المصرية رنا يسري... تستعين بعشتار لتعيد مفهوم القوة للمرأة

«آسوري» كلمة تعود إلى الإمبراطورية الأشورية، بالأحرى إلى «عشتار» ألهة الجمال عند الأشوريين، التي كان يرمز لها بنجمة زرقاء بثمانية أشعة. ويبدو أن المصممة المصرية رنا يسري لا تريد أن تنتهي حكاية «نجمة عشتار».
تعود البداية عندما كانت رنا يسري في الـ12 من عمرها فقط؛ شعرت حينها بشغف نحو تصميم الأزياء. ورغم صغر عمرها، كانت التفاصيل التي تحيط بها تشدها لترسمها على الورق، حيث تقول لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت في هذه السن المبكرة رسم تصاميم ملابسي الشخصية. فكلما سنحت الفرصة، أمسكت بالورقة والقلم لأعبر عن أفكاري، وما يجول بخيالي».
انتبهت العائلة إلى موهبتها، وشجعتها عليها، لكنها شجعتها أيضاً على الالتحاق بكلية الهندسة التي تخرجت منها بتفوق. ورغم أنها وصلت إلى مركز مهني مرموق وهي لم تتجاوز الـ24 من عمرها، فإنها كانت تشعر بأن حلمها القديم لا يزال مشتعلاً بداخلها. تقول: «كان هذا الشعور أقوى مني، لذا قررت ترك الهندسة لأتفرغ له. لم أندم على دراستي الأكاديمية. بالعكس، فقد تعلمت من الهندسة دقة التفاصيل، كما غيرت نظرتي لكل ما يحيط بي؛ أصبحت أرى الأشياء مجردة، يمكن للمصمم الماهر أن يضع لها قوانين جديدة». ومع ذلك، كانت تشعر بأن عليها أن تتعلم المزيد لتعزيز مهاراتها التقنية، لهذا دخلت في دورات تدريبية على تصميم الأزياء مع المصمم الأميركي مارك جاكوبس، وفي دار «توني ورد كوتور».
بعد ذلك، بدأت تمارس التصميم من داخل حجرة صغيرة مستأجرة مع اثنين من صديقاتها. تقول إن هذه المرحلة «كانت بمثابة اختبار لقدراتي، وجس لطبيعة سوق الموضة في مصر. فصناعة الأزياء مهمة على المستوى العالمي، كما أن للسوق المصرية معايير ومتطلبات لم أكن على إلمام كاف بها في ذلك الحين. اقترح علي الكثيرون أن أبدأ من الخارج، لكن كان هدفي منذ البداية أن أقدم تصاميمي للعالم من أرض مصر».
في عام 2016، تحول الحلم إلى حقيقة بإطلاقها دار «أسوري». وخلال عامين فقط، حققت رنا يسري مع فريقها نجاحات متتالية. فقد حصلت على المركز الأول في مسابقة «لامودا بيروت» عام 2017، كما حصلت على جائزة أسبوع الموضة العربي بدبي، في دورته السادسة. تقول: «كان من الصعب أن تحصد دار صغيرة في عالم الموضة جائزة أسبوع الموضة العربي بدبي، فعادة ما تذهب إلى دور مخضرمة». وتوالت المشاركات في أسابيع الموضة، وكان آخرهما مشاركتها في أسبوع الموضة العربي بالرياض، في شهر أبريل (نيسان) الماضي.
وخطت رنا يسري لنفسها خطاً خارج السياق، بعيداً عن الصيحات والاتجاهات السائدة. الجرأة جزء من اختياراتها، حسبما تقول موضحة: «أبحث عن المرأة الجريئة الجميلة القوية في آن واحد، لأنها هي التي أوجه إليها تصاميمي؛ امرأة لا تخشى الاختلاف والمواجهة». فالأزياء، حسب رأيها، بمثابة حركات ثورية ناعمة، وسلاح يؤثر في المجتمع ويتأثر به، وللموضة «علاقة وثيقة بثقافة المجتمع، وحركة الاقتصاد والسياسة أيضاً. فإذا أردت أن تحث الشعوب على تقبل فكرة الحرب أو السلام، فيمكن لصيحة أن تحقق ذلك، ربما أكثر من الخطابات المباشرة. حتى أن صيحة معينة يمكن أن تدعم توجه الدولة بطريقة غير مباشرة، ومثال على ذلك رواج (rubber boots)، الأحذية المطاطية، في أوروبا، كشكل من أشكال دعم الاقتصاد».
الهوية المميزة مبدأ لا تتنازل عنه رنا يسري: «صحيح أتابع وأتأثر بكثير من تصاميم دور الأزياء الكبرى، مثل فيرساتشي، ولكني أعمل من أجل تأسيس هوية مميزة لدار (أسوري). التصميم بالنسبة لي عمل فني قائم على الإبداع والابتكار، وليس التقليد والاستنساخ، لذا أذهب بفكري ووجداني بعيداً عما يقدم على خشبة عروض الأزياء، وأبحث حولي عن مصادر إلهام قد تبدو للبعض غريبة».
ربما لا يصدق أحد أن تفاصيل ورقة شجرة صغيرة قد تكون مصدر إلهام لتصميم أنيق، فالجمال ليس هو الملهم الوحيد دائماً، إذ يُشعل القُبح أحياناً طاقة المصمم، لأن الموهبة الحقيقية تكمن في القدرة على تجريد الأشياء، وإعادة استخدامها بمنظور جديد. وتشرح رنا الفكرة أكثر قائلة: «من أغرب التصاميم التي قدمتها مجموعة مستوحاة من أسلاك الكهرباء، استلهمتها من لافتة إعلانية ضخمة بٌنيت على فكرة (شخبطة) بألوان تشبه أسلاك الكهرباء. عدت إلى المنزل وأنا أرى أمامي مجموعة تصاميم لأزياء راقية من أسلاك الكهرباء، وبالفعل قدمت المجموعة، ولاقت نجاحاً كبيراً، ولم يتوقع أحد أن أسلاك الكهرباء قد تتحول إلى تصميم أنيق تتزين به المرأة في حفل راقٍ، أو حتى على السجادة الحمراء».
لا تقدم رنا أية مجموعة إلا إذا كانت تعبر عن فكرة أثارت شغفها، وحركت وجدانها: «كل مجموعة أقدمها تحمل رسالة مباشرة، تتمثل في تصاميم أنيقة، ورسالة غير مباشرة لفكرة أو ثقافة أو مفهوم أريده أن يصل إلى نساء العالم. أول مجموعة كانت مستوحاة من نساء (أسوري)، وتلعب على فكرة الجمال والقوة والجاذبية. كيف للمرأة أن تحمي جمالها بشخصية واضحة قوية. كما قدمت مجموعة (black rose)، أو الزهرة السوداء، التي تصف كل ورقة منها امرأة من نساء (أسوري)، يتكاملن ليمثلن الوردة السوداء، وهي المجموعة الفائزة في أسبوع الموضة العربي بدبي». حالياً، تُخطط رنا يسري لعدد من الشراكات التي تجمع بين كبار المصممين والمواهب الصغيرة، لتُقدم للعالم صورة شاملة للموضة.