تحتضن المنطقة التاريخية في جدة (غرب السعودية) الكثير من المواقع الأثرية التاريخية التي تحكي واقع جدة قبل الإسلام، عندما اختار الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، في عام 25 هجريا، جدة لتصبح ميناء رئيسا لمكة المكرمة، وبوابة للتجارة إلى الدول المجاورة.
وداخل المنطقة التاريخية التي تضم أربعة أحياء، شكلت المكون الرئيس للمنطقة، التي احتمت بسور من الغارات البرتغالية في تلك الحقبة، للسيطرة على خط الملاحة في البحر الأحمر، تطل من خلف المباني العتيقة مئذنة شامخة لمسجد الشافعي، الذي يقع في حارة المظلوم بسوق الجامع، وهو أقدم مساجدها.
وحسب المختصين في العمارة والآثار، فإن منارة مسجد الشافعي بُنيت في القرن الـ13 الميلادي، وعمارته التي تتكون من مربع وسطه مكشوف للقيام بعملية التهوية، فيما يعد المسجد أحد أهم المواقع الإسلامية في المدينة، إذ يحكي واقع الإسلام قبل 1400 عام، باستخدامه المواد التقليدية في عملية البناء، والمكونة من: الطين البحري، والحجر المنقبي، والأخشاب، وهي من المواد الأساسية التي كان سكان جدة يعتمدون عليها بحكم طبيعة الأجواء.
وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أثناء زيارته لجدة التاريخية قبل عامين، أعلن أن خادم الحرمين الشريفين، تبنى ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية هما مسجد الشافعي، ومسجد المعمار، اللذان بدئ الترميم فيهما فعليا أخيرا. والزائر للمنطقة التاريخية لمدينة جدة حاليا تستوقفه أعمال الترميم التي يشهدها «مسجد الشافعي» في حارة المظلوم إحدى حارات جدة القديمة، ويسمى لدى أهالي جدة «المسجد العتيق»، بجانب سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس، وإلى الشرق منه يوجد سوق النسيج والملابس المعروفة بسوق البدو، ليتحول المكان إلى ورشة عمل آلية وبشرية لترميمه.
ويقوم مختصين في الآثار بعمل دراسة تاريخية مسحية لمسجد الشافعي قبل البدء في تنفيذ عملية الترميم، للمحافظة على الآثار والنقوش الموجودة داخله، مع الحذر من عدم تعرض المسجد لأضرار جانبية نتيجة عملية الترميم التي تعرض لها المساجد في حقبة ماضية، خاصة أن المكونات الأساسية للمسجد تعتمد على الجبس والرمل؛ لذا تتطلب أعمال الترميم دقة متناهية في التعامل مع هذا الموقع.
وقال المهندس سامي نوار لـ«الشرق الأوسط» إن تاريخ مسجد الشافعي، التي تجرى فيه حاليا أعمال الترميم، والتي من المتوقع الانتهاء منها بعد عام من الآن، يعود إلى زمن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيما كانت آخر عملية إصلاح وترميم للمبنى قبل 500 عام - حسب الشواهد التي رُصدت أثناء المعاينة - ومنذ تلك السنوات والمسجد لم يشهد أي عملية ترميم؛ بل إن بعض جوانب المسجد تغيرت ملامحها.
وأردف نوار، أن طراز المسجد في الشكل الداخلي والخارجي يأخذ الطابع الفاطمي في البناء، حيث استخدمت في بنائه المواد الأولية التي استخدمت في القرون الماضية، والتي تعتمد على الطين البحري، والحجر المنقبي، والأخشاب، ويعمد العاملون في البناء على خلطها ودمجها، ثم القيام ببناء المنزل أو المساجد بالكامل.
وأشار المهندس سامي إلى أنه خلال عملية التنقيب والبحث في المسجد قبل البدء في الترميم بشكل مباشر، عُثر على محراب تحت المحراب الحالي يتجاوز عمره 1000 عام - حسب الخبراء والمختصين في الآثار - كما عُثر على أحجار كريمة ومرجان تحت الترميمات التي نُفذت قبل 500 عام؛ لذا كان التعامل مع مسجد الشافعي بحذر؛ لما يحويه من مخزون تاريخي وأثري قديم.
وأضاف نوار أن التعامل مع هذه المباني يتطلب عناية فائقة، تحسبا لأي انعكاسات سلبية على المبنى، فالعاملون داخل المسجد من ذوي الخبرة الذين يعتمد عليهم، ويعملون تحت إشراف مهندسين مختصين في الآثار، بخلاف عمال النظافة والتسليح الذين يتطلب أن تكون لديهم خلفية عن الآثار وكيفية التعامل معها. ويأخذ مسجد الشافعي شكل البناء المستطيل الشكل، وينقسم إلى قسمين، ويمتد من الغرب إلى الشرق، فالجزء الغربي يمتد على هيئة صحن مكشوف مربع الشكل وسط دكة ترتكز على أربعة أعمدة، والقسم الثاني هو الجزء الشرقي، وهو إيوان القبلة، ويحتوي على صفين من البوائك، تعلوها عقود مدببة تقسم الإيوان إلى ثلاثة إيوانات موازية لحائط القبلة، وتقوم عقود البوائك على أعمدة بعضها رخامي، وتنتهي بمقرنصات من ثلاثة صفوف، وبعضها الآخر مبني من الحجر، وتعود هذه الأعمدة إلى العصر العثماني.
وهنا يقول أحمد أمين (أحد سكان حارة المظلوم) إنهم يترقبون اليوم الذي يعاد فيه فتح المسجد بعد الترميم الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، موضحا أنه قد حضر في المسجد بشكله القديم الكثير من الخطب وحلقات تحفيظ القرآن، معولا على أن المسجد سيستقطب كثيرا من زوار المنطقة التاريخية والباحثين عن الآثار الإسلامية القديمة.
ومن المتوقع أن تنتهي أعمال المسجد في نهاية شهر أغسطس (آب) من العام الجاري، بعد أن مر بمراحل إعادة بناء على مدى ثمانية قرون مضت، تبعها ترميمات على مر العصور، كان آخرها ما تم في عهد الدولة السعودية الثالثة، وعلى الرغم ما تضمه منطقة البلد التاريخية في جدة من آثار ومبانٍ ضربت جذورها في عمق التاريخ القديم، إلا أن مسجد الشافعي يعدّ من أقدمها، ويجري الآن العمل في مشروع ترميم المسجد تحت إشراف فريق عمل فني وخبراء عالميين، لأن عمل الترميم جذب فريق مختص في التراث العمراني بالهيئة السعودية للمهندسين لزيارة المسجد، والاطلاع على أعمال الترميم بمرافقة الهيئة العامة للسياحة والآثار.
مسجد الشافعي بجدة.. قصة مئذنة صدحت على مدى ألف عام
خادم الحرمين تبنى ترميم المسجد - المهندس سامي نوار: آخر عملية إصلاح للمبنى كانت قبل 500 عام
مسجد الشافعي بجدة.. قصة مئذنة صدحت على مدى ألف عام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة