ألمانيا تدفع نحو تمديد العقوبات المفروضة على روسيا

موسكو ترد بالمثل ضد شخصيات وشركات أوكرانية

ميركل مع رئيس الوزراء الأوكراني فولديمير غرويزمان المستشارة (إ.ب.أ)
ميركل مع رئيس الوزراء الأوكراني فولديمير غرويزمان المستشارة (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا تدفع نحو تمديد العقوبات المفروضة على روسيا

ميركل مع رئيس الوزراء الأوكراني فولديمير غرويزمان المستشارة (إ.ب.أ)
ميركل مع رئيس الوزراء الأوكراني فولديمير غرويزمان المستشارة (إ.ب.أ)

اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن من الانتهاكات التي يشهدها اتفاق مينسك للسلام هي الانتخابات المزمع إجراؤها يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) في مناطق يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من موسكو في شرق أوكرانيا «لذا، بناء على الموقف أمامنا اليوم، ستدفع ألمانيا نحو تمديد العقوبات في ديسمبر (كانون الأول) أيضا».
قالت المستشارة ميركل أمس الخميس إن ألمانيا ستحث على تمديد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا لأن موسكو لم تنفذ بالكامل اتفاقا للسلام في أوكرانيا أبرم في مينسك عام 2015. ويندرج ضمن بنود اتفاقية مينسك الالتزام بوقف إطلاق النار وسحب أي أسلحة ثقيلة وكذلك تراجع القوات إلى مناطق فض الاشتباك.
وقالت ميركل خلال زيارة لكييف التقت خلالها بالرئيس بترو بوروشينكو «لا يتم الوفاء باتفاق مينسك ولا نحرز سوى تقدم بطيء إذا كان هناك تقدم أصلا وأحيانا نعود إلى الوراء». وردت موسكو بفرض عقوبات اقتصادية على نحو 400 شخصية وشركة أوكرانية في فصل جديد من التوتر المتزايد بين كييف وموسكو منذ خمس سنوات.
وقد وصلت ميركل الخميس إلى كييف لمناقشة عملية السلام في الشرق الانفصالي في أوكرانيا ومشروع أنابيب الغاز الألماني الروسي «نورد ستريم 2» الذي ينتقده الأوكرانيون كثيراً. وقال مصدر دبلوماسي أوكراني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن المفاوضات ستشمل «قبل كل شيء ملفاً ثنائياً كبيراً» وكذلك عملية السلام في إطار اتفاقات مينسك ومشروع «نورد ستريم 2»، من دون إعطاء تفاصيل أخرى. وقال محللون إن من المفترض التطرق أيضاً إلى الانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) والتشريعية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. ومن المتوقع أن يترشح بوروشينكو الموالي للغرب لولاية ثانية لكن فوزه يبدو غير مؤكد. أما بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية، قد تنتهي بعودة قوية للقوى السياسية الموالية لروسيا، ما سيغيّر ميل كييف الواضح إلى تأييد الغرب.
وتخوض قوات كييف منذ 2014 نزاعا مع انفصاليين موالين لروسيا في شرق البلاد أودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص. وتتهم كييف والدول الغربية موسكو بدعم الانفصاليين عسكرياً، الأمر الذي تنفيه روسيا. ومن المفترض أن يربط مشروع أنابيب نقل الغاز «نورد ستريم 2» روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق من دون المرور في بولندا وأوكرانيا، اللتين يمرّ عبرهما حالياً الغاز الروسي. وأدى هذا المشروع الذي نددت به واشنطن، إلى انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي. وتخشى بولندا ودول أخرى من أوروبا الشرقية من استخدامه من جانب موسكو كوسيلة ضغط سياسية واقتصادية. ولم تتنازل ميركل عن نورد ستريم 2. إلا أنها أكدت مرات كثيرة أن «أوكرانيا يجب أن تبقى دولة عبور» للغاز بعد تنفيذ المشروع. العقوبات التي فرضتها موسكو على كيانات أوكرانية تضمنت تجميد أرصدة مئات الساسة والمسؤولين وعشرات الشركات التي يملكها رجال أعمال من أوكرانيا. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «إنها إجراءات تندرج في إطار المعاملة بالمثل وروسيا ليست من بدأ تبادل هذه القيود». وأضاف «إنه إجراء ملزم ردا على الخطوات التي قام الجانب الأوكراني». وتابع «نأمل أن تبدأ الرغبة في تطبيع العلاقات مع روسيا في الظهور قريبا في أوكرانيا، لكن الأمر ليس كذلك حاليا».
وحدد مرسوم وقعه رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف العقوبات ووصفها بأنها عقوبات مضادة ردا على إجراءات مماثلة اتخذتها أوكرانيا ضد مواطنين روس وشركات روسية. وذكر المرسوم أن العقوبات شملت 322 فردا و68 شركة. ومن بين الأفراد أوليكسي ابن الرئيس بيترو بوروشينكو ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو ورئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل هريتساك ووزير الداخلية أرسين أفاكوف والملياردير فيكتور بينتشوك. واستهدفت العقوبات أيضا عدة شركات مسجلة بينها فيريكسبو لمنتجات الحديد، و(إم.إتش.بي) للدواجن، وكارنل أكبر مصدر لزيت عباد الشمس في أوكرانيا. وقال المرسوم إن الأشخاص والشركات المستهدفة ستُجمد أموالها وممتلكاتها في روسيا ولن يكون بمقدورها إعادتها إلى أوكرانيا. وتشهد العلاقات بين موسكو وكييف تدهورا مستمرا منذ وصول مؤيدين للغرب إلى السلطة في بداية 2014 على أثر انتفاضة ساحة الاستقلال (الميدان) ضد الرئيس الموالي لروسيا حينذاك، ثم ضم شبه جزيرة القرم والنزاع في الشرق الأوكراني. ولم تكف كييف عن اتخاذ إجراءات تحد من علاقاتها التجارية والاقتصادية مع روسيا شريكتها الأساسية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من 25 عاما. وفي 2017. حجبت كييف مجموعة من خدمات الإنترنت الروسية وخصوصا مجموعة «ينديكس» وشبكتا التواصل الاجتماعي اللتان تتمتعان بشعبية كبيرة «فيكونتاكتي» و«أودنوكلاسنيكي».
وكتبت يوليا تيموشينكو تعليقا على العقوبات على صفحتها على «فيسبوك». وقالت «بصدق، لا تهمني عقوبات الكرملين. ليس لدي ولن يكون لدي تجارة لا هنا ولا هناك». أما وزير البنى التحتية فولوديمير أوميليان، فقد كتب على «فيسبوك» أيضا «كنت سأشعر بالغضب لو لم أدرج على لائحة العقوبات». وأضاف أن «إدراجي أمر جيد وحتى مشرف».
وقتل أكثر من عشرة آلاف شخص منذ اندلاع النزاع في منطقتي لوغانسك ودونيتسك في شرق أوكرانيا في أبريل (نيسان) 2014 بعد قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟