تونسيون يمارسون مهنا شاقة خلال شهر الصيام

قبعات وواقيات شمسية لتخفيف وطأة الحرارة والعطش.. وبعضهم حول جزءا من أنشطته إلى ساعات الليل

أعمال البناء والفلاحة من أشق الأعمال خلال شهر رمضان
أعمال البناء والفلاحة من أشق الأعمال خلال شهر رمضان
TT

تونسيون يمارسون مهنا شاقة خلال شهر الصيام

أعمال البناء والفلاحة من أشق الأعمال خلال شهر رمضان
أعمال البناء والفلاحة من أشق الأعمال خلال شهر رمضان

لم تثن حرارة الشمس المرتفعة خلال هذه الفترة من السنة وتلازمها مع شهر الصيام الكثير من التونسيين عن مواصلة النشاط بعزم وتأمين فترة العمل القانوني. واستنبط الكثير منهم حيلا بسيطة لتلافي أشعة الشمس وكذلك مخاطر الإصابة بالجفاف نتيجة تدفق العرق وتعرضهم لساعات لأشعة الشمس الحارقة. لذلك تراهم أثناء ساعات النهار هامات قائمة بطولها وسط حقول الطماطم والعنب والحبوب، وفوق مشاريع البناء الشاهقة، وكل يحاول قدر الاستطاعة التهرب من أشعة الشمس التي تلاحقه طوال ست ساعات من العمل على الأقل.
ويذكر أصحاب الأعمال وخبراء الاقتصاد أعمالا بعينها ضمن المهن الشاقة، ومن بينها أعمال البناء والأشغال العامة والبنى التحتية خاصة الطرقات والأنشطة الفلاحية المختلفة ومعظم الأعمال التي تتم في فضاءات مفتوحة أثناء ساعات النهار.
وبالنظر لصعوبة التوفيق بين العمل والصيام فإن الكثير منهم استنبطوا حيلا بقيت في نطاق الحيلة للتغلب على مصاعب أيام طويلة من العمل والصيام المرفق عموما بالعطش، ولكل من هؤلاء طريقته في تلافي مخاطر الإصابة بأشعة الشمس والتعرض إلى الجفاف بعد ساعات العمل.
وفي هذا الشأن، قال عمر الجبلي، عامل في القطاع الفلاحي، إنه يحاول على الدوام الانطلاق في العمل مبكرا، وغالبا ما يبدأ في حدود الساعة الخامسة صباحا ولا يتوقف عن العمل إلا في حدود العاشرة مؤجلا بعض الأشغال إلى ساعات الليل بعد ارتواء العروق وتناول ما يهز الجسد من سوائل وتغذية، على حد قوله. وأضاف أن ضغط الطبيعة هو الذي يجعله لا يتخلف عن العمل خلال شهر الصيام، فاحتمالات نزول الأمطار خلال الصيف والمخاوف من إتلاف الصابة هي التي تجعله يواصل العمل بجد ولا يتوقف. وقال إن لكل عامل طريقته في تفادي مخاطر الحرارة المرتفعة خلال هذه الفترة، فغسل الأطراف باستمرار وسكب الماء على الوجه والرأس من الطرق المجدية لمقاومة الحرارة، على حد قوله.
ويدعو بعض أطباء الشغل إلى ضرورة مراعاة الناشطين في المهن الشاقة خلال شهر رمضان، ويلحون على تحويل بعض الأنشطة إلى ساعات الليل بشرط توفير الإنارة الكافية لتفادي حوادث العمل.
ولا تكاد ترى أحد العمال دون قبعة أو مظلة شمسية تقيه وهج الشمس القوية، فمعظم العمال على دراية بمخاطر هذه الفترة الزمنية ذات الحرارة القياسية على صحتهم، لكن العمل لا يتوقف كما يقول الحبيب بن حسين، مختص في البناء والأشغال العامة. ويوضح بن حسين أنه غالبا ما يتناول قدرا مهما من السوائل خلال الساعات التي تسبق الإمساك، ويرى أن الماء خلال هذه الفترة أهم بكثير من بقية الأغذية، فهو على حد قوله يتناول النصيب الأكبر منه حتى لا يجد جسده في مرمى الإصابة بالجفاف. ولم يخف بن حسين صعوبة مزاولة النشاط خلال فترات الحر، لكنه يشير إلى أنه أصبح معتادا على هذا العمل الذي رافقه الآن مدة 20 سنة متواصلة، وهو على تعبيره بات على علاقة ود معه ولا يستطيع بالتالي قطع حبل الود بسهولة.
ومن ناحيته، أشار قيس البوجبلي، مشرف على مجموعة من العمال، إلى أنه يتغاضى خلال شهر الصيام عن بعض التراخي الذي يلحظه لدى بعض العمال، فالعمل تحت أشعة شمس حارقة لساعات يصيب العامل بالكثير من المتاعب، على حد قوله، لذلك يسعى كل طرف إلى تفهم مصلحة الطرف الآخر، فالعمال غالبا ما يبدأون بنشاط خلال الساعات الأولى من الصباح لتخف قليلا حركتهم بعد ذلك، وهذا لا يضر كثيرا فخلال الأشهر المقبلة يضاعفون مردوديتهم، وهذا ما يعدل الكفة ويخفف من وطأة النقص في الإنتاجية.
ودعت عدة جمعيات خيرية تونسية تعمل في مجالات إنسانية إلى تقديم المعونات بأصنافها إلى مزاولي الأعمال اليدوية الشاقة خاصة منهم الذين لا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم والحصول على تغذية سليمة خلال شهر الصيام. ودعت التونسيين إلى توجيه الجزء الأكبر من الإعانات إليهم قبل غيرهم، معتبرة أن الكثير منهم في «جهاد يومي» من أجل لقمة العيش الحلال.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».