سبعة رؤساء وزارات عراقيون استثنائيون في مائة سنة

خلال العهدين الملكي والجمهوري

نوري السعيد - رشيد عالي الكيلاني - ياسين الهاشمي - عبد الكريم قاسم - عبد الرحمن البزّاز
نوري السعيد - رشيد عالي الكيلاني - ياسين الهاشمي - عبد الكريم قاسم - عبد الرحمن البزّاز
TT

سبعة رؤساء وزارات عراقيون استثنائيون في مائة سنة

نوري السعيد - رشيد عالي الكيلاني - ياسين الهاشمي - عبد الكريم قاسم - عبد الرحمن البزّاز
نوري السعيد - رشيد عالي الكيلاني - ياسين الهاشمي - عبد الكريم قاسم - عبد الرحمن البزّاز

على مدى قرن كامل، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 طبقاً للبصمة البريطانية التي بدأت بتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق ودخوله التاريخ باسم الملك فيصل الأول، وانتهت بقيام الجمهورية عام 1958 وقتل حفيده الملك فيصل الثاني... توالت عشرات الشخصيات على منصب رئيس الوزراء إبان العهد الملكي الذي استمر 38 سنة.

- العهد الملكي
الحكم في العهد الملكي كان برلمانياً والملك مصون غير مسؤول. ولقد تعاقب على تولّي المنصب عدد من الشخصيات السياسية البارزة خلال تلك الفترة، لعل من أشهرها: عبد الرحمن النقيب، شريف أشراف بغداد وأول رئيس للوزراء، وعبد المحسن السعدون (انتحر عام 1928)، وياسين الهاشمي، ورشيد عالي الكيلاني، ونوري السعيد، وجميل المدفعي، وعلي جودت الأيوبي، وحكمت سليمان، ومزاحم الباجه جي، وصالح جبر، وجعفر العسكري، ورجل الدين الشيعي محمد الصدر، وأرشد العمري، وتوفيق السويدي، والدكتور فاضل الجمالي، وآخرون. لكن، على الرغم من تميّز عدد منهم، فإن الحقبة برمتها دخلت التاريخ الشفاهي للعراقيين كشعب باسم «عهد نوري السعيد».
نوري السعيد، ذلك السياسي الداهية الذي كان أحد ضباط الأمير فيصل بن الحسين أثناء الثورة العربية ضد البريطانيين - «الضباط الشريفيون» - بالإضافة إلى آخرين مثل جعفر العسكري (صهر السعيد) وياسين الهاشمي، تولى رئاسة الوزراء 14 مرة. وتلاه من حيث عدد تولي هذا المنصب علي جودت الأيوبي بـ8 مرات. لكن لدى المقارنة بين الأدوار التي لعبها نوري السعيد الذي اختزل عهداً كاملاً باسمه وبين الأيوبي، فإن الأخير لم يكن سوى موظف كبير يولى الحكم لأغراض التهدئة بانتظار عاصفة قادمة يمكن أن يتصدى لها ساسة مؤثرون مثل ياسين الهاشمي في سياق العلاقة مع الملك والعشائر والطبقة السياسية، أو رشيد عالي الكيلاني الذي كان قومي التوجه وقائد حركة مايو (أيار) الفاشلة عام 1941، أو صالح جبر الذي ارتبط باسمه توقيع «اتفاقية بورتسموث» بين العراق وبريطانيا عام 1948 التي أدت إلى ما سُمّي بـ«وثبة كانون» التي أسقطت الاتفاقية بعد انتفاضة شعبية عارمة سقط خلالها مئات القتلى والجرحى.
قبل صالح جبر، هناك بكر صدقي الذي قاد عام 1936 أول انقلاب عسكري في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وتولى رئاسة الحكومة بعد الانقلاب حكمت سليمان. وفي حين لم يتحمل عبد المحسن السعدون، الذي كان هو الآخر أحد ضباط الثورة العربية ضد البريطانيين، ما عدّه في رسالته الشهيرة إلى ابنه مساومات بين البريطانيين من جهة وإرادة الناس من جهة أخرى فانتحر.... فإن ياسين الهاشمي الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين كان قادراً على اللعب على حبال السياسة فأطلق عليه لقب «أبو دماغين».
كذلك، في حين بدت الصبغة العامة لرؤساء وزراء العهد الملكي أنهم عسكريون محترفون، فإن ثمة سياسيين محترفين تولوا أدوارا مهمة على صعيد ربط العراق بالعالم الخارجي. وكان من أبرز الوجوه التي تركت بصمة واضحة في تلك الحقبة هو السياسي والدبلوماسي والأكاديمي العراقي الشهير الدكتور محمد فاضل الجمالي (توفي عام 1999) الذي تولى رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية بالتناوب أكثر من مرة.
مع ذلك، بقي نوري السعيد مهيمناً في الذاكرة العراقية الشعبية والرسمية حتى بعد قتله بعد انقلاب 14 يوليو (تموز) عام 1958 وسحل جثته في الشوارع. واليوم يرى كثرة من العراقيين أن السعيد كان صاحب أكبر إنجاز في تاريخ العراق الحديث ألا وهو تأسيس «مجلس الإعمار» الذي تنسب له كل المنشآت الحيوية الصناعية والزراعية، فضلاً عن السدود والجسور والأبنية الفخمة في بغداد، مثل وزارة التخطيط وجامعة بغداد والطرق الدولية السريعة.

- العهد الجمهوري
بعد عام 1958، حين جاء العهد الجمهوري، فقد منصب رئيس الوزراء رمزيته ودوره معاً بسبب استحداث منصب رئيس الجمهورية. لكن خلال الفترة من 1958 إلى عام 2003 - وهو عام إسقاط النظام العراقي السابق، فإن هناك اسمين فقط كان لهما دور في المحافظة على رمزية المنصب: الأول هو عبد الكريم قاسم «مؤسس» العهد الجمهوري، الذي رفض أن يكون رئيساً للجمهورية فاكتفى بمنصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع. والآخر هو أستاذ القانون الشهير الدكتور عبد الرحمن البزّاز الذي يعد أول رئيس وزراء مدني في العهد الجمهوري. وبينما استمر حكم عبد الكريم قاسم نحو أربع سنوات ونصف السنة انتهى بإعدامه، فإن فترة تولي البزّاز رئاسة الوزراء استمرت سنتين تقريباً إبّان عهدي الرئيسين الشقيقين عبد السلام وعبد الرحمن عارف.
ويذكر عن البزّاز أنه أول من حاول جاداً البحث عن حلّ للقضية الكردية بإصداره بيان 29 يونيو (حزيران) عام 1966، أو البدء بسياقات صحيحة للدولة المدنية. غير أن الوقت لم يسعف لا البزّاز ولا نظام عارف؛ إذ جاء انقلاب 17 يوليو عام 1968 الذي هيمن بعده البعثيون على السلطة لمدة 35 سنة، اختزل خلالها صدام حسين كل الألقاب والمسميات والأدوار.
وبعد عام 2003، حين تحول العراق من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني توالى على منصب رئيس الوزراء أربع شخصيات، هم الدكتور إياد علاوي، والدكتور إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، والدكتور حيدر العبادي. وها هو أستاذ الاقتصاد عادل عبد المهدي يشغل المنصب في ظروف غاية في الصعوبة والحراجة معاً.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»