«السنا» و«العاياد» و«المسحراتي».. عادات رمضانية إريترية

مراسم توديع الشهر الكريم تبدأ من منتصفه

نساء إريتريات يبعن مستلزمات الأطباق الرمضانية   -  يحمل الشباب والأطفال في الحارات فانوس رمضان إذا انتصف الشهر الفضيل
نساء إريتريات يبعن مستلزمات الأطباق الرمضانية - يحمل الشباب والأطفال في الحارات فانوس رمضان إذا انتصف الشهر الفضيل
TT

«السنا» و«العاياد» و«المسحراتي».. عادات رمضانية إريترية

نساء إريتريات يبعن مستلزمات الأطباق الرمضانية   -  يحمل الشباب والأطفال في الحارات فانوس رمضان إذا انتصف الشهر الفضيل
نساء إريتريات يبعن مستلزمات الأطباق الرمضانية - يحمل الشباب والأطفال في الحارات فانوس رمضان إذا انتصف الشهر الفضيل

في مثل هذا الوقت من كل عام، يبدأ المسلمون في إريتريا ترديد أهازيج «ودع ودع يا رمضان.. ودع ودع يا رمضان»، وذلك استعدادا لاستقبال عيد الفطر المبارك. والمعروف أن إريتريا التي تقع في شرق أفريقيا، ويحدها السودان وجيبوتي وإثيوبيا، ويقدر عدد سكانها بنحو أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، يعد الإسلام من الديانات الرئيسة فيها؛ إذ يمثل نسبة 50 في المائة من سكانها، في حين تمثل الديانة المسيحية بقية السكان.
وعن أبرز العادات في رمضان التي يتبعها الإريتريون، أوضح المسؤول الإعلامي بالقنصلية الإريترية في جدة لـ«الشرق الأوسط»، أن «مدن إريتريا تتهيأ لشهر رمضان المبارك قبل قدومه ببعض مظاهر الاحتفاء بهذا الشهر الكريم، ترحيبا به، واستشعارا لعظمته وميزته على غيره من شهور السنة، واستعدادا لصيام نهاره وقيام ليله»، وأوضح أن «في أول أيام شعبان تتواصى الأسر الإريترية بتناول مشروب مرطب يسمى باللهجة الإريترية (السنا)، وهو مشروب نباتي خليط، من صنع إريتري بحت، يؤخذ قبله فنجان من السمن البلدي؛ لتهيئة المعدة وتنقيتها للتكيف مع مأكولات هذا الشهر».
وقال إن «إعداد هذا المشروب يتزامن مع شراء بقية اللوازم الرمضانية، خصوصا طحين عصيدة السحور، وشعير حساء الإفطار؛ حيث تطحن الذرة، أو الدخن في المطاحن، وتغسل كمية الشعير المشترى في المنازل، ثم تبسط في أشعة الشمس، على صحن كبير، أو على (مشرفة) عريضة، وهي بساط دائري مصنوع من السعف، لتدقها بعد ذلك ربة المنزل، أو خادمتها، أو بناتها في (المدق) الخشبي».
وأفاد بأن من أشهر المأكولات في هذا الشهر الكريم: «التمر، والسمبوسة، والمشبك، واللقيمات (الزلابية) المرشوشة بماء السكر، والطعمية، ومشروب الحلبة الذي يوضع في صحون من الألمنيوم متفاوتة الأحجام، أما وجبة السحور التقليدية، فغالبا ما تكون عصيدة من البُر أو الدخن، في محيطها من اللبن المحقون (حليب حقان) أو (الروب)، وفي قمتها ثقب به سمن، وتقدم طوال أيام رمضان ضمن المائدة الرمضانية».
وعن العادات القديمة التي كان يمارسها المسلمون الإريتريون في السابق خلال رمضان، ولا تزال موجودة، أوضح جمال الحاج (عمل بمهنة المسحراتي في بلاده) أن أبرز ما اشتهر عندهم «العاياد»، وهو إفطار جماعي يدعو إليه رب البيت معارفه وجيرانه، ومن لهم به صلة رحم، وكذلك عددا من الفقراء، ويقدم لهم طعام الإفطار أملا في الحصول على ثواب إفطارهم.
وأوضح أن «باعة التمور، والسمبوسة، والمشبك، واللقيمات (المقلي) يحجزون من البلدية مساحات لعرض بضائعهم، ومصنوعاتهم الرمضانية، وتمتد معروضاتهم على شكل صفوف متراصة في الأسواق العامة، فوق طاولات متجاورة، ينادي عليها أصحابها بصوت جهوري (فطورك يا صايم)، أو (الله وليك ومحمد نبيك)، وغيرها من الأقاويل التي كانوا ينادون بها على بضائعهم، وربما مُحيت هذه الكلمات الآن من ذاكرة البعض، فقد حل جيل جديد لا عهد لهم بهذه العادات وتراثها الثقافي».
ومن العادات المندثرة التي أشار إليها الحاج (المسحراتي)، وهو من يقوم بالمرور في أحياء المدن على ظهر حماره المربوط به طبلته التي يدق عليها أثناء ندائه وفانوسه المتدلي الذي يضيء له طريقه، ومن أقواله: «قوم يا نايم وحّد الدايم»، وكذلك «قوموا على سحوركم.. رمضان جاي يزوركم»، وأيضا «سحورك يا صايم.. سحورك يا صايم»، وفي الصباح ينطلق الجميع إلى أعمالهم.
وبيَّن أن أيام رمضان كغيرها أيام عمل وإنتاج، مثلها مثل بقية أيام السنة، وتقام حلقات بها وعظ بعد صلاة العصر في المساجد الكبيرة، ويحضرها عدد كبير من المستمعين، وبعد انتهاء الحلقات، يبدأ الناس الانصراف، وتبدأ المحال التجارية إغلاق أبوابها؛ ويتوجه التجار إلى منازلهم حاملين معهم قدرا من عجوة الإفطار، وشيئا من السمبوسة والمشبك والبرتقال والجرجير والفجل.
وعن مراسم توديع رمضان واستقبال العيد قال الحاج: «يحمل الشباب والأطفال في الحارات فانوس رمضان إذا انتصف الشهر الفضيل، وتوديعه خير توديع، كما استقبلوه من قبل خير استقبال، قائلين: (ودع ودع يا رمضان...ودع ودع يا رمضان)، وفي الليالي الأخيرة منه تبدأ شواغل العيد في العمل، لتأخذ حيزها المناسب من اهتمامات الأسر الإريترية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».