تعرف طاقة الكتل الحيوية، بأنها الطاقة التي يمكن الحصول عليها من مصادر طبيعية، كالمخلفات الزراعية وروث الحيوانات. وأصبحت هذه الكتل الحيوية تمثل نحو 14 في المائة من استهلاك الطاقة الأولية في العالم، ومن المتوقع أن تصل إلى 50 في المائة بحلول عام 2050.
وفي محاولة لاستنفار الهمم للاستفادة من هذا المصدر المهم، الذي يضيعه المصريون سنوياً بالحرق مسببين مشكلة بيئية باتت تعرف باسم «السحابة السوداء»، قام فريق بحثي مشترك من جامعتي أسوان بمصر، وخايين بإسبانيا، يضم صلاح كامل، الأستاذ بكلية هندسة أسوان، وهدى عبد الستار باحثة الدكتوراه بالكلية نفسها، وفرنسيسكو خورادو، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة خايين، ودابيد بيرا، الباحث بالكلية نفسها، بإجراء بحث مشترك لتقييم الإمكانات المتاحة في مصر، لتصبح إحدى دول إنتاج الطاقة الحيوية، خاصة من بقايا المحاصيل الزراعية.
ووفق الدراسة التي نشرتها مجلة الطاقات المتجددة والمستدامة (Renewable and Sustainable Energy Reviews)، فإن مصر تنتج سنوياً كمية كبيرة من الكتل الحيوية تصل إلى 40 مليون طن. وبدلاً من استغلالها على النحو الأمثل للمساهمة في تحسين الإنتاج لقطاع الطاقة والنمو الاقتصادي، يتم التخلص من نحو 52 في المائة منها عن طريق الحرق المباشر في الحقول، مما يتسبب في كثير من المشكلات البيئية.
- «تغويز الكتلة الحيوية»
وكشفت الدراسة عن أن مصر لديها القدرة على إنتاج كمية هائلة من الطاقة الحيوية، خاصة من مخلفات المحاصيل؛ حيث يتوفر نحو 12.57 مليون طن سنوياً من مخلفات المحاصيل المتاحة للاستخدام، مثل سيقان الذرة، وقش الأرز، ومخلفات قصب السكر، وسيقان القطن.
وذهبت الدراسة إلى أن هذه المصادر كفيلة بإنتاج طاقة محتملة تقدر بنحو 189.76 بيتاجول في السنة، مشيرة إلى أن قش الأرز يتمتع بأعلى إمكانات لتوليد الطاقة في مصر؛ حيث يمكن الحصول منه وحده ومن منطقة واحدة فقط هي دلتا النيل على 111.22 بيتاجول في السنة، بينما يمكن الحصول من الذرة الصفراء في منطقة مصر الوسطى على 38.88 بيتاجول، ومن قصب السكر في صعيد مصر على 26.64 بيتاجول. (بيتاجول هي وحدة قياس للطاقة - ومثلاً، فإن مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي يولد 38.2 بيتاجول من الطاقة).
وتستخدم هذه المخلفات في إنتاج غاز صناعي، عبر العملية التي تعرف باسم «تغويز الكتلة الحيوية» (biomass gasification). فمن خلال تفاعل المخلفات بلا احتراق مع كمية مضبوطة من الأكسجين أو البخار في ظروف حرارة عالية تزيد على 700 درجة مئوية، يتم إنتاج غاز صناعي يحتوي بشكل رئيسي على أول أكسيد الكربون والهيدروجين، ويمكن تحويل هذا الغاز إلى ميثانول وأمونيا وبنزين صناعي، أو استعماله مباشرة كبديل للغاز الطبيعي، أو مزجه بالغاز الطبيعي في شبكة الإمداد بالغاز.
وإضافة إلى التغويز، أشارت الدراسة إلى مصدر آخر، وهو الغاز الحيوي المحتمل في مصر، الذي يمكن الحصول عليه من روث 7.2 مليون رأس ماشية. وقدرت الدراسة كمية الغاز الحيوي التي يمكن الحصول عليها يومياً من هذا المصدر بنحو 53.2 مليون متر مكعب في اليوم.
- جهود بحثية
إن من أهم ما يميز هذه الدراسة إعطاؤها تصوراً إجمالياً لكمية الطاقة التي يمكن الحصول عليها من كل مخلف في مصر؛ لكن المعرفة بإمكانية استغلال هذه المصادر في إنتاج الطاقة ليست بالجديدة، إذ وضع فريق بحثي من جامعة تينيسي بالولايات المتحدة عام 2017، تصوراً لإمكانية الاستفادة من قش الأرز في إنتاج الطاقة، وذلك عبر إنتاج إنزيمات لتكسير المواد السيليلوزية بما يسهل من عملية التخمر لإنتاج الإيثانول الحيوي.
كما توصل فريق عراقي دنماركي مشترك في 2014 إلى إنتاج حمض جديد له القدرة على تحليل السيليلوز مائياً، ومن ثم إنتاج الإيثانول الحيوي من المخلفات الزراعية، دون الحاجة إلى الإنزيمات المكلفة، ونشروا بحثاً في مجلة «الحفز التطبيقي» نهاية فبراير (شباط) من عام 2014.
وأعلن مختبر تطبيقات التكنولوجيا الحيوية بمعهد بحوث البترول بمصر، عام 2004، عن إنتاجه للإيثانول والغاز والوقود الحيوي الصلب، باستخدام تقنيات النانوتكنولوجيا، والتكنولوجيا الحيوية، وذلك من خلال التوصل إلى عازلات مصرية لها القدرة على إنتاج الإنزيمات الخاصة بتكسير المواد السيليلوزية في المخلفات الزراعية، لإنتاج السكريات الخاصة بعملية التخمر، لإنتاج الإيثانول الحيوي.
وأعلن باحثو المعهد حينذاك، أنهم نجحوا في إنتاج الإيثانول الحيوي بكميات تصل إلى 115 غالوناً لكل طن من مصاصة القصب، وإنتاج 50 غالوناً من الإيثانول لكل طن من قش الأرز، و60 غالون إيثانول من بقايا مخلفات صناعة السكر من البنجر، و70 غالوناً من كل طن مخلفات صناعة السكر من القصب.
- محاولات فاشلة
كانت هناك محاولات حكومية مصرية لتدشين مشروع لإنتاج البيوغاز من قش الأرز، في قرية تمى الأمديد بمحافظة الدقهلية في دلتا مصر؛ لكن هذه المحاولات «لم تكتمل» وسرعان ما تم إغلاق المصنع.
وأعلنت وزارة الزراعة المصرية العام الماضي تنفيذ بروتوكول تعاون مشترك مع وزارة البيئة، يستهدف جمع قش الأرز من خمس محافظات مصرية، هي الشرقية، والبحيرة، والدقهلية، والقليوبية، والغربية، وإعادة تدويره واستخدامه في إنتاج الأعلاف والوقود الحيوي؛ لكن لم يتم الإعلان بعد ذلك عن حدوث أي جديد في هذا الإطار.
ويعزو الدكتور صلاح كامل، الباحث الرئيسي بالدراسة، فشل مثل هذه المشروعات، إلى القصور في تعظيم القيمة المضافة لها. وقال كامل في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن إنجاح مشروع للبيوغاز لا ينطوي فقط على جوانب تقنية؛ لكن توجد جوانب أخرى، مثل التخطيط الذي يضع نظاماً متكاملاً يكون من مخرجاته أيضاً إنتاج سماد عضوي جيد ونظيف، خال من الملوثات، وبأقل تكلفة ممكنة.
ويضيف أن الأمر نفسه ينطبق على استخدام قش الأرز، فهو وفق الدراسة يتمتع بأعلى إمكانية لتوليد الطاقة، مقارنة بباقي المخلفات الزراعية، مما يجعله واحداً من أهم مصادر الكتلة الحيوية لإنتاج الكهرباء.
لكن كامل شدد على أنه يمكن تعظيم الاستفادة منه عبر استخدامات مكملة لمشروع إنتاج الطاقة، وذلك باستخدامه للحصول على سماد صناعي، واستخدامه في إنتاج البيوغاز للحصول على طاقة وسماد عضوي. ويمكن أيضاً كبسه وبيعه لمصانع الورق ومصانع الطوب، واستخدامه في مزارع الدواجن كفرشة لأرضية المزرعة.
ويتفق هشام القصاص، عميد معهد الدراسات والبحوث البيئية، مع ما ذهب إليه كامل؛ لكنه يشير في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إلى بعد آخر قد يعوق تنفيذ مثل هذه الأفكار، وهي الظروف الاقتصادية الصعبة، التي لا تضع مثل هذه المشروعات في قائمة الأولويات.
ومن التجارب السلبية أيضاً المتعلقة بمثل هذه المشروعات، هو عدم وضع نظام واضح يضمن وصول إمدادات المخلفات إلى المصانع. ويضيف القصاص: «هذا يتطلب وجود خطة واضحة تنفذ أسلوب (العصا والجزرة)، فتمنح حوافز للمتعاونين في توصيل المخلفات للمصانع، وتعاقب من يقوم بحرقها».
وأشارت دراسة أجراها فريق بحثي أميركي، ونشرتها مجلة «الطاقات المتجددة والمستدامة» في فبراير من عام 2018، إلى المشكلة التي أشار إليها القصاص.
وقال الفريق البحثي، إن تحويل النفايات العضوية، بما في ذلك حمأة مياه الصرف الصحي، ونفايات الثروة الحيوانية، ومخلفات الطعام، إلى وقود، لا يحتاج فقط إلى التقنيات اللازمة لذلك؛ وإنما يجب أن تكون هناك معلومات تفصيلية عن خصائص النفايات المميزة لكل مكان، ومتطلبات نقل هذه النفايات للمصانع.
- تفاصيل أقل قيمة
وقد فشلت مشروعات استهدفت استخدام قش الأرز في إنتاج الورق، إذ حكى الدكتور جلال نوار، وهو صاحب اختراعات تتعلق بقش الأرز، تجربته؛ حيث قال إنه حصل على دعم وتمويل من صندوق البحث العلمي، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، لتصنيع لب الورق من قش الأرز، ووقع الاختيار على إحدى المحافظات (رفض تسميتها) التي تزرع مساحات كبيرة من الأرز، وتعاني من آثار حرق القش. وقدمت المحافظة قطعة أرض من فدانين لتنفيذ الفكرة، ولكن كل شيء توقف بسبب الاختلاف حول ميزانية بناء السور الذي يحيط بالأرض.
ويعزو الدكتور صلاح كامل، الباحث الرئيسي بالدراسة، حدوث المشكلات التي أوقفت تجارب الاستفادة من المخلفات، إلى عدم الإدراك المستقبلي للقيمة الاقتصادية لهذه المشروعات، والتفكير الوقتي فقط في الأموال التي ستنفق على تدشينها.
ويضيف أن «محافظات البحيرة والشرقية والدقهلية وكفر الشيخ في منطقة الدلتا، بها أكبر قدر ممكن من المخلفات؛ حيث توفر هذه المحافظات مجتمعة ما بين 0.59 و0.87 مليون طن من المخلفات سنوياً، أما منطقة الدلتا الوسطى فتتميز بمخلفات ساق الذرة وقش الأرز وساق القطن، في حين أن مصاصة قصب السكر متوفرة في منطقة صعيد مصر، بالتحديد في محافظتي قنا وأسوان، وبالتالي فإن هذه المناطق تعتبر الأنسب لإقامة مثل هذه المشروعات».