«حديقة الأزبكية» لاستعادة موقعها الثقافي والجمالي وسط القاهرة

بدء مشروع لتوثيق نباتاتها النادرة

صور حديقة الأزبكية حالياً («الشرق الأوسط»)
صور حديقة الأزبكية حالياً («الشرق الأوسط»)
TT

«حديقة الأزبكية» لاستعادة موقعها الثقافي والجمالي وسط القاهرة

صور حديقة الأزبكية حالياً («الشرق الأوسط»)
صور حديقة الأزبكية حالياً («الشرق الأوسط»)

لطالما كانت حديقة الأزبكية الشهيرة بوسط القاهرة طوال عقود مضت، مقصداً لحفلات كوكب الشرق أم كلثوم وكبار المطربين المصريين والعرب، وفضلاً عن دورها الفني والثقافي، تميزت بأشجار ونباتات نادرة فضلاً عن تصميم وتخطيط فريد، وأخيراً بدأ الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تنفيذ مشروع لتطوير الحديقة بهدف إعادة إحياء طابعها التاريخي، وكذلك إعادة صياغة ثوابت الحديقة وتخطيطها لاستعادة بعض المساحات التي فقدتها، حيث تقلصت مساحة الحديقة من 20 فدانا إلى 5 أفدنة خلال سنوات من الإهمال.
وتهدف المرحلة الأولى من مخطط تطوير حديقة الأزبكية التي يجري تنفيذها في الوقت الراهن، إلى إعادة تخطيط الحديقة وثوابتها ليعود شكلها إلى ما كانت عليه خلال سنوات تألقها الفني والثقافي، ويتضمن المخطط إعادة استزراع الأشجار والنباتات النادرة، وإحياء النافورة الشهيرة المصنوعة من الرخام والتي يبلغ طولها 10 أمتار وعرضها 3 أمتار، واستعادة بعض المساحات التي فقدتها خلال السنوات الماضية، حيث سيتم نقل جراج الأوبرا الشهير الذي بني على أرض الحديقة القديمة.
وقال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري لـ«الشرق الأوسط»: «الهدف من مشروع تطوير الحديقة هو إعادتها إلى ما كانت عليه سواء بشكلها التاريخي وأشجارها ونباتاتها النادرة، أو دورها الفني والثقافي، حيث سيتم ربط الحديقة بالمسارح المجاورة التي كانت جزءاً منها في الماضي، وإعادة إحياء كشك الموسيقى، وتنظيم الحفلات الفنية والثقافية، كما سيتم إعادة سوق الكتب القديمة (سور الأزبكية) ليحتل أسوار الحديقة مجددا كما كان منذ سنوات».
يعود اسم «الأزبكية» الذي اشتهرت به الحديقة والحي الموجودة فيه بوسط العاصمة المصرية إلى عصر المماليك عندما أهدى السلطان قايتباي قطعة أرض لقائد جيوشه سيف الدين أزبك، الذي أقام عليها الحديقة على مساحة 60 فداناً.
لكن نشأتها الفعلية بشكلها التاريخي المعروف كان في عهد الخديوي إسماعيل عام 1868 ميلادية، حيث كانت الحديقة مغلقة وبحالة سيئة نتيجة رشح المياه في مساحات كبيرة منها بسبب انخفاض أرض المنطقة عن مستوى سطح مياه نهر النيل مما أدى إلى ردم جزء كبير منها.
وتولى تخطيط الحديقة المهندس الفرنسي بارلي ديشان، الذي أنشأ غابة بولونيا الشهيرة بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث أنشأها بمساحة 20 فدانا على نمط مونسو وهو نفس نمط الغابة السوداء بولونيا في باريس.
وبجانب الأشجار التاريخية والنباتات النادرة التي تم جلبها وقتها من دول كثيرة، ضمت الحديقة عددا من المسارح، مما جعلها تصبح خلال سنوات طويلة ملتقى للفنانين والأدباء، واشتهرت بحفلاتها الغنائية لكبار المطربين أمثال أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وقبلهم عبده الحامولي وصالح عبد الحي، وكذلك العروض المسرحية التي كانت تقام على مسرح الأزبكية الذي كان يسمى «تياترو حديقة الأزبكية» لسنوات طويلة إلى أن تغير اسمه إلى «المسرح القومي» حيث ما زال قائما بجوار الحديقة.
ويرى أبو سعدة، أن «مخطط تطوير الحديقة الذي يأتي ضمن مشروع إحياء روح القاهرة الخديوية سيعيد إليها بعضاً من أمجادها التاريخية، حيث ستعود الحديقة مركزاً ثقافياً وفنياً يتضمن كل العروض والفنون».
وتمكن علماء النباتات من توثيق 50 نوعاً من النباتات النادرة الموجودة بالحديقة، بينما ما زالوا يعكفون على دراسة 25 نوعاً آخر لم يتم توثيقهم، كما يعمل العلماء على إيجاد حلول لواحدة من المشكلات الهندسية التي تواجه مخطط إعادة استزراع النباتات النادرة، حيث تقع الحديقة فوق خطوط مترو أنفاق القاهرة وتحديداً فوق محطة «العتبة» وهو ما يقف حائلاً أمام زراعة بعض أنواع النباتات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لريها، مما قد يتسبب في مشكلات رشح المياه داخل أنفاق المترو.
من جهتها قالت المهندسة تريز لبيب، استشاري الحدائق والنباتات النادرة، لـ«الشرق الأوسط»: «درسنا مشكلة احتمال تأثر الأنفاق بمياه الحديقة مع مهندسي هيئة مترو الأنفاق، وتوصلنا إلى حلول فنية علمية، فالمساحة الحالية للحديقة تبلغ نحو 5 أفدنة، ويوجد بينها نحو 14 ألف متر مربع تتقاطع مع أنفاق المترو، لذلك سنقوم بزراعة هذا الجزء بنباتات لا تحتاج إلى مياه كثيرة لريها، إضافة إلى تبطين الأرض بمواد عازلة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».