مسجد الشافعي بجدة.. قصة مئذنة صدحت على مدى ألف عام

خادم الحرمين تبنى ترميم المسجد - المهندس سامي نوار: آخر عملية إصلاح للمبنى كانت قبل 500 عام

عثر على أحجار كريمة ومرجان تحت الترميمات التي نفذت قبل 500 عام في مسجد الشافعي (تصوير: غازي مهدي)
عثر على أحجار كريمة ومرجان تحت الترميمات التي نفذت قبل 500 عام في مسجد الشافعي (تصوير: غازي مهدي)
TT

مسجد الشافعي بجدة.. قصة مئذنة صدحت على مدى ألف عام

عثر على أحجار كريمة ومرجان تحت الترميمات التي نفذت قبل 500 عام في مسجد الشافعي (تصوير: غازي مهدي)
عثر على أحجار كريمة ومرجان تحت الترميمات التي نفذت قبل 500 عام في مسجد الشافعي (تصوير: غازي مهدي)

تحتضن المنطقة التاريخية في جدة (غرب السعودية) الكثير من المواقع الأثرية التاريخية التي تحكي واقع جدة قبل الإسلام، عندما اختار الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، في عام 25 هجريا، جدة لتصبح ميناء رئيسا لمكة المكرمة، وبوابة للتجارة إلى الدول المجاورة.
وداخل المنطقة التاريخية التي تضم أربعة أحياء، شكلت المكون الرئيس للمنطقة، التي احتمت بسور من الغارات البرتغالية في تلك الحقبة، للسيطرة على خط الملاحة في البحر الأحمر، تطل من خلف المباني العتيقة مئذنة شامخة لمسجد الشافعي، الذي يقع في حارة المظلوم بسوق الجامع، وهو أقدم مساجدها.
وحسب المختصين في العمارة والآثار، فإن منارة مسجد الشافعي بُنيت في القرن الـ13 الميلادي، وعمارته التي تتكون من مربع وسطه مكشوف للقيام بعملية التهوية، فيما يعد المسجد أحد أهم المواقع الإسلامية في المدينة، إذ يحكي واقع الإسلام قبل 1400 عام، باستخدامه المواد التقليدية في عملية البناء، والمكونة من: الطين البحري، والحجر المنقبي، والأخشاب، وهي من المواد الأساسية التي كان سكان جدة يعتمدون عليها بحكم طبيعة الأجواء.
وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أثناء زيارته لجدة التاريخية قبل عامين، أعلن أن خادم الحرمين الشريفين، تبنى ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية هما مسجد الشافعي، ومسجد المعمار، اللذان بدئ الترميم فيهما فعليا أخيرا. والزائر للمنطقة التاريخية لمدينة جدة حاليا تستوقفه أعمال الترميم التي يشهدها «مسجد الشافعي» في حارة المظلوم إحدى حارات جدة القديمة، ويسمى لدى أهالي جدة «المسجد العتيق»، بجانب سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس، وإلى الشرق منه يوجد سوق النسيج والملابس المعروفة بسوق البدو، ليتحول المكان إلى ورشة عمل آلية وبشرية لترميمه.
ويقوم مختصين في الآثار بعمل دراسة تاريخية مسحية لمسجد الشافعي قبل البدء في تنفيذ عملية الترميم، للمحافظة على الآثار والنقوش الموجودة داخله، مع الحذر من عدم تعرض المسجد لأضرار جانبية نتيجة عملية الترميم التي تعرض لها المساجد في حقبة ماضية، خاصة أن المكونات الأساسية للمسجد تعتمد على الجبس والرمل؛ لذا تتطلب أعمال الترميم دقة متناهية في التعامل مع هذا الموقع.
وقال المهندس سامي نوار لـ«الشرق الأوسط» إن تاريخ مسجد الشافعي، التي تجرى فيه حاليا أعمال الترميم، والتي من المتوقع الانتهاء منها بعد عام من الآن، يعود إلى زمن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيما كانت آخر عملية إصلاح وترميم للمبنى قبل 500 عام - حسب الشواهد التي رُصدت أثناء المعاينة - ومنذ تلك السنوات والمسجد لم يشهد أي عملية ترميم؛ بل إن بعض جوانب المسجد تغيرت ملامحها.
وأردف نوار، أن طراز المسجد في الشكل الداخلي والخارجي يأخذ الطابع الفاطمي في البناء، حيث استخدمت في بنائه المواد الأولية التي استخدمت في القرون الماضية، والتي تعتمد على الطين البحري، والحجر المنقبي، والأخشاب، ويعمد العاملون في البناء على خلطها ودمجها، ثم القيام ببناء المنزل أو المساجد بالكامل.
وأشار المهندس سامي إلى أنه خلال عملية التنقيب والبحث في المسجد قبل البدء في الترميم بشكل مباشر، عُثر على محراب تحت المحراب الحالي يتجاوز عمره 1000 عام - حسب الخبراء والمختصين في الآثار - كما عُثر على أحجار كريمة ومرجان تحت الترميمات التي نُفذت قبل 500 عام؛ لذا كان التعامل مع مسجد الشافعي بحذر؛ لما يحويه من مخزون تاريخي وأثري قديم.
وأضاف نوار أن التعامل مع هذه المباني يتطلب عناية فائقة، تحسبا لأي انعكاسات سلبية على المبنى، فالعاملون داخل المسجد من ذوي الخبرة الذين يعتمد عليهم، ويعملون تحت إشراف مهندسين مختصين في الآثار، بخلاف عمال النظافة والتسليح الذين يتطلب أن تكون لديهم خلفية عن الآثار وكيفية التعامل معها. ويأخذ مسجد الشافعي شكل البناء المستطيل الشكل، وينقسم إلى قسمين، ويمتد من الغرب إلى الشرق، فالجزء الغربي يمتد على هيئة صحن مكشوف مربع الشكل وسط دكة ترتكز على أربعة أعمدة، والقسم الثاني هو الجزء الشرقي، وهو إيوان القبلة، ويحتوي على صفين من البوائك، تعلوها عقود مدببة تقسم الإيوان إلى ثلاثة إيوانات موازية لحائط القبلة، وتقوم عقود البوائك على أعمدة بعضها رخامي، وتنتهي بمقرنصات من ثلاثة صفوف، وبعضها الآخر مبني من الحجر، وتعود هذه الأعمدة إلى العصر العثماني.
وهنا يقول أحمد أمين (أحد سكان حارة المظلوم) إنهم يترقبون اليوم الذي يعاد فيه فتح المسجد بعد الترميم الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، موضحا أنه قد حضر في المسجد بشكله القديم الكثير من الخطب وحلقات تحفيظ القرآن، معولا على أن المسجد سيستقطب كثيرا من زوار المنطقة التاريخية والباحثين عن الآثار الإسلامية القديمة.
ومن المتوقع أن تنتهي أعمال المسجد في نهاية شهر أغسطس (آب) من العام الجاري، بعد أن مر بمراحل إعادة بناء على مدى ثمانية قرون مضت، تبعها ترميمات على مر العصور، كان آخرها ما تم في عهد الدولة السعودية الثالثة، وعلى الرغم ما تضمه منطقة البلد التاريخية في جدة من آثار ومبانٍ ضربت جذورها في عمق التاريخ القديم، إلا أن مسجد الشافعي يعدّ من أقدمها، ويجري الآن العمل في مشروع ترميم المسجد تحت إشراف فريق عمل فني وخبراء عالميين، لأن عمل الترميم جذب فريق مختص في التراث العمراني بالهيئة السعودية للمهندسين لزيارة المسجد، والاطلاع على أعمال الترميم بمرافقة الهيئة العامة للسياحة والآثار.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».