نقولا تويني: ضعف هيبة السلطة اللبنانية بسبب المحاصصة يمنع محاسبة الموظفين الفاسدين

وزير مكافحة الفساد لـ «الشرق الأوسط»: مجموعات حزبية وطائفية تقاسمت مقدرات الدولة بعد الحرب

TT

نقولا تويني: ضعف هيبة السلطة اللبنانية بسبب المحاصصة يمنع محاسبة الموظفين الفاسدين

تتصدر مكافحة الفساد في لبنان قائمة الإصلاحات التي التزمت الحكومة الموعودة تنفيذها لتحصل من الدول المانحة على تمويل المشاريع التي قدمتها الدول المانحة في إطار مؤتمر «سيدر»، يليها إصلاح الجمارك وتحسين إدارة الاستثمار العام وتعزيز المساءلة في إدارة المالية العامة لضمان نمو الاقتصاد اللبناني وتقليص العجز في الناتج المحلي للبلاد.
ولكن هذا الالتزام دونه احتلال لبنان المرتبة 143 في مؤشر مدركات الفساد للعام الماضي من أصل 180 دولة، ليُسجّل بذلك تراجعاً مقارنة مع العام الذي سبقه أي 2016. إذ كان يحتلّ المرتبة 136 من أصل 176 دولة.
والفساد منظومة متكاملة تبدأ بصفقات «دسمة» تبتلع الملايين من الدولارات من دون محاسبة، ولا تنتهي بالرشاوى التي تنخر إدارات الدولة اللبنانية.
ويقول وزير مكافحة الفساد الإداري في حكومة تصريف الأعمال نقولا تويني لـ«الشرق الأوسط» «إن الحرب الأهلية أفرزت مجموعات حزبية وطائفية تقاسمت مقدرات الدولة ووضعت خطوط تماس اقتصادية وتفلتاً اجتماعياً أفرز قيماً يلتزم بها من يتبع زعيم الحزب والطائفة. وأسس طبقة جديدة من الذين تولوا السلطة وتقاسموها مستندين إلى تقاطعات إقليمية منحتهم شرعية دولية، وقوننوا وجودهم في السلطة على حساب الدولة المركزية التي تم تفكيكها. بالتالي العلة تكمن لدى الطبقة السياسية الحالية التي جاءت إلى السلطة من الحرب الأهلية».
ويضيف: «خرجت الدولة من الحرب منهوبة ومفككة لكن من دون ديون. ولإعادة الإعمار وضعت خطط لاستدانة المال من النظام المصرفي اللبناني وجيوب اللبنانيين. وووصل الدين العام إلى 75 مليار دولار، وتمت إدارة الدولة بطريقة توزيع المغانم، في حين لم يتجاوز حجم الاستثمار في البنى التحتية إلا ما يتراوح بين 10 إلى 20 في المائة من حجم الدين العام، أما الباقي فذهب إلى مصاريف عمومية، ما جعل الدولة دولة غنائمية تعطي لمن تشاء ومن يراد له أن يأخذ منها غنائم على الفرقاء. وبعد العام 2005 مع انسحاب سوريا من لبنان، انكشف ما تم العبث به من تفكيك للدولة وتفشٍ للفساد».
وانعكاس الفساد السياسي ترجم في إدارات الدولة، ويمكن تصنيفه وفق سلم أولويات يخضع لفلسفة خاصة، يبدأ بـ«الإكرامية»، وهي مبالغ صغيرة يدفعها صاحب المعاملة لموظفين يسرِّعون له إنجاز معاملته، وغالباً ما تصنف ثمناً لـ«فنجان قهوة». ويمر بـ«البراني» وهو راتب شهري موازٍ للراتب الأساسي الذي يحصل عليه الموظف، ويرتبط بمجموعة من الموظفين يتولون إنجاز معاملات الشركات وأصحاب الأعمال بشكل مستمر، ويتقاسمون بدل هذه الأتعاب فيما بينهم وفق تراتبية تصل إلى رئيسهم الذي لا يظهر في الصورة. ويصل إلى «الرشوة» التي ترتبط بالمهام الملتوية التي تستدعي أعمالاً مخالفة للقانون، وعلى قدر الخدمة يكون البدل، لينتهي بالصفقات الكبيرة التي ترتب العقود الدسمة.
ويقول موظف في إحدى الإدارات الرسمية: «لولا البراني لكنا متنا من الجوع»، ويرفض ترجمة «البراني» بـ«الرشوة»، فكل ما يفعله هو تسهيل معاملات مواطنين قد يؤخر مصالحهم الروتين الإداري. ويصر على أن ما يحصل عليه من «الخدمات الخاصة» هو أقل بكثير من الضرر الذي قد يلحق بصاحب المعاملة إن هي سلكت الطريق الرسمي للوصول إلى خواتيمها المرجوة. كما يؤكد أنه لا يقبل تسهيل أي معاملة مخالفة للقانون.
ولا يخاف هذا الموظف من المساءلة والعقاب. فمرجعيته الطائفية تحميه. وما يحصل عليه لا يقارن بالثروات الظاهرة للعيان التي يكدسها موظفون أقل منه رتبة، ولا من يحاسب.
مدير عام إحدى الوزارات، يصف نفسه بأنه «مغلوب على أمره»، يقول لـ«الشرق الأوسط» بأن «ضعف هيبة الدولة بسبب المحاصصة المعتمدة يغيب المحاسبة، بحيث لا تطال إلا من كان غطاؤه المذهبي ضعيفاً. أو إذا حصل صراع سياسي تكون نتيجته تصفية حسابات يدفع ثمنها الموظف. وحين يعمد مسؤول إداري إلى محاسبة موظف مرتكب يدعمه زعيمه، يتلقى اتصالات تحذره من مغبة الأمر، وقد تطلق حملات مبرمجة ضده وتخترع أكاذيب للتشهير به، لذا يصبح غض النظر سياسة إدارية عامة. وغالباً ما يُظلم الموظفون الأكفاء وهم كثر في الإدارات بسبب الفاسدين الذين يعتبرون أنفسهم متضررين جراء نزاهة زملائهم».
البعض يتحدث عن خسارة الدولة ما يقارب 800 مليون دولار سنويا بسبب الرشوة في الدوائر العقارية والجمارك فقط. ويرى مراقبون أن هذه الأرقام متواضعة قياساً إلى حقيقة ما يحصل، وفي حين تتوفر مجموعة قوانين يفترض أن تحد من الفساد وتحاسب الفاسدين والمفسدين، منها قانون الإثراء غير المشروع ورفع السرية المصرفية عن موظفي القطاع العام وتسهيل حق الوصول إلى المعلومات وملاحقة المرتشي والراشي، لكن المشكلة هي في عدم تطبيق أي من هذه القوانين.
تويني يعتبر أن القضاء على الفساد ليس مستحيلاً، لكن المعالجة تعطي نتائجها «إذا بدأ الإصلاح من المنبع، وذلك بحصر جميع المناقصات بآلية موحدة تطبق على جميع الوزارات والمؤسسات وتعتمد تصنيفاً شفافاً لا يسمح بنهب الأموال العامة. كذلك يتطلب الأمر إنشاء هيئة عليا مستقلة لمكافحة الفساد، لديها ذراع تنفيذي لديه صلاحية مطلقة في الاستقصاء والتحري والملاحقة وتعمل لحماية ظهير الدولة. ومن خلال هذين الإجراءين اللذين يجب إقرارهما بقانون يخفف من 60 إلى 70 في المائة من الفساد على مستوى السلطة، وينعكس بنسبة أكبر على مستوى الإدارات».
ويعتبر مسؤول في أحد أجهزة الرقابة أن «الحد من انتشار الفساد يتطلب رفع يد السلطة السياسية عن القضاء وتعديل القوانين المتعلقة بالفساد تسهيلا لمكافحة الفساد والرشوة، وتفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش وإنشاء وحدة خاصة بمكافحة الرشوة، وتحسين الإجراءات في الدوائر الحكومية، واعتماد المكننة والتكنولوجيا التي تؤدي إلى تسريع الإجراءات وتفادي التعاطي المباشر بين المواطن والموظفين وتوفر ملايين الأوراق والمصاريف والفوضى، لا سيما إذا اقترنت بإنشاء قاعات كبيرة واسعة مزودة بكاميرات مراقبة بدل المكاتب المقفلة. وتوجيه الموظفين وحسن تدريبهم ومراقبتهم والأهم اعتماد الكفاءة في كافة الوظائف».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.