«المركزي» التركي يبقي على سعر الفائدة ويحافظ على السياسة المتشددة

أنقرة تسعى لحل الخلافات وإعادة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة مع الأردن

وزير الاقتصاد التركي بيرات البيراق خلال لقائه نظيره الألماني بيتر ألتماير في أنقرة أمس (رويترز)
وزير الاقتصاد التركي بيرات البيراق خلال لقائه نظيره الألماني بيتر ألتماير في أنقرة أمس (رويترز)
TT

«المركزي» التركي يبقي على سعر الفائدة ويحافظ على السياسة المتشددة

وزير الاقتصاد التركي بيرات البيراق خلال لقائه نظيره الألماني بيتر ألتماير في أنقرة أمس (رويترز)
وزير الاقتصاد التركي بيرات البيراق خلال لقائه نظيره الألماني بيتر ألتماير في أنقرة أمس (رويترز)

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 24% خلال اجتماع لجنته للسياسة النقدية، أمس (الخميس). وجاء ذلك استجابةً لإظهار الليرة التركية ثباتاً في سعر صرفها مقابل الدولار، بعد أن تعرضت لأسوأ أداء لها خلال شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، ما اضطر البنك إلى رفع سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع (الريبو) مرتين بمجموع 11.25 نقطة مئوية هذا العام.
وأشارت توقعات سابقة على اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك، إلى أن البنك سيُبقي على سعر الفائدة دون تغيير.
واستردت الليرة التركية بعض خسائرها في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من أن خسائرها المجمعة لا تزال بواقع 35% من قيمتها مقابل الدولار، تحسناً من وضع بلغت فيه إجمالي الخسائر التي لحقت بها أكثر من 40%. كما ارتفعت معدلات التضخم إلى 25% تقريباً، ما زاد من احتمال حدوث ركود وارتفاع حاد في الديون المعدومة.
وتُظهر بيانات صدرت مؤخراً أن إعادة التوازن في الاقتصاد أصبحت أكثر وضوحاً، وأن الطلب الخارجي يحافظ على قوته، بينما يستمر التباطؤ في النشاط الاقتصادي المحلي، ويرجع ذلك جزئياً إلى تشديد الشروط المالية، وفقاً لبيان صدر عن البنك عقب اجتماع لجنة السياسة النقدية أمس.
وشدد البنك المركزي التركي على أن التطورات الأخيرة المتعلقة بتوقعات التضخم تشير إلى مخاطر كبيرة لاستقرار الأسعار. وحسب البيان «أظهرت الزيادات في الأسعار نمطاً عاماً عبر القطاعات الفرعية، ما يعكس التحركات في أسعار الصرف. وعلى الرغم من أن ضعف الطلب المحلي سيخفف بشكل جزئي من تدهور توقعات التضخم، فإن المخاطر التصاعدية على سلوك التسعير لا تزال سائدة. وبناءً على ذلك، قررت لجنة السياسات النقدية الإبقاء على السياسة النقدية المتشددة».
وأضاف المركزي التركي أنه سيواصل استخدام جميع الأدوات المتاحة سعياً لتحقيق هدف استقرار الأسعار، وسيتم الحفاظ على التشدد في السياسة النقدية بشكل حاسم حتى تُظهر توقعات التضخم تحسناً كبيراً.
وأكد البنك أن توقعات التضخم وسلوك التسعير والأثر المتأخر لقرارات السياسة النقدية الأخيرة، ومساهمة السياسة المالية في عملية إعادة التوازن، والعوامل الأخرى التي تؤثر على التضخم، سيتم رصدها عن كثب.. وإذا لزم الأمر، سيتم إجراء المزيد من التشديد في السياسة النقدية.
في الوقت نفسه، ثبّتت وكالة التصنيف الائتماني الدولية «فيتش» عجز المصدر عن السداد طويل الأجل للعملية الأجنبية لبنك «برقان تركيا» عند درجة «BB-»، مع نظرة مستقبلية سلبية.
كما خفضت الوكالة تصنيف الجدارة الائتمانية للبنك من «B+» إلى «B»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن هذا التقييم ليس له أثر على تصنيفات مجموعة «برقان».
ووفقا لبيان أصدرته «فيتش»، أمس، فإن انخفاض الجدارة الائتمانية يعكس زيادة المخاطر للوضع الائتماني للبنك، موضحاً أن أداء البنك وجودة الأصول ورأس المال، بالإضافة إلى وضع السيولة والتمويل تتعرض الآن للضغط بشكل أكبر نتيجة لتقلبات السوق، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الهبوط الحاد للاقتصاد وتدهور رغبة المستثمرين.
ولفتت الوكالة إلى أن الانخفاض الحاد للعملة التركية، جنباً إلى جنب ارتفاع معدلات الفائدة وضعف آفاق النمو، زادت من مخاطر تصنيف الجدارة الائتمانية. على صعيد آخر، تبذل تركيا جهوداً مكثفة لإقناع الأردن بالعودة إلى العمل باتفاقية التجارة الحرة بينهما. وأجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اتصالاً هاتفياً مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مساء أول من أمس، لمناقشة الموضوع، وأكدا ضرورة العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وحل القضايا المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
وتبع ذلك اتصال آخر بين وزيري خارجية البلدين مولود جاويش أوغلو وأيمن الصفدي، بحثا خلاله اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين الموقّعة في عام 2009، والتي علقت الأردن العمل بها في مايو (أيار) الماضي. وشهدت الفترة الأخيرة مفاوضات بين تركيا والأردن من أجل إعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين، وتم بحث الملف خلال زيارة وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، كما جرى بحثها خلال زيارة وزير الصناعة والتجارة الأردني طارق الحموري إلى تركيا قبل نحو شهر.
وأبلغت الحكومة الأردنية، في مايو الماضي، الجانب التركي رسمياً بإنهاء العمل باتفاقية التجارة الحرة، وقال وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، يعرب القضاة، إن الجانب الأردني، من باب المرونة، تريث في إجراءات إنهاء العمل باتفاقية التجارة الحرة وتقديم مقترح لتعديل عدد من أحكامها وبنودها بشكل يضمن تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وبما يحقق المصالح المشتركة لهما، إلا أن ذلك لم يتحقق.
وأضاف أن فريقاً متخصصاً من الوزارة عقد اجتماعات مكثفة مع الجانب التركي، إلا أن تلك الاجتماعات لم تفضِ إلى توافق يلبي طموحات الجانب الأردني في تحقيق أقصى استفادة ممكنة بغرض تعديل العجز في الميزان التجاري بين البلدين وزيادة الاستثمارات التركية في الأردن على المديين المتوسط والطويل.
وأوضح القضاة أن الاتفاقية كانت لها تأثيرات سلبية على الصناعة الوطنية جراء المنافسة غير المتكافئة، من البضائع التركية التي تحظى بدعم من الحكومة التركية مما أفقد المنتج الأردني القدرة على المنافسة في السوق المحلية لهذه البضائع.
ووقّعت الأردن وتركيا اتفاقية التجارة الحرة بداية ديسمبر (كانون الأول) 2009، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في شهر مارس (آذار) 2011، ونصت على استثناء معظم السلع الزراعية والزراعية المصنعة من الرسوم الجمركية، كما خضعت سلع أخرى لنظام الحصص «الكوتة».
وأظهرت الإحصاءات أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح تركيا، فقد صدّرت تركيا بضائع وسلعاً إلى الأردن خلال العام الماضي بقيمة 681 مليون دولار، مقابل واردات بقيمة 101 مليون دولار فقط.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.