130 مليون حالة ختان للمرأة في العالم.. و700 مليون تزوجن في سن الطفولة

بريطانيا تطبق إجراءات جديدة لمكافحته وتستضيف مؤتمرا بشأنه

مكافحة ختان النساء  -  التوعية من عملية ختان الإناث
مكافحة ختان النساء - التوعية من عملية ختان الإناث
TT

130 مليون حالة ختان للمرأة في العالم.. و700 مليون تزوجن في سن الطفولة

مكافحة ختان النساء  -  التوعية من عملية ختان الإناث
مكافحة ختان النساء - التوعية من عملية ختان الإناث

ذكرت أحدث بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن أكثر من 700 مليون امرأة على مستوى العالم تزوجن في سن الطفولة. وقالت «اليونيسيف»، أمس في العاصمة البريطانية لندن، إن أعداد هؤلاء لم تسجل تراجعا يذكر خلال العقود الثلاثة الماضية.
يذكر أن «اليونيسيف» تنظم في لندن مع الحكومة البريطانية قمة لتسليط الضوء على زواج الأطفال وختان الإناث، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
ووفقا للبيانات الجديدة لـ«اليونيسيف»، فإن هناك 130 مليون امرأة في العالم تعرضن لختان الجزء الخارجي من الأعضاء التناسلية بصورة جزئية أو كلية. وقال أنتوني ليكه المدير التنفيذي لـ«اليونيسيف»، إن «الفتيات لسن ملكية ولهن الحق في تقرير مصائرهن».
إلى ذلك، قال رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أمس، إن بريطانيا ستتخذ إجراءات جديدة لمكافحة ختان النساء وإنها ستلزم المدرسين والعاملين في مجال الصحة الإبلاغ عن أي حالات يرصدونها، حسب «رويترز».
وقال مكتب كاميرون، في بيان، إن الحكومة التي تستضيف مؤتمرا في لندن لبحث قضيتي الختان والزواج القسري ستكشف عن عدد كبير من الإجراءات لوضع حد للمشكلتين في بريطانيا والخارج.
وذكرت الحكومة البريطانية أن 500 مندوب يمثلون 50 دولة يشاركون في المؤتمر الذي بدأ أمس (الثلاثاء).
وتتضمن الإجراءات البريطانية تخصيص 4.‏1 مليون إسترليني (4.‏2 مليون دولار) لتمويل برنامج منع الختان في بريطانيا، وسن قوانين جديدة لمحاكمة الأسر التي لا تحمي بناتها من الختان، وتمويل برامج أخرى تمنع زواج الأطفال والزواج القسري في 12 دولة نامية.
وختان النساء من الممارسات الشائعة في الدول الأفريقية وكثير من الدول الإسلامية، التي تبرر هذه العملية بأنها تكبح غريزة النساء حفاظا على الأخلاق.
وفي تقرير صدر أمس عن جامعة سيتي يونيفرسيتي لندن البريطانية، أن هناك 103 آلاف فتاة وامرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة، بالإضافة إلى عشرة آلاف فتاة تحت سن الخامسة عشرة من اللاتي هاجرن إلى إنجلترا وويلز، تعرضن لعملية ختان.
وتعتزم بريطانيا أيضا وضع ميثاق دولي يدعو إلى القضاء على ختان النساء والزواج القسري خلال جيل واحد «نحو 30 سنة». وقالت الحكومة إن مؤتمر اليوم سيسعى للحصول على تعهدات جديدة من القطاع الخاص ورجال الدين والحكومات.
والختان جريمة في بريطانيا منذ عام 1985، لكن في عام 2003 صدر تشريع جديد يفرض عقوبة على هذه الممارسة تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 14 سنة. كما يجرم قانون عام 2003 قيام أي بريطاني بعملية ختان في الخارج حتى إذا حدث ذلك في دولة تقنن هذه الممارسة. وفي وقت سابق من العام، أصبح طبيب بريطاني ورجل آخر أول من يحاكم في بريطانيا بهذه التهمة.
إلى ذلك، تعمل «اليونيسيف» بدعم من الاتحاد الأوروبي لإنهاء ختان الإناث خلال جيل واحد. وهنا في السودان، برنامج «سليمة» يحتفي بالفتيات اللاتي لم يجر ختانهن.
وجذور ظاهرة ختان الإناث متشابكة وعميقة في التقاليد الاجتماعية والدينية بالسودان. وهي تعكس عدم مساواة صارخة في وضع النساء والفتيات. على سبيل المثال، الكلمة العربية التي تصف فتاة لم يجر ختانها، هي كلمة تعني العار.
وتوضح اختصاصية حماية الطفل بـ«اليونيسيف»، سميرة أحمد: «كلمة سليمة باللغة العربية تعني كاملة، صحيحة – تامة، كما خلقها الله، لم تمس».
ومن خلال البرنامج، يشجع التعليم المنتظم غير الرسمي الأسر السودانية على مناقشة المواضيع المحرمة، والتفكير فيما إذا كان الختان متوافقا مع حقوق الإنسان.
وتقول أمل محمد مراد، وهي إحدى المدربات في حملة «سليمة»: «أنا أقنع الأسر تدريجيا وليس فجأة. أستخدم المنطق السليم، لكسب صداقتهم. كما أستخدم الكتيبات والملصقات وأيضا الحلقات الدراسية». ويشارك الآن أكثر من 100 من القادة الدينيين في هذه المبادرة، والتزامهم له تأثير عميق.
ويقول الإمام ورئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي: «تتزايد حركة حقوق الإنسان في هذا البلد، وهناك الكثير من الرجعيين والمحافظين الذين يحاولون التحدث عن حقوق الإنسان باعتبارها إمبريالية ثقافية، ولكن الإسلام هو أحد أكبر حصون حقوق الإنسان».
تستخدم حملة «سليمة» وسائل الإعلام لنشر رسالتها على أوسع نطاق ممكن. كما أن لها «زيا موحدا» - وهو وشاح بألوان زاهية، يرتديه الرجال والنساء على حد سواء – مما يشجع الحوار ونشر رسالة حملة «سليمة» بين المجتمعات المحلية.
وفي اليمن، يجري تزويج فتيات صغيرات، أحيانا لا تتجاوز أعمارهن ثماني سنوات، على نطاق واسع. وقد أظهر المسح الوطني لرصد الحماية الاجتماعية مؤخرا أن 13 في المائة من الفتيات دون سن 18 سنة في اليمن متزوجات، وأن نحو نصف النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 سنة و49 سنة تزوجن قبل بلوغ سن الثامنة عشرة.
ولا توجد في البلاد سن محددة وموحدة للطفل، وتوجد حماية قانونية ضئيلة جدا لمنع ممارسة الزواج المبكر. وهذا الافتقار إلى السياسات يتناقض مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، التي وقعت عليها اليمن.
ويقول عبده منسوب، وهو زعيم ديني في محافظة الحديدة ويدير مركزا للتدريب المهني للنساء: «إنها ظاهرة محزنة ومؤلمة حقا أن ترى فتيات صغيرات يتزوجن، ويخسرن طفولتهن ويفقدن فرص التعليم»، وبالإضافة إلى أن الممارسة تلحق الضرر بالفتيات أنفسهن، فإن لها تأثيرا غير صاخب، ولكنه جذري، على البلاد.
إن إبعاد الفتيات عن الحياة العامة في وقت مبكر جدا له تأثيرات متتابعة، وعلى الأخص في مجالات التعليم والاقتصاد. ويوضح نائب ممثل «اليونيسيف» في اليمن، جيريمي هوبكنز: «إذا قمت بتزويج الفتيات في سن صغيرة جدا، فإنك تنزع قطاعا كبيرا من السكان من القوى العاملة، ومن ثم تتناقص القدرات البشرية في البلاد وتعجز عن النمو».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)