الفيضانات تعمّق مآسي المدن الفقيرة في ليبيا

إعلان حالة الطوارئ في غات وتضرر المسجد العتيق في أوجلة

جانب من المياه التي غمرت أحد شوارع مدينة غات (المجلس البلدي)
جانب من المياه التي غمرت أحد شوارع مدينة غات (المجلس البلدي)
TT

الفيضانات تعمّق مآسي المدن الفقيرة في ليبيا

جانب من المياه التي غمرت أحد شوارع مدينة غات (المجلس البلدي)
جانب من المياه التي غمرت أحد شوارع مدينة غات (المجلس البلدي)

عمّقت موجة من الطقس السيئ، مصحوبة بأمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول، مآسي عدد من المدن الفقيرة أو النائية في ليبيا، بداية من مدينة غات (جنوب غربي البلاد)، مروراً ببلدية أوجلة (نحو 400 كلم إلى الجنوب من بنغازي) التي تضرر مسجدها العتيق، وصولاً إلى سواحل شرق البلاد.
ووجه المجلس البلدي لمدينة غات، الواقعة في قلب الصحراء على مشارف الحدود مع الجزائر، استغاثة للسلطات التنفيذية في البلاد، لإنقاذ المواطنين الذين حاصرتهم السيول، وتقطعت بهم السبل، فضلاً عن انهيار الكثير من المنازل، وتشريد ساكنيها.
وأمام تدفق السيول، أعلن المجلس البلدي، في بيان، أمس، «غات» مدينة منكوبة، كما شكّل لجنة لمتابعة أوضاع المواطنين وحصر الأضرار التي لحقت بالممتلكات الخاصة والعامة. ودعا المجلس البلدي هيئة الدفاع المدني إلى إعلان حالة الطوارئ، ومساعدة فرق الهلال الأحمر الليبي في إنقاذ العالقين بكافة قرى ومناطق المدينة، مطالباً الجهات المسؤولة في الدولة بتقديم المساعدة الممكنة لتأمين حياة المواطنين المتضررين من الأزمة.
وقال عميد بلدية غات، قوماني صالح، لـ«الشرق الأوسط»، إنهم «عاشوا ليلة قاسية بكل المقاييس، عندما ضربت أمطار رعدية المنطقة، وانهمرت المياه بغزارة على المنازل»، مشيراً إلى أن «كثيرين من المواطنين أصبحوا في العراء بعدما غمرت المياه منازلهم، مما يتطلب تدخلاً سريعاً من الأجهزة المعنية في البلاد».
ولم تكن مدينة غات هي التي تضررت بالأمطار وحدها، فقد اشتكت غالبية مدن الجنوب من سقوط أمطار غزيرة، لكن بعض المواطنين عدّها «أمطار خير» لأن المناطق الصحراوية في حاجة إلى مياه الأمطار.
كما اشتكى نازحو مدينة تاورغاء، الذين يقيمون في مخيمات وغرف مسقوفة بالخشب والصاج، في طريق المطار بالعاصمة طرابلس، من «تعرضهم لطقس سيئ، وسقوط الأمطار عليهم لساعات طويلة، مما يمنعهم من النوم ليلاً»، بحسب ما قال نازحون.
وبدأ موسم الأمطار مبكراً في ليبيا، إذ تسببت السيول التي ضربت، نهاية الشهر الماضي، منطقة المخيلي (175 كيلومتراّ جنوب غربي طبرق) شمال شرقي البلاد، في مقتل شخصين كانا يرعيان الأغنام، بالإضافة إلى إغراق مناطق في العاصمة طرابلس.
وقال خبراء الأرصاد في البلاد إن هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها منطقة المخيلي سقوط أمطار غزيرة بهذه الكثافة منذ 28 عاماً، ما أدى إلى إغراق عدد كبير من المنازل وإغلاق الطرق وانقطاع الكهرباء.
وعلى سواحل شرق البلاد، تعرضت مدينة بنغازي إلى أمطار رعدية شديدة، على مدار الأيام الماضية، لكنها كانت أشد، أول من أمس، عندما أغرقت الكثير من الشوارع والبنايات، وخاصة كلية الهندسة بجامعة بنغازي، ما دفع الطلاب إلى الاستغاثة ومناشدة المسؤولين في البلاد، لاتخاذ إجراءات احترازية لحماية كليتهم من المياه التي حطمت النوافذ، وأغرقت قاعات الدرس.
ولم تنج بلدية أوجلة، التي تقع في الجنوب الشرقي، ولا مسجدها العتيق، من موجة الطقس السيئ الذي تسبب في إغراق شوارعها بمياه الأمطار، وتعرض المسجد الذي بُني في عهد الفتوحات الإسلامية، لتشقق في جدرانه جراء سقوط الأمطار بغزارة منذ الثلاثاء الماضي.
وأطلق القائمون على المسجد ومسؤولو آثار محليون نداء استغاثة للإسراع في ترميم المسجد العتيق الذي يعد من أقدم المساجد في شمال أفريقيا، وشُيد بـ«الطين الأحمر» عام 44 هجرية، على يد الصحابي عبد الله ﺑﻦ أبي ﺍﻟﺴﺮﺡ.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.