسط»)

بعد 7 أشهر من التدريس والتدريب المتواصل على أصول فنون الرسم، والنحت، والزخرفة، وبعض الحرف اليدوية الحديثة، تكللت جهود الرسامة العراقية المعروفة ثائرة المياحي في تأهيل 15 فناناً ناشئاً، ليس في معهد أو أكاديمية للفنون الجميلة، بل خلف قضبان وأسوار السجن المركزي في مدينة السليمانية، بإقليم كردستان العراق، المسمى بـ«مديرية إصلاح وتأهيل الكبار».
وتتحدث المياحي عن تجربتها التطوعية في تدريس وتأهيل هؤلاء السجناء الـ15 المحكومين بالإعدام مع وقف التنفيذ أو بأحكام ثقيلة تتراوح بين 25 عاما والسجن مدى الحياة، وتؤكد أنها تجربة اقترنت بكثير من المصاعب، لكنها أثمرت عن نتائج طيبة تبعث على الارتياح، ليس في نفسها وحسب، بل في نفوس أولئك السجناء.
وأضافت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» وهي تفتتح معرضاً فنياً كبيراً بمدينة السليمانية، هو الأول من نوعه في تاريخ السجون بالعراق: «ينبغي التأكيد بداية على أن الفن عبارة عن رسالة إنسانية، أي أن الفنان الحقيقي في حال بحث دائم عمن هم يائسون من الحياة لكي يبعث في نفوسهم الأمل في الحياة من جديد. ومن هذا المنطلق، ارتأيت إدخال هؤلاء السجناء الـ15 المحكومين بأحكام ثقيلة، في سجن السليمانية المركزي، وقد تكللت الجهود التي بذلت في هذا المضمار بالنجاح، وذلك بالتعاون مع إدارة السجن، وبعد 7 أشهر من العمل الدؤوب. وهذا الأمر (النجاح) تؤكده الأعمال الفنية المعروضة، التي هي من نتاجات أولئك الفنانين القابعين خلف القضبان».
وتجزم المياحي أن هذه التجربة تركت عميق الأثر في نفوس «الفنانين» السجناء و«ربما ستغيّر مسار حياتهم بعد خروجهم من السجن». وأردفت قائلة: «لقد تعلموا حرفا يدوية، ونجحوا في صقل مواهبهم الفنية، علاوة على ملء الفراغ الواسع الذي يعانون منه، بأعمال مثمرة فضلا عن القضاء من العقد النفسية التي كانوا يعانون منها، والانفتاح على الحياة بروح ملؤها الأمل والتطلع إلى المستقبل بإيجابية وتفاؤل».
وأشارت المياحي إلى أن إحدى النتائج الإيجابية تظهر بجلاء في «الرسائل الإنسانية» التي كتبها سجين محكوم عليه بالإعدام على نحو 30 لوحة رسمها أثناء فترة التدريب وبعدها، و«تحمل كل واحدة منها كماً كبيراً من المعاني والقيم الرفيعة، التي تحفز الإنسان على فعل الخير، وحب الحياة ونشر مفاهيم التسامح، ونبذ العنف والكراهية».
وضم المعرض 176 لوحة، رسمت بأساليب فنية متعددة، إلى جانب مجموعة كبيرة من الأعمال اليدوية الرائعة، المتمثلة بتصاميم هندسية جذابة لقصور وبيوت وعمارات سكنية، تتحدى خبرات كبار المختصين في الهندسة المعمارية.
ويقول كوران محمد، مدير قسم الشؤون الاجتماعية في السجن المركزي بالسليمانية، إن إدارة السجن فخورة جداً بالنتائج الطيبة التي حققتها الدورة الفنية لتأهيل السجناء. الأمر الذي حفّز الإدارة على تنظيم مزيد من الدورات في مجالات أخرى، وعلى نطاق أوسع، لتشمل جميع نزلاء مديرية الإصلاح والتأهيل الاجتماعي. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستنظم إدارة السجن لاحقاً دورات لتعليم النزلاء حسب أعمارهم ورغباتهم الشخصية، في كثير من مجالات العمل والحرف اليدوية، مثل تعلم برمجة الكمبيوتر، والنسيج الصوفي، وصناعة السجاد، والنجارة وغيرها من الحرف والمهن الحديثة، بغية تعليم النزلاء ما يساعدهم على كسب الرزق بعد انقضاء مدد أحكامهم، ومواصلة الحياة والاندماج في المجتمع من جديد على نحو إيجابي».
أما كامران عثمان (53 عاماً) الذي كان محكوماً عليه بالسجن لفترة طويلة، وتم إطلاق سراحه مؤخراً بعد إكمال مدة سجنه، فقد شدد على أهمية مثل تلك الدورات بالنسبة إلى السجناء الذين ينشغلون خلالها بأداء «أعمال مفيدة يكون لها وقع العلاج الطبي على نفوسهم، وتنعكس على مسار حياتهم بالإيجاب بعد مغادرتهم السجن».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».