حسين حربة... جنائن بابل المعلقة وورودها في أريكة ومكتب

المهندس المعماري «يحاور الطبيعة ويزرعها بيننا... ويحول الأمور المعقدة إلى أناقة مبهجة»

الفنان اثناء عمله
الفنان اثناء عمله
TT

حسين حربة... جنائن بابل المعلقة وورودها في أريكة ومكتب

الفنان اثناء عمله
الفنان اثناء عمله

عراقية وعراقي... الأولى زها حديد، وهي من أصول موصلية، نشأت وترعرعت في سنوات توهُّج الفن والثقافة العراقيين في خمسينات القرن الماضي في بيت عريق من أب حمل حقيبة وزير، بعلمه وشخصيته وموقعه السياسي، فتوفَّر للابنة نشأة مريحة، وفرصة دراسة ابتدائية وإعدادية مميزة في بغداد، وجامعية في الرياضيات في بيروت، ودراسة تخصصية أعلى في المعمار في لندن.
وخلال سنوات معدودة تقدمت سليلة نينوى، وشقَّت طريقها الصعب بعناد وفكر ودراية خلاقتين، وبموهبة أصيلة، وفيض زائد من خيال بزَّت به كبار أساتذتها في تفكيك المعمار وإعادة تشكيله وبنائه بصيغ غير مسبوقة. ولم يمضِ سوى وقت قصير على دخولها مضمار مسابقات المعمار المحلية، في بريطانيا، والدولية، حتى تقدمت على أساطين هندسة المعمار في العالم، لتصبح الأيقونة الأبرز، ومعجزة زمانها، وما سيتقدم من زمان.
العراقي الثاني هو حسين حربة، أبى إلا أن يكون «أولاً» شأنه شأن زها ولد مثلها من عائلة من أشراف مدينته الأعرق، والأكثر بريقاً بين المدن في التاريخ... بابل.
لذا توفرت له طفولة مريحة أتاحت له أن يفرض، وهو لا يزال في العاشرة، تصاميم مخالفة للسائد لبدلاته من الأقمشة الإنجليزية الفاخرة على خيَّاط العائلة، فيختار للبنطلون أقمشة من عدة ألوان، مع قميص أبيض على الدوام، وجاكيت بلون مغاير وأزرار وجيوب بألوان وأماكن غير معتادة، وأن يحظى بدراسة ابتدائية وإعدادية ميسَّرة، وعزم على المضي أبعد وأبعد في تحصيل العلم.
وقبل أن تنطبق السماء على الأرض، بإعلان الحرب بين العراق وإيران عام 1980 ومنع السفر، وصل الشاب اليافع حسين علي حربة (17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1961) إلى إيطاليا، وبدأ في دراسة اللغة تبعها بدراسة معمقة للمعمار في جامعة بوليتكنيك في تورينو.

علامة hh وانطلاق شهرة حسين حربة

بعد تخرُّجه التحق المهندس الشاب حسين بمكتب أحد أساتذته الكبار، وهو البروفسور أوكو مستورينو، ولكنه سرعان ما اختلف معه وترك مكتبه؛ فالتصميم الذي كان يريده حربة كان تصميماً معمارياً حرّاً لا علاقة له بتقاليد العمارة الكلاسيكية ومدارسها وأبجدياتها، التي كان البروفسور مستورينو متمسكاً بها.
ولتطبيق أفكاره، فتح مكتبه الخاص بثقة عالية، معلناً عن وجوده الإبداعي باسمه العربي الصريح؛ حسين حربة.
يتذكر حربة تلك المرحلة المهمة، ويقول: «تعاملتُ فوراً مع أهم شركة إيطالية متخصصة بتصميم المعارض الدولية، كانت تصمِّم وتنتج التصاميم لكبار الشركات الإيطالية والعالمية، مثل شركتي (فيات) و(فيراري) للسيارات، وشركات الموضة، بالإضافة إلى شركات الطيران».
ويضيف: «كان العمل الأكثر أهمية الذي أنجزتُه وحقَّق صدى كبيراً على مستوى أوروبا كلها إقامة معرض بمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء شركة (فيراري) وعرضت فيه 50 سيارة (فيراري) نادرة، وكان العرض في قصر تاريخي في مدينة فلورنسا الإيطالية، بعدها صممت معرض (الحضارة الإتروسكانية) التي ازدهرت بين القرنين 5 و7 قبل الميلاد في وسط إيطاليا، لشركة (Mostre Fiere)، وقد عُرِضت فيه آثار مهمة، وتجول في متاحف عالمية كثيرة».
من هناك من تلك الفترة بدأ اسم حسين حربة، واسم شركته (hh) يسطعان في عالم التصميم في إيطاليا وأوروبا، حتى جاء التتويج بنيل المكتب الجائزة الوطنية »إيطاليا التي تعمل» (Italia che lavora Third Millennium) التي عدت مكتبه للتصميم الأكثر تميزاً في إيطاليا لسنة 2001. في لندن، ومع مطلع الألفية لم أفوِّت فرصة مشاركة زها حديد بمعرض بصري، بنماذج من أعمالها للتصميم الداخلي، أعمال كانت تتجلى فيها نزعتها الحرة في ابتكار قطع أثاث وإكسسوارات بدت لافتة، مثل أسلوبها في تصميم العمارة بين بقية الأعمال الفنية المعروضة، غير أن النصيب الأوفر لجهد زها الإبداعي توجَّه إلى العمارة، حيث توهجت أكثر وأكثر لتغزو، كموجة عاتية، لم يقف في وجه نزعتها المعمارية الحداثوية في كثير من المسابقات المحلية والدولية أحد».
في إيطاليا التي وجدها المهندس الشاب متحفاً عامراً لزمن مجيد أقفل أبوابه على التجديد منذ قرون حدث العكس؛ فحين لم يجد حسين حربة ما يبنيه عمل على دخول ميدان التصميم بمفهومه العام، ومن بين ما توصل إليه، وفتن به عالم الموضة والتصميم في إيطاليا والعالم صياغة مبتكرة ومدهشة لتصميم حقائب يد وضع فيها سحر البيت وفتنة المعمار الحديث ورفاهيته. «كان هدفي خلق رمز عالمي وليس الحقيبة، وإنما(art object) ، الذي هو خليط من الإبداع والجمال اللوني ونوعية العمل الرفيعة»، هذا ما يقوله حسين حربة عن حقائبه «البيت»، التي تحمل كل واحدة منها توقيعه، كأي عمل فني فريد بنسخ معدودة.

من أيقونة «أريكة جو»
إلى «أزهار جو وتفتحها»
لم تسنح لي الفرصة لأدخل مكتب حسين حربة يوماً، ولكن موقعه على الإنترنت أتاح لي أن أتجول فيه مرات ومرات، وأن أتعرف على جوانب من شخصيته شديدة الخصوصية، واهتماماته الفنية المتنوِّعة من خلال شكل ونوع ولون الأرضيات، والأثاث، والجدران، والتصاميم الخزفية التي بمجملها تحمل لمساته المتفردة والجريئة في التصميم.
فالفنان حربة ليس فقط مصممَ موضة يُستقبل بوصفه ضيف شرف خاص في عاصمة عروض الموضة الإيطالية (تورينو) سنويّاً، وغيرها من المدن الإيطالية، وهو ليس بجامع أعمال فنية لا تُقدَّر بثمن فحسب، فطرق التعبير عن إبداعه وفكره متعددة الأوجه، ولعل ابتكار قطع الموبيليا وجه مهم آخر من سلسلة أوجه اهتماماته الإبداعية المتنوعة.
من بين القطع الفنية المهمة التي تضمها مجموعة حسين حربة الفنية الخاصة نسخة من أريكة «جو» الشهيرة، وهي إحدى أيقونات التصميم العالمية الحديثة التي سبق أن تعاون على وضع تصميمها في عام 1969 ثلاثة من أقطاب التصميم الإيطاليين: «دوناتو دي أوروبينو» و«جونثان دي باس» و«باولو لوماتسي»، وذلك تكريماً للاعب البيسبول الأميركي الشهير «جو دي ما جيو».
عندما تناهى إلى سمع حسين حربة أنباء عن تحضيرات للاحتفال بالذكرى الخمسين لإنجاز الأريكة - الأيقونة التي أصبحت قطعة متحفية تحتفظ بنسخ منها متاحف عالمية مهمة، بادر إلى وضع تصوُّرِه الخاص لرداء لا يعيد الحياة إليها فحسب، بل يجعلها تشع بأنوار البهجة، وبعث بها إلى السيدة روبرتا ملوني مديرة شركة «بولترونوفا»، التي تمتلك حقوق الأريكة، والتي عبرت عن شعورها وهي تشاهد صور التصميم المقترح:
- «حين شاهدت التصميم قفزتُ من مقعدي!»
كان هذا أجمل وأدق تعبير عن البلاغة التي وصل إليها حسين حربة في خلق رداء جديد لأريكة «جو» من «بلوم جو بالترونوفا» أيقونة التصميم الإيطالية - العالمية المدهشة!
هذا التدخل الإبداعي «التاريخي» الذي جاء بموسم ربيع غير متوقَّع على تحفة «جو» أدخل كثيراً من البهجة على النسخة الجديدة من الأريكة في تعاشق مدهش بين الثقافتين الغربية ممثلة بالفرسان الإيطاليين الثلاثة الذين ابتكروها، والشرقية عبر ابن بابل وما تلتاه من حضارات الفنان حسين حربة، لتتفتح أزهار جو وتصطبغ الأريكة بأنفاسه الاصيلة والبهيجة لتسحرنا بشكلها واسمها الجديدين اللذين منحهما لها حربة.
أنتجت الأريكة بالاتفاق مع شركة «بولترونوفا» وبعناية فائقة، عدداً محدوداً منها (24 أريكة فقط) يدوياً، باستخدام مواد ذات نوعية فاخرة، وتم تقسيمها على أربعة مجموعات، كل مجموعة تتضمن ست أرائك بلون معين مرقمة بتسلسل، وبتوقيع المعماري حربة.
وتعليقا على عرض «جو بلوم» للجمهور في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 من قبل شركة «بولترونوفا» وبالتعاون مع متحف الفنون التطبيقية في تورينو، وغاليري «سوبرانا» قالت رئيسة معهد «Marangoni» للموضة في ميلانو كرستينا موروزي، وهي أهم ناقدة إيطالية في مجال تاريخ التصميم: «ما قام به حسين حربة لم يحدث سابقًا، وما أنجزه سيكون فتحاً لكل المصممين في العالم لمحاولة إعادة تصميم قطع تاريخية أخرى، حيث لم يمتلك أي مصمم قبله الجرأة لفعل ذلك». وأضافت: «إنه نجح في إعطائه روحاً أخرى»، وإنه، أي حربة: «بكل بساطة، يحاور الطبيعة، ويزرعها بيننا، ويحول الأمور المعقدة إلى أناقة مبهجة».
في تصاميمه التي تُعدّ اليوم الأحدث في عالم الموضة والأثاث والحلي والخزفيات يعود «حسين حربة» إلى جذوره الضاربة في عمق حضارة وادي الرافدين، وبالأخص حضارة مدينته بابل، ليستلهم ويستقي منها أسماء أعماله الفنية الجديدة، التي يجمع فيها بمهارة فائقة بين بحثه الجمالي الابداعي وجذوره المعمارية، واستخدامه الباذخ للخامات ذات الجودة والقيمة العالية جداً، التي تنتجها معامل إيطالية خاصة لماركات مثل »أرماني» و«غوتشي» وغيرهما.
ليست أريكة »جو بلوم» آخر المطاف، مع ولعه بابتكار تصاميم جديدة لقطع الاثاث باعتبارها أعمالاً ذات قيمة فنية عالية، فأريكته «ورود بابل» التي عرضها للجمهور العام الماضي، بأشكال والوان وخامات مختلفة لاقت كثيراً من الترحيب والإعجاب، وكتبت عنها كثيراً من الصحف والمجلات المتخصصة في إيطاليا وخارجها.
وآخر ما يقترحه لنا حربة تصميماً جديداً لطاولة مكتب أطلق عليه اسم «الجنائن المعلقة»، وهو من سلسلة أعماله اللافتة. يحمل السطح الكريستالي الشفاف لطاولة المكتب «الجنائن المعلقة» من كل جهة من جهتيه الأماميتين ثلاثة أدراج هندسية لم يصفَّ حربة أحدها فوق الآخر بانتظام، كما جرت العادة، وإنما وزَّعها توزيعاً موسيقياً خاصّاً تخرج بحركة مخالفة للأخرى متقدمة ومتأخرة إحداها عن الأخرى، وبمسافات محسوبة وظيفياً وجمالياً.
وخروجاً عن التقليد، وإمعاناً في اضفاء روح الربيع البهيج «روح الفنان» عليها عمد حربة على أن يكون كل درج منها بلون مختلف عن الآخر، وكذلك القوائم الخلفية للمكتب التي ارتكز أحدها على ثلاث كرات بيضاوية متباينة الحجم، والأخرى، وفي تغيير صارخ لكل المعادلات السابقة.
مجلة «Vogue» الأشهر والأهم في مجال الموضة نشرت في أحد أعدادها الأخيرة لشهر سبتمبر (أيلول) مقالاً تحت عنوان «حالة شغف وحب» أشادت فيه بمنجز حربة ووصفته بأنه «مصمم انتقائي ومبدع ومجدد، وبأن نقطة البداية عنده دائماً هي الحب للجمال، بوصفه القوة التي لا يمكن قهرها، وهي الأساس في إبداعه، وبأن ألوانه الخاصة تمنح طاقة إيجابية، ولها البطولة المطلقة، ومن ثم تأتي الأشكال المبتكرة والمواد الثمينة التي تشكل خامة أعماله».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».