سبعة رؤساء وزارات عراقيون استثنائيون في مائة سنةhttps://aawsat.com/home/article/1432251/%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D8%A6%D8%A9-%D8%B3%D9%86%D8%A9
نوري السعيد - رشيد عالي الكيلاني - ياسين الهاشمي - عبد الكريم قاسم - عبد الرحمن البزّاز
TT
TT
سبعة رؤساء وزارات عراقيون استثنائيون في مائة سنة
نوري السعيد - رشيد عالي الكيلاني - ياسين الهاشمي - عبد الكريم قاسم - عبد الرحمن البزّاز
على مدى قرن كامل، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 طبقاً للبصمة البريطانية التي بدأت بتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق ودخوله التاريخ باسم الملك فيصل الأول، وانتهت بقيام الجمهورية عام 1958 وقتل حفيده الملك فيصل الثاني... توالت عشرات الشخصيات على منصب رئيس الوزراء إبان العهد الملكي الذي استمر 38 سنة.
- العهد الملكي الحكم في العهد الملكي كان برلمانياً والملك مصون غير مسؤول. ولقد تعاقب على تولّي المنصب عدد من الشخصيات السياسية البارزة خلال تلك الفترة، لعل من أشهرها: عبد الرحمن النقيب، شريف أشراف بغداد وأول رئيس للوزراء، وعبد المحسن السعدون (انتحر عام 1928)، وياسين الهاشمي، ورشيد عالي الكيلاني، ونوري السعيد، وجميل المدفعي، وعلي جودت الأيوبي، وحكمت سليمان، ومزاحم الباجه جي، وصالح جبر، وجعفر العسكري، ورجل الدين الشيعي محمد الصدر، وأرشد العمري، وتوفيق السويدي، والدكتور فاضل الجمالي، وآخرون. لكن، على الرغم من تميّز عدد منهم، فإن الحقبة برمتها دخلت التاريخ الشفاهي للعراقيين كشعب باسم «عهد نوري السعيد». نوري السعيد، ذلك السياسي الداهية الذي كان أحد ضباط الأمير فيصل بن الحسين أثناء الثورة العربية ضد البريطانيين - «الضباط الشريفيون» - بالإضافة إلى آخرين مثل جعفر العسكري (صهر السعيد) وياسين الهاشمي، تولى رئاسة الوزراء 14 مرة. وتلاه من حيث عدد تولي هذا المنصب علي جودت الأيوبي بـ8 مرات. لكن لدى المقارنة بين الأدوار التي لعبها نوري السعيد الذي اختزل عهداً كاملاً باسمه وبين الأيوبي، فإن الأخير لم يكن سوى موظف كبير يولى الحكم لأغراض التهدئة بانتظار عاصفة قادمة يمكن أن يتصدى لها ساسة مؤثرون مثل ياسين الهاشمي في سياق العلاقة مع الملك والعشائر والطبقة السياسية، أو رشيد عالي الكيلاني الذي كان قومي التوجه وقائد حركة مايو (أيار) الفاشلة عام 1941، أو صالح جبر الذي ارتبط باسمه توقيع «اتفاقية بورتسموث» بين العراق وبريطانيا عام 1948 التي أدت إلى ما سُمّي بـ«وثبة كانون» التي أسقطت الاتفاقية بعد انتفاضة شعبية عارمة سقط خلالها مئات القتلى والجرحى. قبل صالح جبر، هناك بكر صدقي الذي قاد عام 1936 أول انقلاب عسكري في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وتولى رئاسة الحكومة بعد الانقلاب حكمت سليمان. وفي حين لم يتحمل عبد المحسن السعدون، الذي كان هو الآخر أحد ضباط الثورة العربية ضد البريطانيين، ما عدّه في رسالته الشهيرة إلى ابنه مساومات بين البريطانيين من جهة وإرادة الناس من جهة أخرى فانتحر.... فإن ياسين الهاشمي الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين كان قادراً على اللعب على حبال السياسة فأطلق عليه لقب «أبو دماغين». كذلك، في حين بدت الصبغة العامة لرؤساء وزراء العهد الملكي أنهم عسكريون محترفون، فإن ثمة سياسيين محترفين تولوا أدوارا مهمة على صعيد ربط العراق بالعالم الخارجي. وكان من أبرز الوجوه التي تركت بصمة واضحة في تلك الحقبة هو السياسي والدبلوماسي والأكاديمي العراقي الشهير الدكتور محمد فاضل الجمالي (توفي عام 1999) الذي تولى رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية بالتناوب أكثر من مرة. مع ذلك، بقي نوري السعيد مهيمناً في الذاكرة العراقية الشعبية والرسمية حتى بعد قتله بعد انقلاب 14 يوليو (تموز) عام 1958 وسحل جثته في الشوارع. واليوم يرى كثرة من العراقيين أن السعيد كان صاحب أكبر إنجاز في تاريخ العراق الحديث ألا وهو تأسيس «مجلس الإعمار» الذي تنسب له كل المنشآت الحيوية الصناعية والزراعية، فضلاً عن السدود والجسور والأبنية الفخمة في بغداد، مثل وزارة التخطيط وجامعة بغداد والطرق الدولية السريعة.
- العهد الجمهوري بعد عام 1958، حين جاء العهد الجمهوري، فقد منصب رئيس الوزراء رمزيته ودوره معاً بسبب استحداث منصب رئيس الجمهورية. لكن خلال الفترة من 1958 إلى عام 2003 - وهو عام إسقاط النظام العراقي السابق، فإن هناك اسمين فقط كان لهما دور في المحافظة على رمزية المنصب: الأول هو عبد الكريم قاسم «مؤسس» العهد الجمهوري، الذي رفض أن يكون رئيساً للجمهورية فاكتفى بمنصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع. والآخر هو أستاذ القانون الشهير الدكتور عبد الرحمن البزّاز الذي يعد أول رئيس وزراء مدني في العهد الجمهوري. وبينما استمر حكم عبد الكريم قاسم نحو أربع سنوات ونصف السنة انتهى بإعدامه، فإن فترة تولي البزّاز رئاسة الوزراء استمرت سنتين تقريباً إبّان عهدي الرئيسين الشقيقين عبد السلام وعبد الرحمن عارف. ويذكر عن البزّاز أنه أول من حاول جاداً البحث عن حلّ للقضية الكردية بإصداره بيان 29 يونيو (حزيران) عام 1966، أو البدء بسياقات صحيحة للدولة المدنية. غير أن الوقت لم يسعف لا البزّاز ولا نظام عارف؛ إذ جاء انقلاب 17 يوليو عام 1968 الذي هيمن بعده البعثيون على السلطة لمدة 35 سنة، اختزل خلالها صدام حسين كل الألقاب والمسميات والأدوار. وبعد عام 2003، حين تحول العراق من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني توالى على منصب رئيس الوزراء أربع شخصيات، هم الدكتور إياد علاوي، والدكتور إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، والدكتور حيدر العبادي. وها هو أستاذ الاقتصاد عادل عبد المهدي يشغل المنصب في ظروف غاية في الصعوبة والحراجة معاً.
سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في
شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.
بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،
في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار
شوقي الريّس (مدريد)
شرق السودان... نار تحت الرمادhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/5091458-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%A7%D8%AF
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.
حدود ملتهبة
تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.
وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.
وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.
لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.
12 ميليشيا مسلحة
من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».
وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.
ميليشيات بثياب قبلية
«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.
أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.
بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.
كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.
ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.
أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.
ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.
وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.
مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق
إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».
الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.
استقطاب قبلي
حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».
ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».
تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة
من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية
المسؤولية على «العسكر»
حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».
وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».
ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».
وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».
الدور الإقليمي
في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.
للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.
أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.
أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.
وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.