أفلام الخيال العلمي محكومة بنهايات مدمّرة

تنطلق من اعتبار الأمل مفقوداً والنهاية وخيمة

«لوغان»:  الرجل المهدد هيو جاكمان
«لوغان»: الرجل المهدد هيو جاكمان
TT

أفلام الخيال العلمي محكومة بنهايات مدمّرة

«لوغان»:  الرجل المهدد هيو جاكمان
«لوغان»: الرجل المهدد هيو جاكمان

تعكس نهايات معظم أفلام الخيال العلمي والرعب المبني على فانتازيات الفضاء كما عدد كبير من أفلام الرعب عموماً ما يمكن اعتباره اعتقاداً راسخاً من أن الغلبة في نهاية الصراع بين الإنسان وسواه لا يمكن أن تكون لصالح الأول. الإنسان، في أفضل حالاته، سيجد نفسه وقد تحوّل إلى مرتبة ثانية من مراتب المجتمع. عبد للمخلوقات الشريرة التي تعوم فوقه أو تسيطر على دنياه.
هذا في بعض الحالات فقط. في الحالات الأخرى سيخسر المواجهة كلياً وسينتصر الشر ويصيب الدمار الأرض كلها. في الفيلم الكرتوني المليء بالمعاني WALL‪ - ‬E (إنتاج بيكسار وإخراج أندرو ستانتون، 2008) يضطر البشر القادرون على النفاذ إلى كواكب مصنوعة ترك كوكب الأرض وقد تحوّل إلى مزبلة بحجم الدنيا يعمل على جمعها من ورث تلك الأرض من آلات. في فيلم «لوغان» لجيمس مانغولد (2017) يخسر البشر لا حياتهم فقط بل الأرض التي يعيشون عليها أيضاً. الدمار، في معظم ما أخرجه رولاند إيميريش من أفلام، مثل «غودزيللا» (1998)، «يوم ما بعد غد (2004) و«2012» (المنتج سنة 2009) الهجوم الآتي من أعماق البحار أو من أعماق الفضاء سيفني الأرض. البيت الأبيض ذاته سيدمر عن بكرة أبيه في «سقوط البيت الأبيض» (2013).

عقل خارج الإنسان

يمكن أن ندرج عناوين أفلام كثيرة أخرى توفر المفاد نفسه حيث لا أمل للبشرية ولا قدرة على النجاة مما بات وشيك الحدوث. فيضانات ووحوش وروبوتس وأندرويدز وسواها. وبفضل المؤثرات الصوتية والبصرية الحديثة، وابتكار فعال للأبعاد الثلاثة (يختلف في درجة تجسيده الصورة بنسبة لا تقارن مع تلك التي سادت لحين في الخمسينات) تمتعت مضامين تلك الأفلام بقدرة على إقناع المشاهدين بأن الحياة المقبلة هي دمار وأن ما يشاهدونه هو قواعد لعبة الدمار هذه، تلك التي كانت محجوبة في مثل هذه الأفلام في منتصف القرن الماضي لأن الإنسان، في ذلك الحين، كان أكثر نبلاً وقوّة وإيماناً من إنسان اليوم.
في نهاية «غزو ناهشو الجسد» (The Invasion of Body Snatchers) لدون سيغال سيبقى هناك من سيحذر من خطر النباتات الهاطلة مع الأمطار التي تسطو على الشكل الآدمي للإنسان وتحوّله إلى شكل لا روح فيه. مع نهاية «حرب العالمين» (The War of the Worlds) لبريان هاسكين سيلجأ البشر إلى الكنيسة (التي ترمز للإيمان بالله) وسيدحرون هجوم أهل الفضاء. في فيلم فرد ولكوكس «كوكب ممنوع» (Forbidden Planet) سيضحي العالم بحياته بعدما اكتشف القدرة على صنع عقل ذكي خارج الإنسان باختراعه حتى لا ينتصر ذلك العقل المدمّـر على حياة البشر.
الفارق الأساسي في مفادات أفلام الأمس هو أن الأمل موجود وانتصار الإنسان على ما عداه هو أمر محتم. ربما لا ينتهي الفيلم من دون خسائر بشرية، لكن النصر حتمي وارتداد المخلوقات الآتية من الفضاء، أو تلك المنتجة من مخاطر بشرية (علمية أو نووية) أمر محتم.
حتى الستينات كان هناك إجماع شبه كلي على هذا المفاد… ثم حدث ألفرد هيتشكوك عندما قام، في العام 1963 بتحقيق فيلمه «الطيور» (The Birds) الذي لفت النظر فيه إلى كيف أن ما نجده أليفاً من مخلوقات تشاركنا العيش في المدن أو السواحل أو في الأرياف قد لا تكون على النحو الذي نعتقده. في ذلك الفيلم تثور طيور البلدة الساحلية على البشر من دون سبب ظاهر. لا معنى لهذا السبب (غير المفتقد فعلياً) في فيلم يريد الإيحاء بخطر مفاجئ لطيور لم يكترث لها أحد من قبل. النهاية نصف انتصار، فالشخصيات الأساسية تبقى حية والطيور في معظمها يموت. لكن النصف الثاني أن الثمن كان دماراً وأن ما حدث في تلك البلدة قد يتكرر مع طيور مماثلة في بلدات أخرى.

الخوف المحيط

من طيور هيتشكوك اندلعت أفلام تتحدث عن كل ما قد يحيط بنا من مخاطر مصدرها مخلوقات تعيش بيننا: أرانب، جرذان، أسراب نحل، نمل، ديدان، ضفادع وأسماك وبكل تأكيد كلاب أليفة تتحول إلى ذئاب وحيوانات شرسة تهاجم البشر وتفتك بهم.
الهجمة الأخيرة لأفلام الخيال العلمي والرعب لها مفاد مختلف كلياً عما سبق. لقد اختفى، أو كاد، بصيص الأمل. الإنسان فاشل في الحد من المخاطر المحيطة به. القوى الشريرة (وحوش من الأرض أو الفضاء أو آلات مسيرة بعقول ذكية) لها الكلمة الأخيرة في الصراع. نعم، هناك حاجة لترقيع مثل هذه النهايات لأجل صنع أجزاء لاحقة من الفيلم الأول، لكن في الوقت ذاته، هناك ذلك الوضع الذي يعكس عجز إنسان اليوم عن حماية نفسه من أي خطر محدق. وبسبب عجزه، تقول هذه الأفلام، لا أمل له في أن يربح جولاته ضد أعدائه.
رغم ذلك كان يمكن لمفادات أفلام اليوم أن تنتهي ببوارق أمل مشاع أو بانتصار إرادة الإنسان، لكنها تختار أن تؤسس لمفهوم أن دمار الأرض ومن عليها بات مسألة حتمية وبذلك تخلف مضموناً سابقاً كان أدّى إلى إشعار الإنسان بأنه ما زال يملك أدوات مصيره. في المقابل، لا يملك اليوم هذه الأدوات ومن حقه، كما تعمد هذه الأفلام، أن يشعر بالقلق والخوف من المستقبل وأن يحيط نفسه. بسبل الدفاع عن نفسه وحماية عائلته إذا ما استطاع.
هذا الوضع نشأ تدريجاً. أفلام أخرى في الثمانينات تحدثت عن الحاجة إلى روبوتس أقوياء يحمون المدن من شرور العصابات والقتلة. هذا ورد، مثلاً في فيلم بول ڤرهوڤن RoboCop سنة 1987 حيث يتدخل العلم لإنقاذ حياة الشرطي أليكس (بيتر وَلر) وتحويله إلى نصف آدمي - نصف روبوتس لديه قوّة لا تقهر تستطيع الفوز حيث خسر أمثاله حين مقارعته المجرمين. لكن في الوقت ذاته، نجد أن هذا الوضع يعزز فشل الإنسان وقلة حيلته وإخفاق أجهزة الأمن البيّن، ما يعني، بدوره، أن الحل ليس في المزيد من القدرات البشرية بل في المزيد من تحديث العقول الذكية على النحو الذي شهدناه لاحقاً في عشرات الأفلام التي عالجت هذه الفكرة ضمن المفادات ذاتها.
‫الأفلام التي ناوأت هذا الاتجاه قليلة ومتباعدة: فيلم روبرت وايز «اليوم الذي توقفت فيه الأرض» The Day the Earth Stood Still سنة 1951 و«وصول» لدنيس فلنييف سنة 2016. كلاهما اختار حلاً ثالثاً وهو التواصل مع الكائنات الشريرة لحل مشكلة العلاقات الشائكة، لكن هذا الحل المسالم لا يصنع مسلسلات ضخمة الإيرادات. ‬


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.