بائع «جيلاتي» متجول يوزع البهجة على أطفال الجيزة

يحافظ على مهنته القديمة رغم ضعف المقابل المادي

بائع الجيلاتي محمد العجيب في الجيزة
بائع الجيلاتي محمد العجيب في الجيزة
TT

بائع «جيلاتي» متجول يوزع البهجة على أطفال الجيزة

بائع الجيلاتي محمد العجيب في الجيزة
بائع الجيلاتي محمد العجيب في الجيزة

بصوت مميز ينادي محمد العجيب على «الجيلاتي - آيس كريم» كل يوم، لينبه أطفال منطقة فيصل بالجيزة لقدومه... تتحرك السيدات صوب الشرفات، والأطفال في اتجاه درج السلالم، لشراء الجيلاتي من عربته التي لونها بعلم النادي الأهلي المصري، ما أكسبه شهرة لافتة بالمنطقة، ومشترين كثيرين ومحبين أكثر.
يقول محمد العجيب لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمتُ صناعة الجيلاتي من خالتي التي كانت تسكن في منطقة صلاح الدين في الجيزة، بالقرب من مستشفى الرمد، فكان لدينا محل صغير، نقوم فيه بصنع الجيلاتي، وأتحرك بها في معظم شوارع المنطقة، وأعود بعد أن أنتهي منها».
وصناعة الجيلاتي، حسب ما ذكر محمد، كانت تحتاج منذ أكثر من 4 عقود، حين تعلمها، إلى كثير من الجهد، حيث كان يقوم بتجهيز المكونات (حليب، ومانجو، وجوافة، وليمون، وكاكاو، وفانيليا، وسكر)، ليضعها في حلة دواره لها مواصفات معينة، مثبتة على حلزونة، ويحيطها بكمية من الثلج المجروش، ثم يشرع في إدارتها بذراعه حتى يختلط الحليب بما وضعه من فاكهة، وعندما ينتهي من صنف معين، يقوم بغسل الحلة، ثم يعيد الكرة مرة أخرى لتصنيع صنف جديد. لكن العجيب يقوم حالياً بصناعة «الآيس كريم» الذي كان يطلق عليه قديماً «الدندرمة» عبر آلة تدور بالكهرباء، بعدما صار الضغط على زر في منتصفها كفيل بتشغيلها، لتقوم بخلط المكونات، ويكون الجيلاتي جاهزاً بعد وقت محسوب.
إلى ذلك، انتقل محمد خلال السنوات الماضية إلى منطقة قريبة من كوبري فيصل بالجيزة، ليبيع بضاعته الجديدة في شوارع وأزقة حي شعبي مكتظ بالسكان. ويذكر العجيب أنه كان يحمل فوق عربته عدداً من الكؤوس الزجاج التي كان يقدمها لزبائنه بقرش صاغ في سبعينات القرن الماضي. والآن، حل مكانها أقماع البسكويت، يشتريها من محلات الحلويات خصيصاً لتعبئتها بالآيس كريم، ويبيع الواحدة منها بجنيهين مصريين.
يعود بائع الجيلاتي المتنقل إلى أيام زمان، ويقول إنها «كانت أجمل من الأيام الحالية؛ كنت أكسب كثيراً، وأتكلف قليلاً من الجنيهات، لكن الآن ارتفعت الأسعار، وقلَّتْ الأرباح، لأنني حريص على أن تكون كل مكوناتها طبيعية، لا عصائر صناعية، ولا مكسبات طعم. أتعامل مع أطفال المنطقة كما لو كانوا أولادي، ولا أقبل أن أضع شيئاً في الجيلاتي يضر بصحتهم. ورغم أن المكسب قليل، فإنني لا أستطيع أن أتوقف عن عملي الذي أحبه؛ يكفيني فقط حفاوة الأطفال حين يسمعون صوتي من بعيد، وفرحتهم بقدومي، وهذا مكسب كبير بالنسبة لي، فحبهم نعمة من الله، ولا يمكن أن تشتريه بالمال».
وينتشر في كل المدن والأحياء المصرية باعة جائلون لـ«الآيس كريم» و«الجيلاتي»، يعدونه بطرق يدوية أو نصف آلية، وهي حرفة قديمة يحافظ عليها هؤلاء الباعة من الانقراض، بمزيج من الطعم اللذيذ والحلو، والشكل والمظهر الجمالي لأشكال العربات، إذ يتنافس كل منهم لرسم أشكال مبهجة وجاذبة للأطفال والأسر، رغم تردي الأوضاع المالية للبائعين، وضعف أرباحهم اليومية، بعد انجذاب الأطفال للمنتجات المثلجة الأخرى البديلة التي تنتجها شركات كبرى بطرق آلية حديثة، وبأشكال مميزة، لتوزع في محلات البقالة والمتاجر الثابتة في كل الشوارع والميادين المصرية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».