تمام الأكحل وإسماعيل شموط في معرض مشترك

70 لوحة للفنانة الفلسطينية وزوجها الراحل في متحف الشارقة للفنون

افتتاح المعرض
افتتاح المعرض
TT

تمام الأكحل وإسماعيل شموط في معرض مشترك

افتتاح المعرض
افتتاح المعرض

منذ انطلاقها قبل تسعة أعوام قدمت سلسلة «علامات فارقة»، التي تقام في متحف الشارقة للفنون، أعمالاً مذهلة أبدعها عدد من أبرز الفنانين التشكيليين وأكثرهم نجاحاً على مستوى المنطقة. وتضيف السلسلة معرضاً جديداً للفنانة الفلسطينية تمام الأكحل، زوجة الفنان المعروف الراحل إسماعيل شموط، يتضمن 70 لوحة فنية تحظى بأهمية فنية وثقافية وسياسية ويستمر حتى 15 ديسمبر (كانون الأول).
وكان الفنانان التشكيليان شموط والأكحل قد وظّفا موهبتهما في سبيل تعريف العالم على ظروف الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال أعمالهما الفنية على مدار 50 سنة متواصلة. وقد شهد كل من الفنانين أحداث النكبة التي أجبرت أعداداً كبيرة من أبناء فلسطين على الابتعاد عن وطنهم؛ لذلك فقد كانت أعمالهما الفنية تعبر عن النكبة، بالإضافة إلى التغييرات التي تعرّض لها البناء الاجتماعي في الدولة. وكان إسماعيل شموط قد التقى تمام الأكحل عندما كانا يدرسان الفنون في القاهرة، قبل أن يتزوجا عام، وقد عرضت أعمالهما في معارض مشتركة ومنفصلة في مختلف أرجاء العالم، ليرسخا حضورهما باعتبارهما من الشخصيات البارزة في الإرث الثقافي والتاريخي في فلسطين.
وبعد مرور 12 سنة على رحيل الفنان التشكيلي الفلسطيني، إسماعيل شموط، فإن تأثيره لا يزال قوياً على الفنانين العرب. أما الفنانة التشكيلية تمام الأكحل، التي قدمت الكثير من الأعمال الفريدة والمميزة، فتحتفظ أيضاً إلى جانب أعمالها بالمجموعة الخاصة بزوجها الراحل. ويعرض متحف الشارقة للفنون عدداً من أهم الأعمال التي أبدعها الفنانان التشكيليان، التي استعيرت من مجموعة العائلة. وعلقت منال عطايا، مدير عام هيئة الشارقة للمتاحف، على المعرض لـ«الشرق الأوسط» بقولها «تمثل هذه النسخة من سلسلة (علامات فارقة) المرة الأولى التي تعرض فيها أعمال اثنين من الفنانين التشكيليين معاً. لكن بطبيعة الحال، فإن أعمال كل من شموط والأكحل تعكس انسجامهما الحياتي والفني؛ لذلك فإن المعرض يعد فرصة فريدة لعرض أعمالهما معاً».
وتستوحي الفنانة تمام الأكحل من التراث الشعبي الفلسطيني، والبيئة الشعبية، بكل ما تحمل من مدلولات روحية وشفاهية، وهي تركز على ما تحاول القوة المغتصبة اقتلاعه أو تقويضه، وهي ابنة يافا، في عدد كبير من لوحاتها. شاركت الأكحل في 1954 بمعرض فني مع الفنان إسماعيل شموط، الذي أصبح فيما بعد زوجها ورفيق دربها الفني، وافتتح هذا المعرض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبعد ذلك شاركت زوجها إسماعيل شموط في المعارض كافة التي أقيمت لأعمالهما في معظم الدول العربية. كما شاركت في عشرات المعارض المشتركة العربية والدولية والأجنبية، ولها أعمال مقتناة في عدد من متاحف الدول العربية والأجنبية.
تجاوزت الفنانة في إبداعاتها الصيغ التسجيلية في تعبيرها عن القضية الفلسطينية، فأدخلت الفن في مرحلة جديدة ومتطورة. وتدل لوحاتها ومعارضها على أنها فنانة متمكنة من أدواتها التعبيرية، وتتمتع بخبرة أكاديمية واسعة. وانتقلت من الواقعية إلى التجارب التعبيرية والرمزية والتجريدية، واستطاعت أن تقدم أعمالاً فنية تدور في مساحة الحلم الفلسطيني والتراث، من فيض ذاكرتها المختزنة لذكرياتها المستعارة من طفولة رغيدة إلى حياة التشرد واللجوء. وتأثرت كثيراً بألوان الموروثات والألوان من التراث الفلسطيني، المطرزات، وأضافت لها درجات لونية خاصة بفنها البصري، كما تستحضر يافا وما فيها من جماليات البحر والتلال والحقول والخيرات، وأشرعة الزوارق.
أما الفنان شموط المولود في مدينة اللد عام 1930، أحد أبرز رواد الفن التشكيلي الفلسطيني، ويرى فيه البعض أنه مؤسس حركة الفن التشكيلي الفلسطيني بعد النكبة التي عاش فصولها وهاجر إلى أكثر من مكان حتى استقر به الحال في الأردن التي دفن فيها عام 2006. وتروي الفنان تمام الأكحل في كتابها «اليد ترى والقلب يرسم» جزءاً من سيرتها الذاتية مع زوجها شموط. تقول في مقدمته «أحاول في هذا الكتاب أن أضيء على جوانب سيرتي الشخصية وسيرة حبيبي إسماعيل (موطناً ووجعاً وحلماً) وأرفع الستار بالرد على الأسئلة الجمة التي كثيراً ما طرحها علينا أصدقاء وإعلاميون عن الوطن والتهجير والطموحات والشغف والعناد والحب ألغامر».
ونلاحظ في اللوحات المعروضة للفنان إسماعيل شموط ذكريات المدينة المنكوبة اللد، وتتميز بالواقعية، التي تمتزج مع رؤى الفنان، وألوانه وأشكاله وخطوطه، وذلك يظهر من عناوين اللوحات المعروضة في المعرض الحالي. وقد تمكن من إبداع لغة جديدة مغايرة للمألوف التي استخدمه معظم الفنانين الفلسطينيين. وتميّز بلوحته الشهيرة «مسيرة شعب» هو عنوان اللوحة الكبيرة - ستة أمتار طولاً - التي أنجزها في 1980 يجسد فيها مأساة شعبه وحياته الشخصية. وعرضت اللوحة لأول مرة في عام 1981 في دار الكرامة ببيروت، ثم ذهبت في جولة لتعرض في دمشق، وماليزيا، والكويت، وعمان، وأبوظبي، لتستقر أخيراً في رام الله. ولا يزال الفنان إسماعيل شموط يمثل أيقونة الفن الفلسطيني. ويقدم متحف الشارقة للفنون بمناسبة انعقاد هذا المعرض المهم فيلمين قصيرين قام إسماعيل شموط بإنتاج أحدهما عام 1973، بعدما كان يعتقد أنه قد فُقد نتيجة لاستيلاء الجيش الإسرائيلي عليه في 1982، لكن اكتشف وجود نسخة أخرى منه بعد مرور سنوات طويلة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».