أنجيلا ميركل... «الداهية البراغماتية»

أنجيلا ميركل تتحدث في مقر الاتحاد الديمقراطي المسيحي في برلين (أ. ف. ب)
أنجيلا ميركل تتحدث في مقر الاتحاد الديمقراطي المسيحي في برلين (أ. ف. ب)
TT

أنجيلا ميركل... «الداهية البراغماتية»

أنجيلا ميركل تتحدث في مقر الاتحاد الديمقراطي المسيحي في برلين (أ. ف. ب)
أنجيلا ميركل تتحدث في مقر الاتحاد الديمقراطي المسيحي في برلين (أ. ف. ب)

أخيراً قررت المحارِبة الاستراحة. المرأة التي وصفها كثر بأنها "داهية" وتحسن الصمود وتجاوز الأزمات، وبأنها أقوى قائد في أوروبا، هزمتها الانتكاسات الانتخابية المتعاقبة، واهتزاز الاتحاد الأوروبي بسبب الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تحملت ألمانيا العبء الأكبر فيها وقرار بريطانيا الخروج وإدارة الظهر للقارة.
طبعا ارتكبت أنجيلا ميركل أخطاء خلال مسيرتها السياسية، لكن الخطأ الذي يرى كثر من حلفائها وخصومها أنه وجّه إليها ضربة قاصمة، كان قرارها عام 2015 فتح حدود بلادها في ذروة أزمة الهجرة والسماح لأكثر من مليون لاجئ بدخول ألمانيا. فقد هزّ هذا الأمر أركان المجتمع وأدى في ما أدى إليه إلى حالة استقطاب وتنامي قوة اليمين المتطرف حتى أصبح حزب "البديل من أجل ألمانيا" أكبر حزب معارض في البرلمان الاتحادي، وصاحب وجود وازن في برلمانات كل الولايات الألمانية.
قررت ميركل عدم الترشح لزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وعدم السعي إلى ولاية خامسة بعد انتهاء ولايتها كمستشارة عام 2021، حين تكون قد بلغت السابعة والستين. ولعله من المفيد التذكير بأن الديمقراطيات الغربية لا تستسيغ الحياة السياسية الطويلة إلا في حالات استثنائية، مثل شارل ديغول في فرنسا ومارغريت ثاتشر في بريطانيا. والتاريخ الحديث يخبرنا أن على القادة في أوروبا تحديداً الانسحاب في الوقت المناسب حفاظاً على المنجزات والرصيد.
في أي حال، ومهما حصل وسيحصل في السنوات الثلاث المقبلة، تبقى أنجيلا ميركل صفحة استثنائية في كتاب السياسة العالمية عموماً والأوروبية خصوصاً، بالنظر إلى نشأتها وقصة صعودها، والتحديات الكثيرة والكبيرة التي واجهتها.

*من هي؟
هي أنجيلا دوروثي كازنر، المعروفة باسم أنجيلا ميركل، ولدت في هامبورج بألمانيا الغربية في 17 يوليو (تموز)1954. ابنة القس البروتستانتي اللوثري هورست ومدرّسة اللغتين الإنجليزية واللاتينية هيرليند.
نقل هورست عائلته التي ضمت ولدين آخرين هما ماركوس وآيرين إلى شرق ألمانيا لمتابعة دراساته اللاهوتية والعمل في كنيسة هناك، فنشأت ميركل في منطقة ريفية شمال برلين في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) آنذاك. درست الفيزياء في جامعة لايبزج، وحصلت على الدكتوراه عام 1978. وعملت بعد ذلك ككيميائية في المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية - أكاديمية العلوم من 1978 إلى 1990.
عام 1977 تزوجت أنجيلا من طالب الفيزياء أولريتش ميركل، واستمر الزواج حتى عام 1982. زوجها الثاني والحالي هو خبير الكيمياء يواخيم زاور الذي بقي إلى حد كبير خارج دائرة الضوء. وكسابقه، لم يثمر هذا الزواج الذي تم عام 1998 أبناء، لكنّ لزاور ولدين من زواج سابق.
تُعرف أنجيلا، التي احتفظت باسم عائلة زوجها الأول، بشغفها بكرة القدم. ومن المعروف أنها تستمع إلى مجريات بعض المباريات خلال وجودها في البرلمان (البوندستاغ)، وتحضر معظم مباريات المنتخب الوطني "مانشافت".
وتُعرف ميركل أيضاً بخوفها من الكلاب الناجم عن هجوم كلب عليها عام 1995. وربما تعمّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يصطحب كلبه من نوع "لابرادور" إلى أحد المؤتمرات، زاعماً لاحقاً أنه لم يشأ إخافتها، لتردّ عليه السيدة التي تجيد الروسية بقولها: "أفهم لماذا كان عليه القيام بذلك: ليثبت أنه رجل... هو يخشى نقاط ضعفه".

*المستشارة
بعد سقوط جدار برلين عام 1989، انضمت ميركل إلى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وبعد فترة وجيزة، عُيّنت في حكومة المستشار هيلموت كول وزيرة لشؤون المرأة والشباب، وشغلت في وقت لاحق منصب وزيرة البيئة والسلامة النووية.
وعلى اثر هزيمة "مستشار التوحيد" كول في الانتخابات العامة عام 1998، تولّت ميركل منصب الأمين العام للحزب. وبعد سنتين اختيرت زعيمة للديمقراطيين المسيحيين، غير أن الحزب فضّل ترشيح إدموند شتويبر لمنصب المستشار عام 2002.
وفي انتخابات 2005 ، هزمت ميركل المستشار جيرهارد شرودر بفارق ثلاثة مقاعد فقط في البوندستاغ، وبعد توافق الاتحاد الديمقراطي المسيحي على إقامة ائتلاف حكومي مع الديمقراطيين الاجتماعيين، أضحت أنجيلا ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وأول مواطن من ألمانيا الشرقية السابقة يقود ألمانيا الموحّدة. ونجحت "السيدة الفولاذية" في الفوز بالانتخابات في دورتي 2009 و2013، العام الذي اتّهمت فيه الولايات المتحدة بالتنصت على هاتفها الجوّال.
كان امتحان الفوز بولاية رابعة عام 2017 صعباً، فعلى الرغم من أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي احتفظ بالغالبية في البوندستاغ، فإن حزب البديل من أجل ألمانيا ظفر بنسبة 13 في المائة من الأصوات ليصبح ثالث أكبر مجموعة في البرلمان، ويكون أول حزب يميني متطرف يدخل البوندستاغ منذ العام 1961. ويعود ذلك حتماً إلى الصعاب التي واجهتها ألمانيا بسبب مشكلات أوروبا، وهشاشة تحالفها مع حزب الاتحاد المسيحي في بافاريا بزعامة وزير الداخلية هورست زيهوفر، والحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة أندريا ناهلز. وهي هشاشة أدت إلى ولادة صعبة للحكومة، وخلافات متكررة ليس أقلها ما حصل داخل الائتلاف على اثر الحوادث العنصرية في مدينة كيمنت في أغسطس (آب) الماضي.
وكانت النتائج المخيبة التي سجلت في انتخابات ولاية هيسه (هيسن) التي تقع في "قلب" ألمانيا، مناسبة لإعلان ميركل أن ولايتها الرابعة التي تنتهي عام 2021 هي الأخيرة لها، وأنها لن تسعى إلى الاحتفاظ بزعامة الحزب في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ونقول مناسبة لأن المستشارة أكدت أنها اتخذت قرارها في الصيف الماضي وأعلنته الآن.

*البراغماتية

ألمانيا الآن أمام واقع جديد. وعليها أن تبحث عن قائد يواجه أنواء سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، محلية وأوروبية.
أنجيلا ميركل نجحت إلى حد كبير في قيادة بلادها وصَون اقتصادها من تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008 – 2009، وتردداتها في أوروبا. وكانت القائد الفعلي للاتحاد الأوروبي المعتمد راهناً على فرنسا وحدها بعد انكفاء الدور الألماني. وأمامها الآن ثلاث سنوات لتُبقي ألمانيا في حالة استقرار اجتماعي ونمو اقتصادي، وتبني السدود في وجه التطرف السياسي الذي دفعت البلاد ثمنه غالياً في الماضي غير البعيد.
وقد يكون تخليها عن أي طموح سياسي فرصة لتحررها من القيود واستعادتها زمام المبادرة، فـ "السيدة الفولاذية" و"ملكة ألمانيا" و"إمبراطورة أوروبا"، إنما هي حاكم براغماتي وحكيم في عالم يحتاج إلى الكثير من البراغماتية والحكمة.



الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.