بوادر صراع سياسي في لبنان على تشكيل المجلس الدستوري الجديد

قاضٍ كبير يستقيل من منصبه للترشّح لعضويته

TT

بوادر صراع سياسي في لبنان على تشكيل المجلس الدستوري الجديد

استبقت القوى السياسية موعد انتخاب وتعيين أعضاء المجلس الدستوري الجديد، بإقرار قوانين وقرارات أثارت هواجس أطراف أخرى، وطرحت أسئلة حيال خضوع هذا التعيين للمعايير السياسية، مثل تعديل مادة في قانون المجلس الدستوري، تمدد مهلة الترشيح للعضوية، بما رأت هذه القوى أنه «يجعل المجلس العتيد رهينة الأهواء السياسية، ويجرّده من استقلاليته القضائية»، في وقتٍ برّر مصدر في المجلس الدستوري هذا التعديل، ورأى أنه «يراعي المصلحة العامة، بسبب سقوط بعض الترشيحات السابقة، ويحفظ تمثيل الطوائف في المجلس العتيد».
ورغم أن تكوين هيئة المجلس الجديد، ينتظر تشكيل الحكومة وسريان عمل المؤسسات، عبّر الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان، عن استغرابه لـ«تهريب بعض القوانين بحجة الاستثنائية؛ حيث يجري تشريع قانون يكرّس الحالة الطائفية بكل معانيها». وأعلن رفضه لـ«تعديل أحد بنود قانون إنشاء المجلس الدستوري بصورة استثنائية، عبر تمديد مهلة الترشيح لعضوية المجلس الدستوري رغم انتهاء المدة المحددة لذلك، وابتداع مهلة جديدة للترشح للعضوية، وهي شهر من تاريخ نشر القانون المعدّل»، معتبراً إياها «استثناء لتمكين أشخاص جدد من الترشح بحجة التوازن الطائفي».
الاعتراض السياسي على هذا القانون قلل من أبعاده مصدر في المجلس الدستوري، مبرّرا تعديل القانون بـ«أسباب ترتبط بصحّة عمل المجلس الدستوري». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا خلفية سياسية لتمديد مهلة الترشّح لعضوية المجلس؛ لأن بعض الذين رشّحوا أنفسهم في السابق سقطت ترشيحاتهم لتجاوزهم السنّ القانونية، والسبب الثاني أن بعض الطوائف ليس لديها مرشحون، مثل طائفة الروم الكاثوليك». وأشار المصدر الذي رفض ذكر اسمه، إلى أنه «فور انتظام عمل المؤسسات الدستورية، يفترض بالمجلس النيابي أن ينتخب خمسة أعضاء من بين المرشحين، كما يفترض بعد تشكيل الحكومة أن يعين مجلس الوزراء خمسة أعضاء، وعندها نصبح أمام مجلس دستوري جديد، وتنتهي ولاية المجلس الحالي الذي انتهت ولايته قبل ثلاث سنوات؛ لكنه مستمرّ بعمله بحكم تسيير عمل هذه المؤسسة التي تراقب دستورية القوانين، وتنظر بالطعون النيابية المقدمة أمامها». وجرى تشكيل المجلس الدستوري اللبناني للمرّة الأولى في عام 1993، وهو يتألف من عشرة أعضاء، خمسة ينتخبهم المجلس النيابي، وخمسة تعينهم الحكومة، ويراعي المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وتمثّل فيه الطوائف الأساسية، وحددت المادة الرابعة من قانون المجلس ولايته بست سنوات.
وغالباً ما تعجز القوى السياسية اللبنانية عن انتخاب مجلس جديد فور انتهاء ولاية المجلس السابق بسبب التجاذبات السياسية، واعتبر الخبير القانوني والدستوري صلاح حنين، أن «المجلس الدستوري الحالي مستمرّ بتسيير العمل رغم مرور ثلاث سنوات على انتهاء ولايته، وإلى حين انتخاب وتعيين مجلس جديد»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المجلس الدستوري «يشكّل ضمانة لعدم تمادي السلطة التشريعية في إقرار قوانين لا تراعي المصلحة العامة لجميع المواطنين». وعمّا إذا كان تعيين نصف أعضاء المجلس الدستوري يؤثر على حيادية قرار الأعضاء المعينين، أوضح النائب صلاح مخيبر أن الأمر «يرتبط بأخلاقية السياسيين ومدى احترامهم لاستقلالية القضاء وتمسّكهم بالعدالة». وقال: «يفترض بالمرجعيات السياسية أن تختار الأشخاص وفق معيار الكفاءة والنزاهة والخبرة، وليس بمعيار التبعية والزبائنية».
وينص قانون المجلس الدستوري على ضرورة اختيار أعضائه من القضاة العدليين والإداريين الحاليين والسابقين، الذين أمضوا أكثر من عشرين عاماً في القضاء، ومن المحامين الذين أمضوا أكثر من عشرين سنة في المهنة، ومن أساتذة التعليم العالي الذين يدرسون مادة القانون.
وإذا كانت المسؤولية ترتّب على السياسيين اعتماد الأكثر كفاءة لعضوية المجلس الدستوري، لفت النائب السابق صلاح حنين، إلى أن «الدستور ينصّ على استقلالية القاضي، وبالتالي مفروض على القاضي أن يكرّس استقلاليته ويتمسّك بها حتى لو كان معيناً من مرجع سياسي». وتعليقاً على المآخذ التي تسجّل على عمل المجالس الدستورية التي تعاقبت منذ تشكيل هذا المجلس في عام 1993 حتى الآن، قال حنين إن «المجلس الدستوري الذي اتخذ قراراً بإنجاح النائب صلاح مخيبر (في الانتخابات الفرعية عن منطقة المتن - جبل لبنان في عام 2002) بألف صوت فقط، مقابل من حصل على 30 ألف صوت (غبريال المرّ)، كان قراره سياسياً»، مشيراً أيضاً إلى أن المجلس الدستوري الذي «شرّع التمديد للمجلس النيابي في عام 2013 اتخذ قراراً سياسياً، رغم أن حيثيات التمديد تقول إنه غير شرعي»، معتبراً أن «هكذا قرارات تبرر أبعاد الصراع السياسي على التعيين في المجلس الدستوري، وتقوّض مفهوم الدولة».
تمديد مهل الترشّح لدخول المجلس الدستوري، استفاد منه القاضي رياض أبو غيدا، الذي قدّم استقالته من منصب قاضي التحقيق العسكري الأول، وعلى الفور قبل مجلس القضاء الأعلى هذه الاستقالة، وأحالها على وزير العدل سليم جريصاتي، لإصدار مرسوم يقضي بإنهاء خدمات أبو غيدا، وإحالته على التقاعد بعد 38 عاماً قضاها في السلطة القضائية، وكشف مرجع قضائي أن «الاستقالة هي تمهيد لترشّح أبو غيدا لعضوية المجلس الدستوري، الذي سيتشكّل قريباً».



كيف يعزز التعاون العسكري المصري - التركي التقارب بين البلدين؟

رئيس أركان الجيش المصري ونظيره التركي عقب اجتماع اللجنة العسكرية العليا للبلدين في أنقرة (المتحدث العسكري - مصر)
رئيس أركان الجيش المصري ونظيره التركي عقب اجتماع اللجنة العسكرية العليا للبلدين في أنقرة (المتحدث العسكري - مصر)
TT

كيف يعزز التعاون العسكري المصري - التركي التقارب بين البلدين؟

رئيس أركان الجيش المصري ونظيره التركي عقب اجتماع اللجنة العسكرية العليا للبلدين في أنقرة (المتحدث العسكري - مصر)
رئيس أركان الجيش المصري ونظيره التركي عقب اجتماع اللجنة العسكرية العليا للبلدين في أنقرة (المتحدث العسكري - مصر)

تطرح مخرجات الاجتماع الرابع للجنة العسكرية المصرية-التركية في أنقرة تساؤلات حول كيفية انعكاس توجه البلدين نحو زيادة التعاون العسكري المشترك على مساعي التقارب بين البلدين والتنسيق في قضايا المنطقة.

وناقش رئيسا أركان القوات المسلحة المصرية والتركية، نهاية الأسبوع الماضي في أنقرة، فرص «زيادة آفاق الشراكة والتعاون العسكري»، في خطوة عدّها عسكريون وسياسيون «تعزيزاً لمستوى الشراكة بين مصر وتركيا».

وترأس رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، ونظيره التركي، الفريق أول متين غوراك، الاجتماع، وحسب إفادة للمتحدث العسكري المصري، مساء الأحد، ناقش الاجتماع «تعزيز التعاون العسكري بين البلدين في مجالات التدريب، ونقل وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة المصرية والتركية»، وأكد الجانبان «تطلعهما لزيادة آفاق الشراكة والتعاون العسكري في العديد من المجالات خلال المرحلة المقبلة».

الفريق أحمد خليفة والفريق متين غوراك ناقشا تعزيز التعاون العسكري بين البلدين (المتحدث العسكري - مصر)

وليست هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها أنقرة محادثات عسكرية رفيعة المستوى بين مصر وتركيا، حيث سبق أن زار رئيس الأركان المصري السابق، الفريق أسامة عسكر، الذي عُين لاحقاً مستشاراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تركيا في شهر أبريل (نيسان) العام الماضي، لبحث التعاون العسكري بين البلدين.

وتشهد العلاقات المصرية-التركية تطوراً في الفترة الأخيرة، بعد سنوات من القطيعة والجمود، منذ سقوط حكم «الإخوان» في مصر عام 2013، إلى أن بدأ التحسن في علاقات البلدين منذ عام 2020، مع تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، وصولاً للنقلة النوعية التي شهدتها العلاقات المصرية-التركية، بتبادل الرئيس المصري، ونظيره التركي، رجب طيب إردوغان، الزيارات، العام الماضي.

استقبال رسمي لرئيس أركان القوات المسلحة المصرية خلال زيارته إلى تركيا (المتحدث العسكري - مصر)

وخلال زيارته لتركيا، التقى رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع التركي، يشار غولر، وأكد «اعتزاز بلاده بالعلاقات العسكرية مع أنقرة». وحسب بيان المتحدث العسكري المصري: «أشاد وزير الدفاع التركي بالدور المصري الفاعل بمحيطيها الدولي، والإقليمي، في ضوء التحديات الراهنة»، وأكد «ضرورة العمل المشترك لمواجهة تلك التحديات، بما يحقق الاستقرار بالمنطقة».

ويشكل التعاون العسكري المصري-التركي «خطوة مهمة» تعكس التقارب بين القاهرة وأنقرة في الفترة الحالية، وفق تقدير الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، وقال إن «اجتماع اللجنة العسكرية بين البلدين يعزز من إجراءات التنسيق بين اثنين من أقوى الجيوش في المنطقة».

ويرى فرج، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن مجالات التعاون العسكري بين القاهرة وأنقرة تشمل «تبادل المعلومات، والتعاون في مجال التصنيع الحربي»، مشيراً إلى أن التقارب بين البلدين قد يتطور إلى «التدريب المشترك».

من زيارة رئيس أركان القوات المسلحة المصرية إلى تركيا (المتحدث العسكري - مصر)

وخلال زيارته لتركيا، التقى الفريق أحمد خليفة برئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية لبحث سبل التعاون المشترك، كما زار عدداً من الشركات المتخصصة في مجال الصناعات الدفاعية، لاستعراض القدرات التصنيعية المتطورة لتلك الشركات، بما يعزز من فرص تبادل الخبرات في مجال التصنيع العسكري، كما تفقد قيادة القوات الخاصة التركية، وشاهد عدداً من البيانات العملية والأنشطة التدريبية لها، حسب المتحدث العسكري المصري.

ويعكس التعاون العسكري بين القاهرة وأنقرة تقارباً سياسياً بين البلدين، بعد سنوات من التوتر، وفق الباحث في العلاقات الدولية بتركيا، طه عودة، وأشار إلى أن انعقاد اللجنة العسكرية رفيعة المستوى بين البلدين يشكل «دلالة واضحة على جدية العلاقات الثنائية، وتوافر الإرادة لبناء جسور الثقة بين البلدين».

ويعتقد عودة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «العلاقات المصرية-التركية وصلت إلى مستويات عالية من التنسيق والتعاون، بعد تبادل الزيارات بين الرئيس المصري ونظيره التركي»، وقال إن «العلاقات بين البلدين أصبحت أكثر تقارباً وتنسيقاً في المجالات السياسية، والعسكرية».

وزار السيسي أنقرة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، بدعوة من إردوغان، في رد على زيارة الأخير للقاهرة في 14 فبراير (شباط) من العام الماضي، وعدّ الرئيس المصري الزيارة وقتها أنها «تعكس الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون بين مصر وتركيا، استناداً لدورهما المحوري في محيطيهما الإقليمي، والدولي».

وإلى جانب التعاون الثنائي، يرى عودة أهمية التعاون المصري-التركي في قضايا المنطقة، وقال: «التعاون العسكري يأتي في توقيت مهم، تشهد فيه المنطقة تطورات عديدة، تستدعي التنسيق المشترك، لمواجهة تحديات كثيرة، منها الأوضاع في غزة، وليبيا، والسودان، والبحر الأحمر».

ويتفق في ذلك اللواء فرج، مشيراً إلى أهمية التعاون بين القاهرة وأنقرة بشأن «الأوضاع في سوريا، والتطورات في قطاع غزة، كون الموقف التركي داعماً باستمرار لحقوق الشعب الفلسطيني»، إلى جانب التنسيق بشأن «الأوضاع في القرن الأفريقي، وكذلك في الملف الليبي».