«رقصة الكمنجة»... عرض موسيقي يؤمّنه عازفون من تونس ومصر وتركيا

TT

«رقصة الكمنجة»... عرض موسيقي يؤمّنه عازفون من تونس ومصر وتركيا

تحتفي مدينة الثقافة في تونس بآلة الكمنجة في عرض استثنائي يحمل عنوان «رقصة الكمنجة»، ويجمع هذا العرض عازفين ذائعي الصيت من تونس، ومصر، وتركيا، ويؤمّنه العازف التونسي محمد الغربي الذي تميز بقدراته التقنية الفائقة في العزف والتلحين، ويشاركه في هذا العرض الموسيقي العازف المصري عبده داغر، الذي يعتبر رمزاً من رموز آلة الكمنجة في العالم؛ فقد عاصر كبار المطربين والملحنين في مصر وتميّز بأسلوبه الخاص في العزف على آلة الكمنجة، كما رافق جيل عمالقة الفن والألحان، ومن بينهم محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ.
إلى جانب العازف التونسي محمد الغربي والمصري عبده داغر، نجد التركي نديم نالبانتوغلو، الذي تميز بإتقانه الموسيقى العربية وموسيقى الجاز، علاوة على مشاركة مميزة للموسيقي والملحن التونسي بشير السالمي، وهو من أبرز العازفين في تونس ويحمل في جرابه تجربة طويلة مع فرقة الإذاعة التونسية (فرقة حكومية).
و«رقصة الكمنجة» عنوان لأحد العروض الموسيقية المميزة للعازف التونسي الراحل رضا القلعي، الذي أبدع في التعامل مع آلة الكمنجة وترك روائع موسيقية غاية في الإتقان، وكان هذا العنوان محوراً لعرض موسيقي احتضنه مهرجان قرطاج سنة 2005، وها هو يجد الرواج نفسه بعد نحو 13 سنة.
وكان محمد الغربي العازف التونسي على آلة الكمنجة قد أصدر قبل أيام كليب «ابن الأرض»، واعتمد من خلاله على ألحان هذه الآلة، وأكد على مدى قدرة الآلة الموسيقية على تمرير رسائل للمتلقي في ظل غياب المغنّي، وأوضح الغربي أن «الآلة الموسيقية تعتبر بالمفهوم الكوني للموسيقى امتداداً لجسد الإنسان»؛ فالعالم - على حد تعبيره - «قائم على الارتدادات الصوتية».
والملاحظ أن اهتمام التونسيين بآلة الكمنجة وبقية الآلات الموسيقية الشرقية المكونة للتخت الموسيقي الشرقي ليس جديداً؛ إذ إن مدناً تونسية عدة تحتضن معاهد عليا حكومية للموسيقى، علاوة على عشرات المعاهد الخاصة المنتشرة في معظم المدن التونسية الكبرى. وتشير معطيات وزارة الثقافة التونسية والمحافظة على التراث، إلى وجود أربعة معاهد عليا للموسيقى راجعة بالنظر للحكومة، وهي موجودة في العاصمة التونسية، وفي مدن سوسة وصفاقس والكاف. ويعد المعهد العالي للموسيقى بتونس العاصمة الأكبر والأهم تاريخياً، ويستقبل سنوياً مئات الطلبة في اختصاصات موسيقية متعددة شرقية وغربية.
كما يقدم إلى جانب هذه المعاهد الموسيقية الأخرى، دروساً مسائية لمئات الأطفال الراغبين في تعلم الموسيقى بمختلف ألوانها، وبأسعار رمزية لا تتجاوز حدود 125 ديناراً تونسياً في السنة (نحو 45 دولاراً أميركياً).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».